في جميع الأحوال أجدني متفقا تماما مع قرار إدارة أوباما بقتل الأمريكي المولد, أنور العولقي, الذي كان منخرطا في نشر فكر ##القاعدة ##وتجنيد العناصر لصالحها, لكن ما لا أستطيع فهمه حقيقة هو سبب اتفاق الإدارة مع رأيي, ففي رد وزير الدفاع علي شكوي رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية حول ##اغتيال## مواطن أمريكي من دون محاكمة عادلة قال الوزير: ##لقد كان هذا الشخص إرهابيا صريحا, وصحيح أنه كان مواطنا أمريكيا, لكنه كان بالأساس إرهابيا وعندما تكون إرهابيا, فذلك يعني قدرة الولايات المتحدة علي تعقب الشخص الذي يهدد أمريكا ومواطنيها##. هذا التعليق من وزير الدفاع ينسجم كليا مع الصلاحيات الدستورية للرئيس الأمريكي والمتمثلة في تدخله بما يري مناسبا لإخماد حالات التمرد.
وبالطبع كان ##أنور العولقي## أحد المتمردين علي سلطة أمريكا وأحد الأخطار المهددة لأمنها, بل الأكثر من ذلك يبيح ترخيص استخدام القوة الذي صودق عليه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر للرئيس باستعمال القوة المناسبة واللازمة ضد ##بلدان ومنظمات وأشخاص يحدد أنهم خططوا أو سمحوا, أو ارتكبوا الأعمال الإرهابية في 11 سبتمبر 2001, أو عملوا علي إيواء المنظمات الإرهابية, أو الأشخاص لتنفيذ عمليات أخري في المستقبل ضد الولايات المتحدة##.
ومن المعلوم أن هذا الترخيص المصادق عليه في الكونجرس لا يستثني الأمريكيين, كما أن التقارير الإعلامية وتصريحات المسئولين الأمريكيين تفيد جميعا بأن العولقي كان أحد أعضاء ##القاعدة##, بل خطط وحرض علي العنف الموجه ضد أمريكا, ولم ينف قط التهم الموجهة إليه وسارع إلي الإفلات من القضاء الأمريكي بالاختباء خارج الولايات المتحدة.
لكن رغم هذه الحجج القانونية التي تسمح لأوباما بتعقب العولقي واغتياله, أجد نفسي أيضا متعاطفا مع أقصي ##اليسار## وبعض المتحررين في ##اليمين## عندما يقولون بأن العملية لا تليق بأمريكا, ذلك أن التصويب علي هدف أمريكي يرفع التوتر السياسي أكثر مما يرفع الحواجز القانونية, غير أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تبدو مهتمة بالعواقب السياسية, وهو ما أوضحه الناطق باسم البيت الأبيض ##جاي كارني## عندما سأله الصحفي من محطة ##آي. بي سي## سؤالا:##ألا تري أن رئيسا أمريكيا يؤكد حقه في قتل مواطن أمريكي بدون محاكمة أمام القضاء, بل حتي لا يحرص علي تفسير دوافعه, ربما يقلق العديد من الأمريكيين؟## فاكتفي بالقول ##لا أستطيع مناقشة الظروف التي قتل فيها العولقي##, والحقيقة أني أندهش كيف كان لمثل هذا الرد أن يثير زوبعة كبري لو أنه صدر عن المتحدث باسم إدارة الرئيس بوش ##آري فليشر## فيما يمر اليوم من دون انتباه أحد. ولعل ما يزيد من حيرتي أكثر كيف يمكن للإدارة الأمريكية تأكيد التزامها بالقبض علي الإرهابيين والتعامل معهم كمجرمين أمريكيين يتمتعون بكافة حقوقهم القانونية والضمانات المعمول بها ثم إصدار أوباما لأوامره بقتل الإرهابيين في الساحة من دون الحاجة لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.
فمع أن الأمر بالنسبة لي سيان, لكن في حدود علمي لم أسمع أن أوباما عارض يوما تقديم الإرهابيين أمام المحكمة والحفاظ علي حقوقهم, وهنا تكمن الحيرة, فإذا كانت الإدارة تعتقد بأنه يتعين التعامل حتي مع الإرهابيين غير الأمريكيين كما لو كانوا مجرمين أمريكيين مع تمتيعهم بكل الحقوق التي يضمنها البند الخامس من الدستور, فكيف يمكن إذا الترخيص بقتل أمريكيين بتهمة الإرهاب من دون إعطائهم فرصة المثول أمام المحكمة؟
فمع أن المادة الخامسة من الدستور تنص بأنه لا أحد ##يحرم من الحياة, والحرية, أو من ممتلكاته من دون قانون عادل##, إلا أن ضربة واحدة من طائرة بلا طيار تنسف الحقوق الثلاثة جميعا, لكن في الحقيقة لا توجد خيارات أمام الإرهابيين.
فإما الاعتقال والمثول أمام محكمة مدنية ليصدر الحكم بالإدانة والإعدام وانتظاره بعد فترة, أو توجيه ضربة فورية من الطائرات المحلقة وإنهاء المسألة في الحال من دون محاكمة, ولا ننسي أيضا أن هذه الضربات التي تقوم بها الطائرات بدون طيار بعيدة كل البعد عن الدقة وإصابة الهدف من دون غيره, إذا غالبا ما تقتل الأشخاص المحيطين بالهدف, وهو ما حصل لسمير خان, الأمريكي الآخر الذي كان برفقة العولقي ومحرر مجلسة ##إنسباير## التابعة للقاعدة, حيث قتل علي الفور من دون الخضوع لأية محاكمة.
وربما هنا تكمن معضلة أوباما بين اعتقال الإرهابيين أحياء مع ما يطرحه ذلك من مشاكل سياسية تتعلق بمكان الاعتقال وطريقة التحقيق, وطبيعة المحاكم هل هي مدنية, أم عسكرية, وبين الخيار السهل الذي يبدو أن أوباما فضله علي الأول والمتمثل في إطلاق صاروخ من طائرة بدون طيار يغني عن هذه الإشكالات جميعا.
نيويورك تايمز