أعرب الرئيس أوباما في البداية عن تشرفه بزيارة مدينة القاهرة التاريخية والتي يوجد بها مؤسستان عريقتان للغاية, أحدهما الأزهر الذي بقي لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية, والثانية جامعة القاهرة التي كانت علي مدي أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم في مصر. وقال أوباما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأمريكي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة في بلدي.
وأضاف : إننا نلتقي في وقت يشوبه توتر كبير بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم, وهو توتر تمتد جذوره إلي قوي تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قرونا سادها حسن التعايش والتعاون, كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروبا دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص, كما ساهم في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة علي ذلك حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلي اعتبار الغرب معاديا لتقاليد الإسلام.
لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات عند أقلية صغيرة من المسلمين بشكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 واستمر هؤلاء المتطرفون في مساعيهم الرامية إلي ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين, الأمر الذي حدا بالبعض في بلدي إلي اعتبار الإسلام معاديا لا محالة ليس فقط لأمريكا وللبلدان الغربية وإنما أيضا لحقوق الإنسان. ونتج عن كل ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.
وبناء علي هذا , إذا لم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الاختلاف فيما بيننا, فإننا سنساهم في تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها علي السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها علي التعاون, الأمر الذي من شأنه أن يساعد شعوبنا علي تحقيق العدالة والازدهار. وقال أوباما إنه يجب أن تتوقف هذه الدائرة من الارتياب والشقاق.
وأضاف : لقد أتيت إلي القاهرة للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم, استنادا إلي المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل, وهي بداية مبنية علي أساس حقيقة أن أمريكا والإسلام لا يعارضان بعضهما البعض ولا داع أبدا للتنافس فيما بينهما, بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها, ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
إنني أقوم بذلك إدراكا مني بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. , وأنه لا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة, كما لا يمكنني في الوقت المتاح لي في عصر هذا اليوم أن أقدم الإجابة الوافية علي كافة المسائل المعقدة التي أدت بنا إلي هذه النقطة. غير أنني علي يقين من أنه يجب علينا من أجل المضي قدما أن نعبر لبعضنا البعض بصراحة عما هو في قلوبنا وعما هو لا يقال في كثير الأحيان إلا من وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلي بعضنا البعض, وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة. وينص القرآن الكريم علي ما يلي: (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). وهذا ما سوف أحاول بما في وسعي أن أفعله اليوم وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التي نحن بصددها, اعتقادا مني كل الاعتقاد أن المصالح المشتركة بيننا كبشر هي أقوي بكثير من القوي الفاصلة بيننا.
يعود جزء من اعتقادي هذا إلي تجربتي الشخصية. إنني مسيحي, بينما كان والدي من أسرة كينية تشمل أجيالا من المسلمين. ولما كنت صبيا قضيت عدة سنوات في إندونيسيا واستمعت إلي الآذان ساعات الفجر والمغرب. ولما كنت شابا عملت في المجتمعات المحلية بمدينة شيكاغو, حيث وجد الكثير من المسلمين في عقيدتهم روح الكرامة والسلام.
إنني أدرك بحكم دارستي للتاريخ أن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل الأزهر نور العلم عبر قرون عدة, الأمر الذي مهد الطريق أمام النهضة الأوربية وعصر التنوير. ونجد روح الابتكار الذي ساد المجتمعات الإسلامية – وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطيسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة بالإضافة إلي فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها. وحصلنا بفضل الثقافة الإسلامية علي أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الارتفاع وكذلك علي أشعار وموسيقي خالدة الذكر وفن الخط الراقي وأماكن التأمل السلمي. وأظهر الإسلام علي مدي التاريخ قلبا وقالبا الفرص الكامنة في التسامح الديني والمساواة ما بين الأعراق.
أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لا يتجزأ من قصة أمريكا, حيث كان المغرب هو الدولة الأولي التي اعترفت ببلدي. وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع علي معاهدة طرابلس, فقد كتب ذلك الرئيس أن ##الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتي راحتهم##. ومنذ عصر تأسيس بلدنا, ساهم المسلمون الأمريكان في إثراء الولايات المتحدة. لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الأوليمبية. وعندما تم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكي بالكونجرس, قام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين, توماس جيفرسون, في مكتبته الخاصة.
إنني إذن تعرفت علي الإسلام في قارات ثلاث قبل مجيئي إلي المنطقة التي نشأ فيها الإسلام. ومن منطلق تجربتي الشخصية استمد اعتقادي بأن الشراكة بين أمريكا والإسلام يجب أن تستند إلي حقيقة الإسلام وليس إلي ما هو غير إسلامي, وأري في ذلك جزءا من مسئوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتي أتصدي للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت.
