أكاد أجن,كل ذرة في تحترق,ضاقت بي الدنيا ولم أجد مفرا إلا أن أكتب إليك,ودعيني في مستهل رسالتي أسألك سؤالا أتحدي أن تستطيعي الإجابة عليه,ماذا تفعلين إذا كنت تحيين مع زوج فاض قلبه ووجدانه بالكره تجاهك؟ماذا تفعلين إذا وجدتيه يبث ذاك الكره في قلوب أطفالك,ولاتملكين إلا العيش معه؟ أجيبك أنا: ستكون النتيجة إما الجنون أو الانحراف أو الموت قهرا.
تزوجت منذ عشر سنوات -وأنا في العشرين من عمري-أنجبت ابنتان الأولي تسع سنوات,والثانية سبع سنوات, لاحظت في البداية أنه عنيف ,وغير ودود,وبمناقشته أوحي لي أنه مؤمن بما أقول وسيغير من أحواله, لكن الطبع يغلب التطبع ,واستمرت الحياة بيننا جافة قاسية ,فأقلمت نفسي علي طباعه.
اليوم تلو اليوم يمر يصنع من الفجوة التي بيننا هوة عميقة,لكني أبدا لم أتمرد علي كل أفعاله التي بات الجميع يعلمونها,ويتعجبون لقوة احتمالي وصلابتي,فلم يترك شيئا قبيحا إلا وارتكبه,ولم تكن القسوة والضرب والإهانات إلا فتاتا ساقطا من مائدة جرائمه في حقي,وصولا إلي المجاهرة بالخيانة,وكانت مغامراته متكررة,استوثقت منها ولكن ما جدوي اليقين وأنا بين يدي أطفال في عمر الزهور وكان الاحتمال قراري حتي لاتتمزق ابنتاي.
تصورت للحظة أن الاحتمال قرار يمكننا بسهولة اتخاذه,لكن الأيام أثبتت لي أنه إرادة وجميعنا تحمل الضعف والقوة,ولكن الأمر أصبح لايطاق,إذ دأب في العامين الأخيرين علي بث الكراهية في نفس الطفلتين,وإقحامهما في كل مايدور بيننا من عراك بما لايتناسب مع سنهما الصغيرة,في كل مرة يردد علي مسامعهما عبارات أقل ما توصف بها أنها يندي لها الجبين,وينهي المشاجرة باصطحابهما إلي غرفتهما والجلوس معهما قرابة الساعة.
دب القلق في أعماقي فاستدرجتهما ليرويا لي ماذا يقول فإذا بالصاعقة:أمكم أنانية,مش بتحبكم,علشان مش بتحبني,كانت عايزة تسيبكم وتمشي لولا إني منعتها وفكرتها أنكم محتاجين رعاية…..إلخعندما روت لي ابنتي الكبري ذاك الحوار سألتني في براءة قائلة:ماما أنا عارفة إنك بتحبينا بس صحيح مش بتحبي بابا؟أما الصغري فتابعت قائلة:هاتسيبيني يا ماما؟طيب مين يوديني المدرسة ويذاكر لي ويعمل الأكل كل يوم؟.
انفجرت من عيني ينابيع الدموع وضممتهما إلي صدري صارخة:لا لن أترككما أبدا…أبداوأدرت وجهي للكبري قائلة:أنا بحب بابا يا حبيبتي بس هو عصبي شويةلا أستطيع الحياة هكذا ولا أستطيع الأنفصال فالمسيحية لا تؤمن بالطلاق,وإذا انفصلت عنه جسديا فقط بإمكانه إعادتي إلي سجنه في أية لحظة,كما أنني لو انفصلت عنه جسديا…أين سأعيش؟,هل أعود لبيت أبي الذي هربت من جحيمه صغيرة فألقي بنفسي وبابنتي في هذا الجحيم مرة أخري,فأنا من أسرة تعود جذورها إلي أقصي الصعيد بينما نحيا بالقاهرة من قبل مولدي,لكن مدنية الحضر لم تزحف إلي عقل أبي أبدا ,وظل يمارس كل سلوكياته معنا بما حمله من ميراث العنف تجاه أية امرأة زوجة-أختي-إبنة.
عشت طفولتي وصبايا بين أحضان الخوف والخجل والشعور بالنقص من تكرار التوبيخ ,كنت أري أمي مقهورة في كل لحظة,ولم أملك سوي الدموع,والرثاء لها والرعب من التعرض لذات المصير وتتملكني الرغبة في الفرار,إلي أن فررت بالزواج,لكنه لم يكن فرارا من الجحيم وإنما كان فرارا إليه.
