قام “خوسيه مانويل دوراو باروسو” رئيس المفوضية الأوروبية بجولة بالقاهرة التقى فيها عدد من المسئولين على راسهم المشير طنطاوى ، د. غصام شرف ، البابا شنودة ، الشيخ الطيب ، كما زار “باروسو” ميدان التحرير وتفاعل مع المعتصمين هناك ، ثم ألقى كلمة بمناسبة استجابة الاتحاد الأوروبي للربيع العربي فى احتفالية أقيمت 14 يوليو بدار الأوبرا ، أعرب فيها عن فخره بوجوده في بلد عظيم مثل مصر، في أثناء هذا الوقت التاريخي. الذى أظهر فيه المصريون شجاعتهم وتصميمهم على تحقيق حياة أفضل.
وقال أنه على مر العصور، كانت مصر مهداً للحضارة وتظل المركز الفكري للثقافات والدول العربية. منذ مكتبة الإسكندرية القديمة وحتى الانجازات الحديثة مثل السد العالي في أسوان ودار الأوبرا هذه. وقد أرتبط الأوروبيون والمصريون لقرون عديدة من خلال الفن والأدب والتجارة. وزادت الموانئ المصرية ،وقناة السويس فيما بعد، من هذا الارتباط بيننا وبين العالم الأوسع.
وأضاف السفير لقد جئت لكي أسمع لا لكي ألقي محاضرات، جئت لأفهم منكم الواقع الجديد في مصر، وكفاحكم لتأمين المثل العليا للثورة. وكشخص حاربت ذات مرة من أجل الحرية في بلدي، جئت إلى هنا لأحيي هؤلاء الناس الذين قاموا بهذه الثورة. لقد جئت إلى هنا أيضا لأعلن احترامي للدماء البريئة التي تم أراقتها. وكجار لكم، جئت إلى هنا لتقديم المزيد من الثقة في شعب ومستقبل مصر. وكرئيس للمفوضية الأوروبية، جئت لأفهم بصورة أفضل توقعاتكم من الاتحاد الأوروبي ولأقول أن أوروبا هي شريككم على المدى الطويل.لا يرغب الاتحاد الأوروبي في التدخل في قرارات مصر الداخلية. سوف نتعاون مع المجتمع المصري بكافة أطيافه لدعم التطلعات الخاصة بكم.
لقد فضل الكثيرون في الماضي الاستقرار عن الديمقراطية، ولكن الأحداث الأخيرة أثبتت أنه يمكن تحقيق الاستقرار الدائم فقط من خلال حكومات ديمقراطية ومسئولة. وبينما تبدأ مصر في هذه الرحلة، فإن الديمقراطية والحرية والانفتاح هم القيم الرئيسية التي سوف تربط أوروبا بمصر في المستقبل. إن أمنية الحياة الكريمة وعدم وجود قادة فاسدين والحياة في مجتمع يحترمنا هي أمنية مشتركة بين كل البشر.
نحن ندرك أن هناك العديد من الأخطار التي ستواجهونها. نحن ندرك أن الثورة لم تنته بعد. إن التوقعات مرتفعة وإمكانية الإحباط كبيرة. إن التغيرات العميقة تأخذ وقتاً. إن الطريق إلى الديمقراطية ليس مجرى مائي أمن ولكنه بالأحرى نهر لا يمكن التنبؤ بأفعاله ويشبه إلى حد كبير نهر النيل قبل بناء السد العالي بأسوان.
وأضاف السفير : يجب أن تتأكدوا أنه لا يوجد نموذج موحد للتحول إلى الديمقراطية ولا يوجد نموذج للديمقراطية الكاملة أو التامة. كل مرحلة انتقالية هي أمر فريد من نوعه.
الديمقراطية تعني أكثر من مجرد الانتخاب الحر للحكومة، وكما أن هناك العديد من الطرق لممارسة العقائد الدينية، فهناك العديد من الطرق أيضا لممارسة الديمقراطية. لذا، لا يطالب الاتحاد الأوروبي جيرانه بإتباع النماذج الخاصة بنا. نحن نعرض خبرتنا ومساعدتنا فقط في حال رأيتم أنها قد تساعدكم في طريقكم للبحث عن مؤسسات جديدة وفرص جديدة وعقد اجتماعي جديد. نحن ندرك أنه لا توجد دولة واحدة في العالم العربي أو العالم الإسلامي أو العالم المسيحي تعتبر نموذجا في هذا الصدد. لا توجد دولتان متشابهتان تماماً. وفي النهاية، فإن طريقة “مقاس واحد يناسب الجميع” لا تناسب أي أحد. الاتحاد الأوروبي سوف يتعامل مع كل مرحلة انتقالية على أنها أمر فريد. لا ينبع هذا من احترامنا فقط ولكنه ينبع أيضا من اهتمامنا الحقيقي بتحقيق نتائج.