لكن نفس المبدأ يجب أن ينطبق علي صورة أمريكا لدي المسلمين, ومثلما لا تنطبق علي المسلمين الصورة النمطية البدائية, فإن الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها لا تنطب
أمريكا. لقد كانت الولايات المتحدة أحد أكبر المناهل للتقدم عبر تاريخ العالم. وقمنا من ثورة ضد إحدي الإمبراطوريات, وأسست دولتنا علي أساس مثال مفاده أن جميع البشر قد خلقوا سواسية, كما سالت دماؤنا في الصراعات عبر القرون لإضفاء المعني علي هذه الكلمات, بداخل حدودنا وفي مختلف أرجاء العالم. وقد ساهمت كافة الثقافات من كل أنحاء الكرة الأرضية, في تكويننا تكريسا لمفهوم بالغ البساطة باللغة اللاتينية: ##e pluribus unum## – من الكثير واحد.
لقد تم تعليق أهمية كبيرة علي إمكانية انتخاب شخص من أصل أمريكي إفريقي يدعي باراك حسين أوباما إلي منصب الرئيس. ولكن قصتي الشخصية ليست فريدة إلي هذا الحد. ولم يتحقق حلم الفرص المتاحة للجميع بالنسبة لكل فرد في أمريكا, ولكن الوعد هو قائم بالنسبة لجميع من يصل إلي شواطئنا, ويشمل ذلك ما يضاهي 7 ملايين من المسلمين الأمريكان في بلدنا اليوم. وبالمناسبة, يحظي المسلمون الأمريكان بدخل ومستوي للتعليم يعتبران أعلي مما يحظي به معدل الأمريكيين.
علاوة علي ذلك لا يمكن فصل الحرية في أمريكا عن حرية إقامة الشعائر الدينية. كما أن ذلك السبب وراء وجود مسجد في كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من 1200 مسجد داخل حدودنا. وأيضا السبب وراء خوض الحكومة الأمريكية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات في ارتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ علي حرمانهن من ذلك الحق.
ليس هناك أي شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أمريكا. وأعتقد أن أمريكا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية: ألا وهي تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول علي التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء.
ويمثل إدراك أوجه الإنسانية المشتركة فيما بيننا بطبيعة الحال مجرد البداية لمهمتنا. إن الكلمات وحدها لا تستطيع سد احتياجات شعوبنا, ولن نسد هذه الاحتياجات إلا إذا عملنا بشجاعة علي مدي السنين القادمة, وإذا أدركنا حقيقة أن التحديات التي نواجهها هي تحديات مشتركة, وإذا أخفقنا في التصدي لها, سوف يلحق ذلك الأذي بنا جميعا.
لقد تعلمنا من تجاربنا الأخيرة ما يحدث من إلحاق الضرر بالرفاهية في كل مكان إذا ضعف النظام المالي في بلد واحد. وإذا أصيب شخص واحد بالإنفلونزا فيعرض ذلك الجميع للخطر. وإذا سعي بلد واحد وراء امتلاك السلاح النووي فيزداد خطر وقوع هجوم نووي بالنسبة لكل الدول. وعندما يمارس المتطرفون العنف في منطقة جبلية واحدة, يعرض ذلك الناس من وراء البحار للخطر. وعندما يتم ذبح الأبرياء في البوسنة ودارفور, يسبب ذلك وصمة في ضميرنا المشترك. هذا هو معني التشارك في هذا العالم بالقرن الحادي والعشرين, وهذه هي المسئولية التي يتحملها كل منا تجاه الآخر كأبناء البشرية.
إنها مسئولية تصعب مباشرتها, وقد كان تاريخ البشرية في كثير من الأحيان بمثابة سجل من الشعوب والقبائل, وحتي من الأديان, التي قمعت بعضها البعض سعيا وراء تحقيق مصلحتها الخاصة. ولكن في عصرنا الحديث تؤدي مثل هذه التوجهات إلي إلحاق الهزيمة بالنفس, ونظرا إلي الاعتماد الدولي المتبادل , فأي نظام عالمي يعلي شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة. وبغض النظر عن أفكارنا حول أحداث الماضي فلا يجب أن نصبح أبدا سجناء لأحداث مضت. إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة, كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة.
