تجمعني مع شريكة حياتي ثلاثية دعمت زواجنا منذ بدأنا حياتنا معًا.. أولها كان ولا يزال التزامنا المتبادل بعهد زواجنا، وثانيها صداقة أضافت بهجة واستمتاعًا من نوع خاص لمسيرتنا في طريق الحياة، وثالثها مشاركة في العمل والخدمة أخذت علاقتنا إلى أبعاد لم نكن نتخيلها من الشعور بالشبع والاكتفاء، بالرغم من كل التحديات التي علينا أن نواجهها معًا لتحقيق الرؤية التي آمنا أن الله أعدنا لنعيش من أجلها. ولإدراكنا أن الزواج يتطلب نفس نوع ومقدار التفكير والتخطيط، والاستثمار المدروس، والجهد والمثابرة التي لابد أن يبذلها كل مَنْ يسعى للنجاح في مشروع الحياة؛ فقد اعتدنا أن نتوقف من حين لآخر لنقيّم نقاط القوة والضعف في زواجنا، ولنراجع مجددًا مقدار التزامنا بما تعنيه عمليًا هذه الثلاثية في حياتنا اليومية.. وحتى نحميها من التحول إلى روتين يقوده الدفع الذاتي، جلسنا معًا نتحاور حول السؤال: “إذا أردنا أن يكون الوقت القادم مختلفًا عن أي وقت مضى، ما الذي يحتاج لتغيير في حياتنا بصفة عامة، وفي علاقتنا الزوجية بشكل خاص؟”
مع أن أغلبنا يتمسك بالالتزام بعهد زواجه، يبدو أن كثيرين لا يعرفون كل أبعاد هذا العهد، ويُحدونه في مجرد البقاء معًا تحت سقف واحد. ولعلنا نفعل هذا تلقائيًا من قبيل الواجب، أو من أجل الأبناء، وربما لأنه فريضة دينية تلزمنا كمسيحيين أن نبقى معًا. بالطبع كل هذه الدوافع رائعة، وتستحق التقدير، وتساعد أن يبقى الزواج على قيد الحياة عندما يمر بأوقات صعبة.. لكن السعادة في الزواج تحتاج لأكثر من ذلك.
لقد صمم الله الزواج ليكون مصدرًا لفرح واطمئنان عميقين بين الزوجين، ولشعور بالاكتفاء والشبع المتبادل لا يختبرانه إلا معًا. فمن البدء يريد الله أن يبارك الرجل بزوجته.. «فلتكن لك دون سواك، دون أيٍّ من الآخرين. هكذا يُبارك نسلك، وتفرح بامراة شبابك… يُرويك ودادها كل حين، وبحبها تهيم على الدوام» (أمثال ٥: ١٧- ١٨، الترجمة العربية المشتركة). كذلك يريد الله أن تُحب المرأة زوجها، وأن تشعر بأنه يحبها كما يُحب نفسه.. «كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم مثلما يُحبون أجسادهم. مَنْ أحب امرأته أحب نفسه.. فما من أحد يُبغض جسده، بل يغذيه ويعتني به اعتناء المسيح بالكنسية» (أفسس ٥: ٢٨- ٢٩). ولأجل أن تكون رابطة الزواج بحسب هذا المقياس؛ لا بد أن يسعى الزوجان لكسب ثقة كل منهما في الآخر بلا حدود؛وعلى نفس القدر من الأهمية لا بد أن يسعيا لتطوير صداقة تستمر لمدى الحياة، يكون فيها الواحد أقرب وأفضل صديق لشريك حياته. هذا ما يأخذعهد الزواج من كلمات نسمعها أو نرددها في يوم زفافنا إلى أسلوب حياة يصفه القديس متى في إنجيله: «من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق (يتحد) بامرأته… إذًا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد».. والمعنى في اللغة الأصلية يشير إلى تفاعل عنصرين مختلفين معًا ليُكونا مركبًا جديدًا يحوي صفات كل منهما. ثم يضيف البشير إلى وصف هذ العلاقة الفريدة بين الزوجين الوعد الذي ينشئ هذا التفاعل، ويضمن استمرارية هذا الاتحاد، فيقول: «فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان» (مت ١٩: ٥- ٦).
لكن كما يحدث في كل أسرة، لا بد أن نواجه بعض الظروف والمواقف التي تتحدى التزامنا بعهد زواجنا.. السعادة الزوجية لكي تبدأ وتستمر تحتاج لبذل الكثير من الجهد، وإنكار للذات؛ من أجل الاقتراب من الآخر والتوحد معه. أفضل زواج في العالم هو الذي يربط بين خادمين، وأسوأ زواج هو الذي يجمع بين سيدين!
هل أنا على استعداد للتخلي عن خياراتي الخاصة من أجل إرضاء شريك حياتي؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تلخص أحد أهم التحديات التي تواجه الحياة الزوجية. فمفهوم الاهتمام باحتياجات الآخر من أجل أن نسعده، دون أن نضع اعتبارًا لما يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة لنا، أصبح نادرًافي عالم اليوم.. اسأل نفسك: “كم من الناس المعروف عنهم الأنانية ترى أنهم سعداء في زواجهم؟” قليلون، إن وُجدوا.. لماذا؟ لأن الأناني غالبًا لا يستطيع أن يظل ملتزمًا بعهد زواجه عندما يكون مطلوبًا منه تضحية شخصية، خاصة مع عدم وجود مردود فوري لتنازلات صغيرة يجب أن يقدمها، أو عليها أن تبادر بها. بدون هذا النوع من الترجمة العملية لعهد الزواج، فإن مواقف بسيطة قدتعكر أحيانًا صفو العلاقة بين الزوجين، بغض النظر عن حلاوة المشاعر الرومانسية بينهما.
يخبرنا الكتاب المقدس بواقعية أن الزواج يحتاج لعمل شاق لكي ينجح. الرسول بولس يقارن بين مسؤولية المتزوجين وغير المتزوجين؛ فيقول: «غير المتزوج يهتم بأمور الرب وكيف يرضي الرب، والمتزوج يهتم بأمور العالم وكيف يرضي امرأته؛ فهو منقسم.. وكذلك العذراء والمرأة التي لا زوج لها تهتمان بأمور الرب… وأما المتزوجة فتهتم بأمور العالم وكيف تُرضي زوجها» (١ كورنثوس ٧: ٣٢- ٣٤، الترجمة العربية المشتركة).. هذا لا يعني أبدًا أفضلية للعزوبة على الزواج أو العكس، بل بالأحرى يصف النص المسؤولية الإضافية للمؤمنين المتزوجين بينما يخدمون الرب وفي نفس الوقت يهتمون بتلبية احتياجات بعضهم البعض.
اليوم، ولبقية العمر، أريد لزواجي أن يدوم في الأوقات الصعبة، وأن يزدهر خلال الأوقات الحلوة. إن أول معجزة أجراها الرب يسوع كانت في حفل زواج دُعي إليه.. وهو لا يزال يستطيع أن يصنع اليوم معجزة في زواجك إن دعوته إلى بيتك. لقد اعتدت أن أدعوه إلى بيتي، لنقابله كأسرة بينما يحدثنا من خلال الكلمة المقدسة التي نقرأها معًا كل يوم، قبل أن نستودع في يديه بالصلاة زواجنا وأبناءنا وكل أمور حياتنا، وكذلك كنيستنا ووطننا! فإذا كانت هذه هي رغبتك أيضًا، تابع معي بقية هذا الحديث في المرات التالية.