وأضاف السفير : أحيي هؤلاء الذين قاموا بثورة 25 يناير في مصر، وأعبر عن بالغ حزني للأرواح التي أزهقت. لقد تذكرت فترة شبابي عندما شاهدت التصميم في ميدان التحرير في بداية العام الجاري. لقد كبرت أنا أيضا في بلد محروم من الديمقراطية منذ أمد بعيد. وكطالب حقوق شاب في مدينة لشبونة، أدركت أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لنيل حقوقي وحقوق أبناء وطني. اعترضت أنا وآخرين على فكرة أن الديمقراطية تناسب نوع معين من الثقافات. لقد حاربنا من أجل الحرية في بلدنا، وحاربنا بعد ذلك لنصبح عضواً في اتحاد سلمي وديمقراطي بين البلدان، المعروف اليوم بالاتحاد الأوروبي. لقد تكررت نفس القصة في أسبانيا ما بعد فرانكو واليونان ما بعد نظام الكولونيلات.
وطوال الوقت، كانت هناك أصوات سلبية تقول بأن جنوب أوروبا لن تتمكن من بناء ديمقراطيات مستقرة بسبب مستوى التنمية فيها أو لأسباب ثقافية. أنظروا الآن كيف ترسخت الديمقراطية القوية في هذه البلدان وأصبحت بمثابة نموذجا لتطلعات مناطق أخرى من العالم مثل أمريكا اللاتينية. أتذكر أيضا أن بعض الناس قالوا أن البلدان الشيوعية السابقة لن تتمكن أبداً من تبني ثقافة ديمقراطية جديدة، أنظروا الآن إلى الديمقراطيات المزدهرة والمجتمعات المنفتحة التي تحققت في هذه البلدان والتي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004.
أنا أعترض وبشدة على فكرة أنه بسبب الاختلافات الثقافية، فإن الدول التي بها أغلبية مسلمة لا تستطيع أن تصبح ديمقراطية. تعكس هذه الإدعاءات جهلاً عميقاً واستخفافاً أعمق بالتطلعات الإنسانية. تصلح كافة الدول والشعوب للديمقراطية وأي تفكير عكس ذلك هو تحيز أخلاقي غير مقبول. لقد أختار الرجال والنساء الديمقراطية مراراً وتكراراً عندما كان لديهم حق الاختيار. إلى كل هؤلاء الذين يؤمنون بأن الشوارع والميادين العربية من الممكن أن تمتلئ بالدعوات السلمية للديمقراطية والكرامة، أذكرهم بالناس في القاهرة وفي مصر. تستطيع شجاعتكم الأخلاقية أن تستمر في التغلب على قوى الكراهية والخوف.
ولكن الديمقراطية وحدها لن تقضي على الفقر ولن تخلق فرص العمل التي يحتاجها المصريون. في الحقيقة، لا تستطيع الديمقراطية الوفاء بوعدها إذا تم تطبيقها بمعزل عن النمو الاقتصادي والتوظيف.
ولضمان بقاء الأغلبية سعيدة بتقدم الثورة ولتأمين الثورة بشكل حقيقي، يجب أن تسير التحولات الديمقراطية جنبا إلى جنب مع الفرص الاقتصادية العادلة. يجب إنهاء الهوة بين التوقعات السياسية المرتفعة والقدرة الاقتصادية المنكمشة.
ولكن كصديق وشريك، يدرك الاتحاد الأوروبي من خبرته أن القرارات الاقتصادية الصعبة لا تزول بمجرد تجاهلها.
لقد أظهر المصريون أنهم أعظم ثروات هذا البلد. لذا، يجب عليكم الاستثمار في التعليم والصحة على سبيل المثال، وهذا هو السبب أيضا في ضرورة الاقتلاع العاجل للفساد.
يبدوا أن هناك جدل حقيقي حول كيف يستطيع قطاع خاص أقوى أن ينتشل الملايين من الفقر. جدل حول أي نوع من أنوع الدعم يستطيع فعلا مساعدة الفئات الضعيفة وأيهم لا يستطيع ذلك. تغذي مثل هذه المناقشات الأجوبة على التحدي المتمثل في خلق فرص عمل مرضية للشباب، وهو الأمر شديد الأهمية للثورة. ناهيك عن فرصة الاستفادة من ملايين المصريين الموجودين في الخارج.