لا يعني ذلك بالنسبة لنا أن نفضل التغاضي عن مصادر التوتر, وفي الحقيقة فإن العكس هو الأرجح: يجب علينا مجابهة هذه التوترات بصفة مفتوحة. واسمحوا لي انطلاقا من هذه الروح أن أتطرق بمنتهي الصراحة وأكبر قدرممكن من البساطة إلي بعض الأمور المحددة التي أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها في نهاية المطاف بجهد مشترك.
إن المسألة الأولي التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله.
وقد صرحت بمدينة أنقرة بكل وضوح أن أمريكا ليست ولن تكون أبدا في حالة حرب مع الإسلام. وعلي أية حال لن نتواني في التصدي لمتطرفي العنف الذين يشكلون تهديدا جسيما لأمننا. والسبب هو أننا نرفض ما يرفضه أهل كافة المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. كما أنه واجبي الأول كرئيس أن أتولي حماية الشعب الأمريكي.
ويبين الوضع في أفغانستان أهداف أمريكا وحاجتنا إلي العمل المشترك. وقبل أكثر من سبع سنوات قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم القاعدة ونظام طالبان بدعم دولي واسع النطاق. لم نذهب إلي هناك باختيارنا وإنما بسبب الضرورة. إنني علي وعي بوجود البعض الذين لا يزالون يشكون في أحداث 11 سبتمبر أو حتي يقومون بتبرير تلك الأحداث. ولكن دعونا أن نكون صريحين: لقد قام تنظيم القاعدة بقتل ما يضاهي 3000 شخص في ذلك اليوم. وكان الضحايا من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء من أبناء أمريكا والعديد من الشعوب الأخري والذين لم يلحقوا الأذي بأحد. ورغم ذلك اختارت القاعدة بلا ضمير قتل هؤلاء الأبرياء وتباهت بالهجوم وأكدت إلي الآن عزمها علي ارتكاب القتل مجددا وبأعداد ضخمة. إن هناك للقاعدة من ينتسبون لها في عدة بلدان وممن يسعون إلي توسعة نطاق أنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش وإنما هي حقائق يجب معالجتها.
ولا بد أن تكونوا علي علم بأننا لا نريد من جيشنا أن يبقي في أفغانستان, ولا نري أو بالأحري لا نسعي لإقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأمريكا بالغ الأذي. كما يسبب استمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة. ونريد بكل سرور أن نرحب بكافة جنودنا وهم عائدون إلي الوطن, إذا استطعنا أن نكون واثقين من عدم وجود متطرفي العنف في أفغانستان والآن في باكستان والذين يحرصون علي قتل أكبر عدد ممكن من الأمريكيين. ولكن لسنا واثقين من ذلك بعد.
ولذلك نتعاون في إطار الشراكة مع تحالف دولي يضم 46 بلدا. ورغم التكاليف الباهظة لن يتواني التزام أمريكا. وفي الحقيقة لا ينبغي علي أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل في كثير من البلدان. لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد, ولكن معظم ضحاياهم من المسلمين. إن أعمالهم غير متطابقة علي الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام. وينص القرآن الكريم علي أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. كما يأتي في القرآن الكريم أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا, ولا شك أن العقيدة الثابتة التي يتمتع بها أكثر من مليار شخص تفوق عظمتها بشكل كبير الكراهية الضيقة الكامنة في صدور البعض. إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة المتلخصة في مكافحة التطرف العنيف, وإنما يلعب الإسلام دورا مهما في دعم السلام.
علاوة علي ذلك نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لحل المشاكل في كل من أفغانستان وباكستان. ولذلك وضعنا خطة لاستثمار 1.5 مليار دولار سنويا علي مدي السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين. وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص ما يربو علي 2.8 مليار دولار لمساعدة الأفغان علي تنمية اقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.
وقال أوباما : اسمحوا لي أيضا أن أتطرق إلي موضوع العراق. لقد اختلف الوضع هناك عن الوضع في أفغانستان, حيث وقع القرار بحرب العراق بصفة اختيارية مما أثار خلافات شديدة سواء في بلدي أو في الخارج. ورغم اعتقادي بأن الشعب العراقي في نهاية المطاف هو الطرف الكاسب في معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين, إلا أنني أعتقد أيضا أن أحداث العراق قد ذكرت أمريكا بضرورة استخدام الدبلوماسية وبناء الإجماع الدولي لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكنا. وفي الحقيقة فإننا نتذكر كلمات توماس جيفرسون الذي قال ##إنني أتمني أن تنمو حكمتنا بقدرما تنمو قوتنا وأن تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها.##
وتتحمل أمريكا اليوم مسئولية مزدوجة تتلخص في مساعدة العراق علي بناء مستقبل أفضل, وترك العراق للعراقيين. إنني أوضحت للشعب العراقي أننا لا نسعي لإقامة أية قواعد في العراق أو لمطالبة العراق بأية من أراضيه أو موارده.. لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر أغسطس القادم, ولذا سوف نحترم الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديموقراطي والذي يقتضي سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول شهر يوليو وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول عام .2012 و سوف نساعد العراق علي تدريب قواته الأمنية وتنمية اقتصاده. ولكننا سنقدم الدعم للعراق الآمن والموحد بصفتنا شريكا له وليس بصفة الراعي.
