والعجيب أن الرب في عتابه دافع عنهم.
فإذا ناموا وتركوه وحده في جهاده,ولم يسمعوا نصيحته اسهروا وصلوا..قال لهم الرب وهو يعاتبهم:أما الروح فنشيط,وأما الجسد فضعيف…ناموا الآن واستريحوا(مت26:41, 45) عجيبة هي محبتك ورأفتك يارب,فيما تعاتب..بقلبي الخاطئ سألت وأنا أقرأأين ذلك الروح النشيط الذي كان لأولئك النائمين الثلاثة؟ ولكنك يارب فاحص القلوب وتري ما لا أري…إنها الأرواح النشيطة التي للآباء الرسل القديسين,الذين فيما بعد نقلوا الإيمان إلي الخليقة كلها.وإن كان ذلك النشاط قد عاق ظهوره في ذلك الحين ضعف الجسد فهذا لايمنع أن أرواحهم بطبيعتهم كانت نشيطة.
حاول أن تستخدم هذا الأسلوب :فيما تعاتب,أوجد عذرا لمن تعاتبه.فإن عاتبت مثلا شخصا لم يزرك في مرضك أو في ضيقك قل له:أنا أعاتب من فرط محبتي لك ولكني أعرف ظروفك ومشاغلك وبخاصة أثناء تلك الفترة وأعرف أنك لا تقصر مطلقا في واجب وكم وقفت إلي جواري بكل قلبك وجهدك…
هذا اللون من العتاب يشعره بأنك تعاتب في محبة,ولست تهاجم في شدة أو في قسوة,لأن القساة في عتابهم قد يخسرون من يعاتبونهم,ويخلو أسلوبهم من الحب ويظهرون كما لو كانوا أعداء أو لايقدرون ظروف الغير,أو أن أنانيتهم تغلبهم!!
كن إذن رقيقا في عتابك,واعذر غيرك
*هناك مواقف لم يعاتب فيها الرب إطلاقا.
وبلاشك كانت تستحق العتاب ونذكر أمثلة منها:
1-مريم المجدلية التي أنكرت قيامة الرب ثلاث مرات:
فقالت لبطرس ويوحناأخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه(يو20:2) وكأنها بهذا تردد شائعة اليهود عن سرقة الجسد!ثم عادت لتردد نفس العبارة لما سألها الملاكان لماذا تبكين؟ فقالتأخذوا سيدي,ولست أعلم أين وضعوه(يو20:13).ولما رأت المسيح وظنته البستاني فقالت لهيا سيد إن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته؟(يو20:15),ولم يعاتبها الرب علي هذا الإنكار المتكرر…واكتفي بأن قال لهالاتلمسيني لأنها سبقت أن لمسته(مت28:9) وها هي تستسلم للشكوك…
2-المثال الثاني هو النسوة حاملات الحنوط
هؤلاء أتين إلي القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه(لو24:1).وطبعا ذلك الحنوط قد أحضرنه لوضعه علي الجسد وهذا يحمل ضمنا عدم إيمانهن بقيامة الجسد من الموت ومع ذلك لم يوبخهن الرب علي عدم إيمانهن بل سمح أن يظهر لهن ملاك ويبشرهن بالقيامة ويقول لهن في رقة لماذا تطلبن الحي بين الأموات ليس هو هنا لكنه قادم(لو24:5, 6) وذكرهن بحديث الرب عن قيامته فتذكرن وآمن…
3-صيد السمك بعد القيامة(يو21)
ظهر السيد لسبعة من الرسل عند بحر طبرية وكانوا يصيدون السمك فلم يعاتبهم علي عودتهم إلي عملهم العلماني,إذ رجعوا يصيدون السمك,بدلا من صيد الناس..!بل علي العكس أرشدهم كيف يصيدون ولما امتلأت الشبكة حتي كادت تتخرق آمن يوحنا وقال:هو الرب وآمن بطرس واجتذبهم المسيح إلي الإيمان بعمل المحبة,لا بالعتاب.
خذه تدريبا إذن:لا تعاتب علي كل شئ
هناك أمور يمكن أن تقابلها بالهدوء وبالصمت ولاتعاتب عليها ونحن هكذا نقول للرب في أول مزامير صلاة النوملو كنت للآثام راصدا يارب,يارب من يثبت؟الآن من عندك المغفرة(مز130) ونقول له في آخر مزامير صلاة باكرولا تدخل في المحاكم مع عبدك فإنه لا يتزكي قدامك أي حي(مز143) فإن كنا نطلب هذا من الله,فلا نفعله مع إخوتنا إن الإنسان الكثير العتاب يفقد أصدقاءه وأحباءه والزوجة التي تعاتب أو تحاسب زوجها في كل تصرفاته قد تخسره ويسأم عتابها.