وكرئيس للمفوضية الأوروبية، فأنا فخور بأن الاتحاد الأوروبي كان أول من تفاعل مع تفاصيل المساندة الملموسة للتحول إلى الديمقراطية في مصر. هذا جزء من سياسة الجوار الأكبر الخاصة بنا، وهي سياسة مبنية على فكرة أن حقوق الإنسان والديمقراطية هما أفضل أساس للنمو الشامل والرفاهية المشتركة.
وسوف تزيد التزاماتنا المالية لدول الجوار إلى 7 مليار يورو خلال الثلاث سنوات القادمة، بالإضافة إلى 6 مليار يورو متاحة في شكل قروض. وهناك بالفعل تسعة مشروعات مصرية، والتي تبلغ تكلفتها مليار يورو، يتم تنفيذها خلال ال12 شهرا المقبلة. ويأتي ذلك في إطار حزمة إجمالية تبلغ 20 مليار يورو والتي تم الموافقة عليها في قمة الثمانية في شهر مايو. وتتميز مصر بوضع جيد يوفر لها فرصة الاستفادة من تلك المساعدات حيث أنها دولة رائدة في الطريق نحو الديمقراطية.
وتقوم تلك المساعدات على مبدأ المساءلة المشتركة. وهناك ثلاثة مجالات ذات أولوية والتي تتوافق مع المطالب التي طرحها المصريون:
التحول الديمقراطي وبناء المؤسسات، مع التركيز بشكل خاص على الحريات الأساسية والإصلاحات الدستورية وإصلاح النظام القضائي ومكافحة الفساد.
التركيز بوجه خاص على تقديم الدعم للمجتمع المدني. نحن نريد أن تكون هذه الشراكة أوسع نطاقا. وهذا لا يعني إقامة شراكة مع الحكومات فقط ولكن أيضا مع القواعد الشعبية بشكل مباشر، مع التركيز بصفة خاصة على جيل الشباب.
النمو المستدام والشامل والتنمية الاقتصادية وبالأخص دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتدريب المهني والتربوي وتحسين نظم التعليم والصحة وكذلك تنمية المناطق الأكثر فقرا.
وتتجسد هذه الأولويات في ثلاثة أمثلة : الأول هو برنامج يقوم الاتحاد الأوروبي بإعداده تحت عنوان “سبرينج” (دعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل). وسيتم إطلاق هذا البرنامج في شهر سبتمبر بمبلغ مبدئي قدره 350 مليون يورو في شكل منح وسوف يركز هذا البرنامج بشكل خاص على التحول الديمقراطي والنمو الاقتصادي وبالتالي معالجة القضايا الجوهرية لهذا التحول. وننوي زيادة هذا المبلغ إلى 500 مليون يورو للفترة من 2011 إلى 2013.
الثاني : المنحة الأوروبية للديمقراطية. ويجري حاليا إنهاء جميع التفاصيل الخاصة بتلك المنحة و سوف تكون هذه المنحة بارقة أمل وهي هيئة جديدة مستقلة مخصصة لمساعدة الشعوب على اكتشاف آرائهم الديمقراطية الحقيقية.
وأخيرا، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يقوم بزيادة الدعم بشكل اكبر وذلك لتوفير فرصة لمصر والدول الشريكة الأخرى للمشاركة في برامج تعليم “ايراسموس” و”ماري كوري”. وسوف يتم زيادة المخصصات لهذه البرامج بنسبة 40% بدءا من سبتمبر 2011. وسوف يفوز 750 طالب بمنح دراسية إضافية تغير مسار حياتهم وسوف تعمل تلك المنح الدراسية على إثراء الروابط بيننا.
ويقترح الاتحاد الأوروبي أيضا إقامة شراكات مع مجموعة قليلة مختارة من بلدان جنوب المتوسط. ومصر واحدة من تلك الدول. نحن نريد أن تُتاح الفرصة لشباب مصر للسفر والدراسة في أوروبا ولرجال الأعمال أن يمارسوا نشاطهم التجاري في الدول الأوروبية وللفنانين أن يتفاعلوا مع نظرائهم في أوروبا. يجب أن يوحدنا البحر المتوسط لا أن يفصل بيننا. ولكن يتحتم علينا أن ندير هذه التدفقات بطريقة منظمة وآمنة. ويجب أن تفعل كل ما بوسعنا من اجل أن يتم توفير فرص على ارض الوطن.