وأخيرا مثلما لا يمكن لأمريكا أن تتسامح مع عنف المتطرفين, فلا يجب علينا أن نقوم بتغيير أو إهمال مبادئنا أبدا. فقد ألحقت أحداث 11 سبتمبر إصابة ضخمة ببلدنا, حيث يمكن تفهم مدي الخوف والغضب الذي خلفته تلك الأحداث, ولكن في بعض الحالات أدي ذلك إلي القيام بأعمال تخالف تقاليدنا ومبادئنا. إننا نتخذ إجراءات محددة لتغيير الاتجاه. وقد قمت بمنع استخدام أساليب التعذيب من قبل الولايات المتحدة منعا باتا, كما أصدرت الأوامر بإغلاق السجن في خليج جوانتانامو مع حلول مطلع العام المقبل.
وأضاف: نحن في أمريكا سوف ندافع عن أنفسنا محترمين في ذلك سيادة الدول وحكم القانون. وسوف نقوم بذلك في إطار الشراكة بيننا وبين المجتمعات الإسلامية التي يحدق بها الخطر أيضا, لأننا سنحقق مستوي أعلي من الأمن في وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة في عزل المتطرفين مع عدم التسامح لهم داخل المجتمعات الإسلامية.
وقال أوباما : إن المصدر الرئيسي الثاني للتوتر الذي أود مناقشته فهو الوضع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي.
إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة علي نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا, وهي تستند إلي علاقات ثقافية وتاريخية وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه.
لقد تعرض اليهود حول العالم للاضطهاد علي مر القرون, وتفاقمت أحوال معاداة السامية في وقوع المحرقة التي لم يسبق لها عبر التاريخ أي مثيل. وإنني سوف أقوم غدا بزيارة معسكر بوخنفالد الذي كان جزءا من شبكة معسكرات الموت التي استخدمها الرايخ الثالث لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رميا بالأسلحة النارية وتسميما بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود, يعني أكثر من إجمالي عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم. إن نفي هذه الحقيقة هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية. كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود, هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحدث الأكثر إيذاءا إلي أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذي يستحقه سكان هذه المنطقة.
أما من ناحية أخري فلا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني, مسلمين ومسيحيين, قد عانوا أيضا في سعيهم إلي إقامة وطن خاص لهم. و قد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح علي مدي أكثر من ستين سنة, حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن, هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتي الآن. ويتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية, صغيرة كانت أم كبيرة, والتي هي ناتجة عن الاحتلال. وليس هناك أي شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق, ولن تدير أمريكا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.
لقد استمرت حالة الجمود لعشرات السنوات: فهناك شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة, ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضي أمرا صعب المنال,و توجيه اللوم أمر سهل, إذ يشير الفلسطينيون إلي تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين, ويشير الإسرائيليون إلي العداء المستمر والاعتداءات التي يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود علي مدي التاريخ. ولكننا إذا نظرنا إلي هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر, فإننا لن نتمكن من رؤية الحقيقة: لأن السبيل الوحيد للتوصل إلي تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.
إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا ومصلحة العالم, ولذلك سوف أسعي شخصيا للوصول إلي هذه النتيجة, متحليا بالقدر اللازم الذي تقتضيه هذه المهمة من الصبر والتفاني. إن الالتزامات, التي وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هي التزامات واضحة. لقد آن الأوان, من أجل إحلال السلام, لكي يتحمل الجانبان مسئولياتهما, ولكي نتحمل جميعنا مسئولياتنا كذلك.