الذين يعاتبون باستمرار لاينظرون إلا إلي الأخطاء.
إن كل إنسان تعاتبه علي خطأ,ولاشك توجد في علاقته بك نقاط بيضاء تحتاج إلي مديح فلا تركز علي النقط السوداء وحدها كأنه لم يفعل سواها ولا يوجد في حياته خير!امدح إذن الخير الذي في غيرك,فيخجل من اقتراف خطأ نحوك حتي لايخسر ثقتك به وفكرتك الحسنة عنه أما الهجوم فتخسر به أصدقاءك كما قال الشاعر:
لو كانت منزلتي في الحب عندكمو ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي
إذن اخلط العتاب بالمديح,فهكذا فعلت أبيجايل.
صمم داود أن يقتل زوجها بسبب بخله وعدم تقديره وسوء معاملته فأسرعت أبيجايل إلي داود محملة بالهدايا وبكلمات المديح وسجدت عند قدميه ولم تخاطبه إلا بعبارة سيدي,وأمتك وقالت لهاصفح عن ذنب أمتك,لأن الرب يصنع لسيدي بيتا أمينا.لأن سيدي يحارب حروب الرب,ولم يجد فيك شر كل أيام حياتك..ونفس سيدي لتكن محزومة في حزمة الحياة مع الرب إلهك(1صم25:28, 29) ووسط هذا المديح تقول له:ويكون عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من أجلك,ويقيمك رئيسا علي إسرائيل إنه لا تكون لك مصدمة وعثرة قلب لسيدي إنك سفكت دما عفوا وأن سيدي قد انتقم لنفسه…(1صم25:30, 31).
وبهذا العتاب الرقيق المملوء بالمديح عفا داود عن زوجها وقال لها:مبارك عقلك ومباركة أنت لانك منعتني اليوم عن إتيان الدماء,وانتقام يدي لنفسي…
قلد هذا الأسلوب ولاتحول العتاب إلي لون من النكد.
وأنا حينما أقول(العتاب) لا أعني فقط كلام العتاب:
فهناك أيضا نظرة العتاب,وقد تكون أحيانا شديدة وقاسية وهناك عتاب بإيماءة أو بهزة رأس أو بحركة من اليد,أو بتصرف معين مفهوم..وهناك شخص قد يقول لصديق لهأنا لا أريد أن أعاتبك,فلا فائدة من العتاب معك!! وتكون هذه العبارة أقسي من كلام العتاب…وقد يقول لهأنا لا أريد أن أعاتبك,لأني لو كنت أريد العتاب كنت قلت لك من زمان كذا وكذا وكنت وكنت أخذت منك موقفا!!وكل هذا يبدو خاليا من الحب وشديد اللهجة.
*السيد المسيح كان يقصد العلاج وليس العتاب.
كما فعل مع توما الرسول لم يقصد أن يعاتبه علي شكه بقدر ما كان يريد أن يخلصه من هذا الشك…وهكذا قال لههات أصبعك إلي هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولاتكن غير مؤمن بل مؤمنا(يو20:27) وهكذا ربح إيمان توما الذي صار كارزا باسمه فيما بعد.
وبنفس الأسلوب عالج شك التلاميذ لما ظنوه خيالا أو روحا فقال لهم:ما بالكم مضطربين؟ ولماذا تخطو أفكار علي قلوبكم انظروا يدي ورجلي إني أنا هو جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي…(لو24:38-40) وهنا تري أنه لم يكن يعاتبهم علي شكوكهم بل أراد أن ينقذهم منها.
لذلك ليت عتابك لأحبائك,يكون موضوعيا وليس شخصيا…
فيه تركز علي الموضوع وتفسر وتشرح الحقيقة أكثر مما تعاتب علي شكوكهم فيك,أو سلوكهم نحوك فهذا فعل المسيح…
وعليك في العتاب أن تقدر ظروف الآخرين.
فيكون عتابك رقيقا أو لا تعاتب علي الإطلاق إن كانت الظروف دقيقة أو هناك عامل إنساني ينبغي أن تلتفت إليه.
إن السيد المسيح لم يعاتب ولم يوبخ تلاميذه الذين هربوا وقت القبض عليه…ولم يعاتب تلاميذه علي خوفهم,وإغلاقهم علي أنفسهم في العلية…ولم يطلب منهم فوق ما يستطيعون إذ كان يعطف علي حالتهم النفسية ويقدرها…
وبالمثل فعل بولس الرسول حينما قالفي احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني لايحسب عليه(2تي4:16) كان يقدر نفسيتهم وضعفها وخوفهم فطلب من الرب ألا يحسب لهم هذا الموقف خطية…