ويمكن أن يكون لزيادة التجارة والاستثمار الأجنبي دور حاسم في هذا الصدد. ومصر هي بالفعل شريكنا التجاري الأكبر في المنطقة. فقد تضاعف حجم التجارة البينية تقريبا منذ أن دخلت اتفاقية الشراكة حيز التنفيذ في عام 2004. إن تفعيل اتفاقية طموحة بشأن التجارة الزراعية سوف يزيد حجم التبادل التجاري. ولكننا نريد أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فعلى المدى القصير و المتوسط، نريد تكثيف المفاوضات الجارية بشأن تحرير التجارة في الخدمات والاستثمار. أما على المدى الطويل، ينبغي علينا العمل على تفعيل منطقة التجارة الحرة العميقة والشاملة التي تربط مصر بقوة بأكبر سوق في العالم وهو الاتحاد الأوروبي بما لديه من نصف مليار نسمة من المستثمرين ورجال الأعمال والمستهلكين. ولا ينبغي أن ننسى رؤيتنا طويلة الأجل لإقامة منطقة تجارة حرة شاملة بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة جنوب المتوسط.
وأضاف السفير : أن الشمول هو سمة حاسمة للثورة. فهو يساعد على استخدام جميع قدرات شعبكم لاستكمال الثورة. وهناك مثال عملي على ذلك: فقد ساعدت النساء في جعل الحريات الجديدة التي سعيتم من اجلها واقعا. وبالتأكيد يجب عليهن الآن أن يغتنمن كل فرصة متاحة لهن لتقديم المزيد من المساهمات. وهذا الأمر بديهي في أي دولة ديمقراطية. احترام الاختلاف والتحرر من أية مضايقات هو جزء من الأساس الذي يُبنى عليه أية ديمقراطية ناجحة.
لقد كان الربيع العربي سلسلة من الأحداث العظيمة. غير أن التقدم المستمر على طريق الديمقراطية في كل من تونس ومصر لم ينعكس في بلدان أخرى في المنطقة. فهذه البلدان المجاورة لديها نفس التطلعات ولكن رحلتهم إلى تحقيقها أكثر صعوبة وتستحق دعمنا المشترك. إن لدينا مخاوف كبيرة بشان الشعب السوري. فقد قُتل ما يقرب من 2,000 شخص وتم اعتقال حوالي 10,000 شخص وهذه حصيلة لا يمكن تحملها. إننا ندين بدون تحفظ أعمال العنف والقمع. لقد ضاعفنا العقوبات لكن وعود الرئيس الأسد للإصلاح والحوار ضعيفة ولم يتم الوفاء بها حتى الآن. و لا يزال وفد الاتحاد الأوروبي يمارس عمله على الأرض في دمشق حيث يجتمع يوميا مع الأفراد والجماعات. سوف نستمر في الضغط من أجل تحقيق تغيير عاجل.
وأريد أيضا أن اُحي التقدم الديمقراطي والإصلاح الذي تقوم به المغرب والأردن. وقد تعهدت القيادة في الجزائر بتحقيق الإصلاح. وهذا أمر مهم ولكننا ننظر إلى شركائنا الجزائريين حتى نضمن أن تتحول الأقوال إلى أفعال. كما يجب أيضا أن تُترجم وعود الإصلاح في البحرين إلى خطوات إصلاح حقيقية. أما في اليمن فأنه بات من الواضح أنه يجب على الرئيس صالح أن يبدأ في عملية نقل السلطة الآن.
وقال السفير :أنه مع تقدم الربيع العربي، يجب علينا اغتنام الفرصة لتحقيق حل دائم للصراع بين إسرائيل وفلسطين. وسوف تلعب الدول العربية الديمقراطية، وعلى رأسها مصر، دور قويا في صنع السلام وتأمين تطلعات جميع الشعوب في المنطقة بما في ذلك الحق الغير قابل للمصادرة للفلسطينيين في إقامة دولتهم. وتُعتبر مبادرة السلام العربية واحدة من المراجع التي يجب الاستناد إليها في تحقيق السلام جنبا إلى جنب مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويعزز تلك الجهود إدراك حقيقة أن السلام يمكن أن يتحقق فقط من خلال التفاوض. وكما تعلمنا من الربيع العربي، فالعمل السلمي له قوة اكبر وأكثر دواما من العنف.
وأكد السفير بنهاية اللقاء على الرأي القائل بأن الحرية والأمن وفرص العمل يجب أن تسير جميعها جنبا إلى جنب. فليس هناك حرية حقيقية بدون أمن. وليس هناك أمن حقيقي بدون اقتصاد يوفر فرص العمل. كما أكد أن أوروبا تقف في جانب أولئك الذين يتطلعون إلى الديمقراطية والكرامة والحرية.