يجب علي الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف, إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلي النجاح. لقد عاني السود في أمريكا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود, ولكن العنف لم يكن السبيل الذي مكنهم من الحصول علي حقوقهم الكاملة والمتساوية, بل كان السبيل إلي ذلك إصرارهم وعزمهم السلمي علي الالتزام بالمثل التي كانت بمثابة الركيزة التي اعتمد عليها مؤسسو أمريكا, وهذا هو ذات التاريخ الذي شاهدته شعوب كثيرة تشمل شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوربا الشرقية وإندونيسيا. وينطوي هذا التاريخ علي حقيقة بسيطة, ألا وهي أن طريق العنف طريق مسدود, وأن إطلاق الصواريخ علي الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة علي متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة, ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عن طريق تنفيذ مثل هذه الأعمال, إذ يؤدي هذا الأسلوب إلي التنازل عن هذه السلطة.
والآن, علي الفلسطينيين تركيز اهتمامهم علي الأشياء التي يستطيعون إنجازها, ويجب علي السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها علي ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبي احتياجاته, إن تنظيم حماس يحظي بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين ولكن علي تنظيم حماس أن يدرك المسئوليات التي عليه أن يتحملها, ويتعين علي تنظيم حماس أن يضع حدا للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء حتي يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني.
وفي نفس الوقت, يجب علي الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن إنكاره, مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل في البقاء. إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات.
كما يجب علي إسرائيل أن تفي بما التزمت به بشأن تأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم. إن الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة والتي تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك لا توفر الأمن لإسرائيل, كما أن استمرار انعدام الفرص في الضفة الغربية لا يوفر لإسرائيل الأمن. إن التقدم في الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني يجب أن يكون جزءا مهما من الطريق المؤدي للسلام, ويجب علي إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيرا, يجب علي الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية مهمة, وأن مسئولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة, كما ينبغي عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخري, بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم علي العمل لمساعدة الشعب الفلسطيني علي تطوير المؤسسات التي سوف تعمل علي مساندة دولتهم, ومساعدة الشعب الفلسطيني علي الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام علي الماضي.
وسوف تنسق أمريكا سياساتنا مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلام, وسوف تكون تصريحاتنا التي تصدر علنا هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب. إننا لا نستطيع أن نفرض السلام, ويدرك كثيرون من المسلمين في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي, وبالمثل, يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضروري. لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد علي الحقيقة التي يدركها الجميع.
لقد سالت دموع الكثيرين وهدرت دماء الكثيرين, وعلينا جميعا تقع مسئولية العمل من أجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون في حياتهم دون خوف, وعندما تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذي أراده الله لها, وعندما تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين, المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا في سلام, تماما كما ورد في قصة الإسراء , عندما أقام الأنبياء موسي وعيسي ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا.
وقال أوباما : إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسئولياتها بشأن الأسلحة النووية.
لقد كان هذا الموضوع مصدرا للتوتر الذي طرأ مؤخرا علي العلا قات بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية, التي ظلت لسنوات كثيرة تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لبلدي, والتاريخ بين بلدينا تاريخ عاصف بالفعل, إذ لعبت الولايات المتحدة في إبان فترة الحرب الباردة دورا في الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديموقراطي, ولعبت إيران منذ قيام الثورة الإسلامية دورا في أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأمريكيين. هذا التاريخ تاريخ معروف. لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدي, بدلا من أن يتقيد بالماضي, يقف مستعدا للمضي قدما, والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران, ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه.
إن التغلب علي فقدان الثقة الذي استمر لعشرات السنوات سوف يكون صعبا, ولكننا سوف نمضي قدما مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم, سيكون هناك الكثير من القضايا التي سيناقشها البلدان, ونحن مستعدين للمضي قدما دون شروط مسبقة علي أساس الاحترام المتبادل. إلا أن الأمر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الأسلحة النووية هو أننا قد وصلنا إلي نقطة تتطلب الحسم, وهي ببساطة لا ترتبط بمصالح أمريكا, ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووي قد يدفع بالمنطقة إلي طريق محفوف بالمخاطر.
إنني مدرك أن البعض يعترض علي حيازة بعض الدول لأسلحة لا توجد مثلها لدي دول أخري, ولا ينبغي علي أية دولة أن تختار الدول التي تملك أسلحة نووية, وهذا هو سبب قيامي بالتأكيد مجددا وبشدة علي التزام أمريكا بالسعي من أجل عدم امتلاك أي من الدول للأسلحة النووية, وينبغي علي أية دولة, بما في ذلك إيران, أن يكون لها حق الوصول إلي الطاقة النووية السلمية إذا امتثلت لمسئولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية, وهذا الالتزام هو التزام جوهري في المعاهدة, ويجب الحفاظ عليه من أجل جميع الملتزمين به, وأملي أن يكون هذا الهدف هدفا مشتركا لجميع بلدان المنطقة.