خلت الزواج فردوسا تهاب عذابات صبايا الخطي في أراضيه,وإذا به غابة من الصبار,قضيت منها أجمل سنوات العمر راضية,لكنني لا أستطيع الاستمرار مع زوجي لمجرد أنني لا أجد مكانا آخر للعيش فيه,كما إنني لا أملك القدرة المادية لإعالة الابنتين,لا حاضر لي ولامستقبل ولاتقولي لي إنها تجربة وعلي احتمالها ,لقد سئمت الاحتمال ولم تعد لدي إرادة,وأخشي علي المصير النفسي للابنتين بسبب صغر سنهما وتعرضهما لكل الهزات العنيفة التي تسببت فيها حماقة والدهما…فماذا أفعل؟
00سيدتي لن أقول لك احتملي,ولن أطلب منك الصمود أمام تجربتك لكنني سأروي عليك حكاية:قيل إن ملك جبار أسر أربعة ملوك نبلاء وأرغمهم أن يجروا عربته الملكية بدلا من الخيول,ولاحظ الجبار أثناء ذلك أن أحد النبلاء يطيل النظر إلي العجلة ,فقال له الملك:لماذا أراك تلتفت خلفك كثيرا؟أجاب النبيل: رأيت في دوران العجل ما يعزي نفسي فالعجلة دائرة ولا تمكث علي حال واحد,فما أراه منها بالأسفل يدور ويصير في الأعلي,وما هو في الأعلي يعود للأسفل…هز الجبار رأسه قائلا:إذن هي الدائرة وأنا الآن فوق ولئلا أصير إلي أسفل سأطلقكم جميعا أحرارا.
أعتقد أنك تعلمين المغزي من القصة,فلا حال تدوم,والجبار اليوم غدا يضعف,وإرادتك كما هي الآن في مرحلة الضعف كانت منذ سنوات في مرحلة القوة وستمر مراحل الضعف وتأتي مراحل أقوي,خاصة أنك اخترتي الاحتمال كما قلت,وصدقيني تستطيعين.
ذكر ويليام جيمس مؤسس علم النفس الأمريكي,أن أعظم اكتشاف في القرن التاسع عشر كان في مجال العقل الباطن, إذ وجد أن بكل كائن بشري مخزونا هائلا من القوة بإمكانه التغلب علي أية مشكلة في العالم هذا رأي جيمس ولم يذكر فيه شيئا قط عن الإحتمال أو التجارب,إنما ذكر التغلب وهو القدرة علي تخطي المحن,فلن يختلف اثنان علي أنك تمرين بمحنة ولن نختلف علي أنك مثال نموذجي للاحتمال,ولو أنني لا أسلم أبدا أن هناك طرفا في مشكلة له براءة الحملان علي طول الخط,لكن علي أي الأحوال لابد أن تكون هناك وسيلة لتخطي المحنة.
أعيدي اكتشاف نفسك تلك هي الوسيلة الوحيدة لابد أن تبحثي عن عمل وتحققي ذاتك فيه حتي تتجدد إرادتك مرة أخري.هذا هو خلاصك الوحيد,وبذلك تكونين أصبت عصفورين بحجر واحد,الأول هو تحقيقك لذاتك واستقلالك المادي,أما الثاني هو تغير زوجك.فجميع المشاكل الأسرية كان تفرغ الزوجة عاملا مؤججا لها إذ أن الزوج والأبناء محور الحياة ,لكن عندما تخرجين للعمل ستقل وطأة التجربة,وسيدرك زوجك أن لك ملاذا آخر يمكنك اللجوء إليه فيرتدع,فبعض الرجال يستبيحون زوجاتهم طالما وثقوا أن لا ملاذا لهن سواهم,فإذا ما تأكدوا من العكس تراجعوا ولو جزئيا عما يفعلون.
أما بالنسبة للابنتين فاحذري أن تلعبي نفس الدور الذي يقوم به أبيهما فلا تجتذبيهما تجاهك علي حسابه,بل ادفعيهما إلي حبه,واحترامه والتمسي المبررات له أمامهما,فعندما تدور رحي الحياة بهما وتمضي السنون سيتذكران ذلك ويقدران لك ما تفعلين,ولاتخشين عما سيترسب في ذهنيهما جراء المشاكل,فالأم هي الأكثر تأثيرا في الأبناء خاصة في سنوات حياتهم الأولي.
يقولرشترالكاتب الألماني الشهير: إن أهم دور من أدوار الحياة الطفولةففيه يتشكل الطفل بمن يخالطهم,فإذا اعتبرنا الحياة كلها معملا للتربية كان تأثير الناس جميعا أقل من تأثير الأم,فإذا ربيتهما علي الغفران ومخافة الله,وزرعتي الحب ستحصدين الحب وستكون تلك المشاكل إضافة لشخصيتهما بالإيجاب وليس بالسلب,فقط لاتستسلمي لليأس والضعف أبدا.