وقال أوباما : إن الموضوع الرابع الذي أريد أن أتطرق إليه هو الديموقراطية.
أعلم أن جدلا حول تعزيز الديمقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة وأن جزءا كبيرا من هذا الجدل كان متصلا بالحرب في العراق. إسمحولي أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلي: لا يمكن لأية دولة, ولا ينبغي علي أية دولة, أن تفرض نظاما للحكم علي أية دولة أخري.
ومع ذلك, لن يقلل ذلك من التزامي تجاه الحكومات التي تعبر عن إرادة الشعب, حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ في كل دولة وفقا لتقاليد شعبها. إن أمريكا لا تفترض أنها تعلم ما هو أفضل شيء بالنسبة للجميع, كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هي النتائج التي نختارها, ومع ذلك يلازمني اعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم, ويتطلعون للشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه, ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب, ويتطلعون لحرية اختيار طريقهم في الحياة. إن هذه الأفكار ليست أفكارا أمريكية فحسب, بل هي حقوق إنسانية, وهي لذلك الحقوق التي سوف ندعمها في كل مكان.
ولا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد, ولكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن الحكومات التي تحمي هذه الحقوق هي في نهاية المطاف الحكومات التي تتمتع بقدر أكبر من الاستقرار والنجاح والأمن. إن قمع الأفكار لا ينجح أبدا في القضاء عليها. إن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون, حتي لو كانت آرائهم مخالفة لآرائنا, وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة, شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم.
هذه النقطة الأخيرة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديموقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة, ولا يرحمون الغير في ممارساتهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم إلي السلطة. إن الحكومة التي تتكون من أفراد الشعب وتدار بواسطة الشعب هي المعيار الوحيد لجميع من يتطلع لشغل مراكز السلطة, وذلك بغض النظر عن المكان الذي تتولي فيه مثل هذه الحكومة ممارسة مهامها: إذ يجب علي الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال التوافق في الرأي وليس عن طريق الإكراه, ويجب علي الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن يشاركوا بروح من التسامح والتراضي, ويجب عليهم أن يعطوا مصالح الشعب والأشغال المشروعة للعملية السياسية الأولوية علي مصالح الحزب الذي ينتمون إليه. إن الانتخابات التي تتم دون هذه العناصر لا تؤدي إلي ديموقراطية حقيقية. وهنا علق أحد أعضاء جمهور الحاضرين: ياباراك أوباما: إننا نحبك. وعقب الرئيس أوباما: شكرأ
وقال أوباما : أن الموضوع الخامس الذي يجب علينا الوقوف أمامه معا, هو موضوع الحرية الدينية.
إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام. نشاهد هذا التسامح في تاريخ الأندلس وقرطبة خلال فترة محاكم التفتيش. لقد شاهدت بنفسي هذا التسامح عندما كنت طفلا في إندونيسيا, إذ كان المسيحيون في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية, يمارسون طقوسهم الدينية بحرية. إن روح التسامح التي شاهدتها هناك هي ما نحتاجه اليوم, إذ يجب أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم علي ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم, لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين, ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة.
ثمة توجه مزعج في أوساط بعض المسلمين ينزع إلي تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر. إن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها, ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر, وإذا كان إخلاصنا صادقا, يجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنيين والشيعيين قد أدي إلي عنف مأساوي, ولا سيما في العراق.
إن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش, ويجب علينا دائما أن نفحص الأساليب التي نتبعها لحماية هذه الحرية, فالقواعد التي تنظم التبرعات الخيرية في الولايات المتحدة, علي سبيل المثال, أدت إلي تصعيب تأدية فريضة الزكاة بالنسبة للمسلمين, وهذا هو سبب التزامي بالعمل مع الأمريكيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وبالمثل, من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم علي النحو الذي يعتبرونه مناسبا, فعلي سبيل المثال, عن طريق فرض الثياب التي ينبغي علي المرأة المسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التستر علي معاداة أي دين من خلال التظاهر بالليبرالية.
ينبغي أن يكون الإيمان في الواقع عاملا للتقارب فيما بيننا, ولذلك نعمل الآن علي تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود. إننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة عاهل المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبد الله المتمثلة في حوار الأديان, كما نرحب بالموقف الريادي الذي اتخذته تركيا في تحالف الحضارات. إننا نستطيع أن نقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الأديان إلي خدمات تقدمها الأديان يكون من شأنها بناء الجسور التي تربط بين الشعوب وتؤدي بهم إلي تأدية أعمال تدفع إلي الأمام عجلة التقدم لجهودنا الإنسانية المشتركة, سواء كان ذلك في مجال مكافحة الملاريا في أفريقيا أو توفير الإغاثة في أعقاب كارثة طبيعية.
وقال أوباما : إن الموضوع السادس الذي أريد التطرق إليه هو موضوع حقوق المرأة.
أعلم أن الجدل حول هذا الموضوع يدور بنشاط, وأرفض الرأي الذي يعبر عنه البعض في الغرب ويعتبر المرأة التي تختار غطاء لشعرها أقل شأنا من غيرها, ولكنني أعتقد أن المرأة التي تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة. إن البلدان التي تحصل فيها المرأة علي تعليم جيد هي غالبا بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية, وهذا ليس من باب الصدفة.
اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح: إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للإسلام وحده, لقد شاهدنا بلدانا غالبية سكانها من المسلمين, مثل تركيا وباكستان وبانجلاديش وإندونيسيا, تنتخب المرأة لتولي قيادة البلد. وفي نفس الوقت يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة في بعض جوانب الحياة الأمريكية وفي بلدان العالم.
أنا مقتنع تماما أن باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلي مجتمعاتنا تتساوي مع ما يقدمه لها أبناؤنا, وسوف يتم تحقيق التقدم في رفاهيتنا المشتركة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الرجال والنساء لتحقيق كل ما يستطيعون تحقيقه من إنجازات. أنا لا أعتقد أن علي المرأة أن تسلك ذات الطريق الذي يختاره الرجل لكي تحقق المساواة معه, كما أحترم كل امرأة تختار ممارسة دورا تقليديا في حياتها, ولكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها. ولذلك سوف تعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن علي السعي في سبيل العمل عن طريق توفير ولو أقل تمويل يساعد الناس علي تحقيق أحلامهم.
وقال أوباما : وأخيرا, أريد أن أتحدث عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص.
أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقضات في مظاهر العولمة, لأن شبكة الإنترنت وقنوات التليفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات, ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد جنسية منفرة وفظة وعنفا غير عقلاني إلي داخل بيوتهم, وباستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة, ولكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة , وتأتي مشاعر الخوف في جميع البلدان, حتي في بلدي, مع هذه التغييرات, وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدي الحداثة إلي فقدان السيطرة علي خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا, والأهم من ذلك, علي هوياتنا, وهي الأشياء التي نعتز بها في مجتمعاتنا وفي أسرنا وفي تقاليدنا وفي عقيدتنا.
ولكني أعلم أيضا أن التقدم البشري لا يمكن إنكاره, فالتناقض بين التطور والتقاليد ليس أمرا ضروريا, إذ تمكنت بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية من إحداث تنمية ضخمة لأنظمتها الاقتصادية, وتمكنت في ذات الوقت من الحفاظ علي ثقافتها المتميزة. وينطبق ذلك علي التقدم الباهر الذي شهده العالم الإسلامي من كوالا لمبور إلي دبي, لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفي عصرنا الحالي أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة في الابتكار والتعليم.
وهذا أمر مهم, إذ لا يمكن أن تعتمد أية استراتيجية للتنمية علي الثروات المستخرجة من تحت الأرض, ولا يمكن إدامة التنمية مع وجود البطالة في أوساط الشباب, لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط, وتبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز علي قدر أوسع من التنمية, ولكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاحا للثروة في القرن الواحد والعشرين, ولا يزال الاستثمار في هذين المجالين ضئيلا في عدد كبير من المجتمعات الإسلامية. إنني أؤكد علي مثل هذه الاستثمارات في بلدي, لقد كانت أمريكا في الماضي تركز اهتمامها علي النفط والغاز في هذا الجزء من العالم, ولكننا نسعي الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك.
فيما يتعلق بالتعليم, سوف نتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية, مثل تلك التي أتت بوالدي إلي أمريكا. وسوف نقوم في نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأمريكيين علي الدراسة في المجتمعات الإسلامية, وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أمريكا, وسوف نستثمر في سبل التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني, وسوف نستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين الشباب في ولاية كنساس من الاتصال المباشر مع نظرائهم في القاهرة.
وفيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية, سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم في البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان, وسوف أستضيف مؤتمر قمة لأصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقات بين الشخصيات القيادية في مجال العمل التجاري والمهني والمؤسسات وأصحاب المشاريع الابتكارية الاجتماعية في الولايات المتحدة وفي المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا, سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان, وللمساهمة في نقل الأفكار إلي السوق حتي تستطيع هذه البلدان استحداث المزيد من فرص للعمل, وسوف نفتتح مراكز للتفوق العلمي في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا, وسوف نعين موفدين علميين للتعاون في برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة, واستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات, وتنظيف المياه, وزراعة محاصيل جديدة. واليوم, أعلن عن جهود عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامي للقضاء علي مرض شلل الأطفال, وسوف نسعي من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات.
يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة, إن الأمريكيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات, ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا في مساعيهم الرامية لتحقيق حياة أفضل.
إن معالجة الأمور التي وصفتها لن تكون سهلة, ولكننا نتحمل معا مسئولية ضم صفوفنا والعمل معا نيابة عن العالم الذي نسعي من أجله, وهو عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا, عالم تعود فيه القوات الأمريكية إلي ديارها, عالم ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائليون بالأمان في دولة لكل منهم, وعالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية, وعالم تعمل فيه الحكومات علي خدمة المواطنين وعالم تحظي فيه حقوق جميع البشر بالاحترام. هذه هي مصالحنا المشتركة, وهذا هو العالم الذي نسعي من أجله, والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معا.
أعلم أن هناك الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا علي استهلال هذه البداية, وهناك البعض الذين يسعون إلي تأجيج نيران الفرقة والانقسام والوقوف في وجه تحقيق التقدم, ويقترح البعض أن الجهود المبذولة في هذا الصدد غير مجدية, وأن الاختلاف مصيرنا وأن الحضارات سوف تصطدم حتما, وهناك الكثيرون كذلك الذين يتشككون ببساطة في إمكانية تحقيق التغيير الحقيقي, فالمخاوف كثيرة وانعدام الثقة كبير, وقد أدي مرور الأعوام إلي تضخيمها ولكننا لن نتقدم أبدا إلي الأمام إذا اخترنا التقيد بالماضي. وأريد أن أخاطب الشباب بالتحديد, لكي أقول للشباب من جميع الأديان ومن جميع البلدان أنكم أنتم الذين تملكون أكثر من أي شخص آخر, القدرة علي تحديد معالم هذا العالم وفقا لتخيلاتكم المجددة له.
إن الفترة الزمنية التي نعيش فيها جميعا مع بعضنا البعض في هذا العالم هي فترة قصيرة, والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز اهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية علي الأمور التي تفرق بيننا, أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلي موقف مشترك, وتركيز اهتمامنا علي المستقبل الذي نسعي إليه من أجل أبنائنا, واحترام كرامة جميع البشر.
إن خوض الحروب أسهل من إنهائها, كما أن توجيه اللوم للآخرين أسهل من أن ننظر إلي ما يدور في أعماقنا, كما أن ملاحظة الجوانب التي نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور علي الجوانب المشتركة بيننا, ومع ذلك, ينبغي علينا أن نختار الطريق السليم وألا نكتفي باختيار الطريق السهل. ولكل دين من الأديان قاعدة جوهرية تدعونا لأن نعامل الناس مثلما نريد منهم أن يعاملونا, وتعلو هذه الحقيقة علي البلدان والشعوب, وهي عقيدة ليست بجديدة, وهي ليست عقيدة السود أو البيض أو السمر, وليست هذه العقيدة مسيحية أو مسلمة أو يهودية, هي عقيدة الإيمان الذي بدأت نبضاتها في مهد الحضارة والتي مازالت تنبض اليوم في قلوب آلاف الملايين من البشر, هي الإيمان بالآخرين: الإيمان الذي أتي بي إلي هنا اليوم.
إننا نملك القدرة علي تشكيل العالم الذي نسعي من أجله, ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلي بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة, آخذين بعين الاعتبار ما كتب في القرآن الكريم: ##يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا##.
ونقرأ في التلمود ما يلي: ##إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام.##
ويقول لنا الكتاب المقدس: ##طوبي لصانعي السلام, لأنهم أبناء الله يدعون.##
باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معا في سلام. إننا نعلم أن هذه رؤية الرب, وعلينا الآن أن نعمل علي الأرض لتحقيق هذه الرؤية. شكرا لكم والسلام عليكم. شكرا جزيلا. شكرا.