المتخصصون يرصدون عزوف الشباب عن الزواج ويحللون الأسباب
“فستان أبيض وطرحة وقلب دافئ بازل ومحب وحالة دائمة من الرومانسية” …كان هذا الحلم المتكرر والهدف الأهم في حياة كل فتاة، كما كان يحلم كل شاب بحضن يستقبله عند دخوله إلى المنزل بعد يوم من العمل الشاق ليمحوا كل متاعب اليوم، وزوجة تكون السند والعون عند الشدائد، وأطفال يحملون اسمه ويكونوا امتداد لسيرته على الأرض …ولكن قد تغيرت هذه الأحلام الآن واهتزت هذه المشاهد الجميلة في أذهان الشباب، فلم يعد الزواج هو الهدف الأهم بل أصبح الكثيرون منهم يخاف من فكرة الزواج بل ويهرب منها.. عندما تضاربت الأقاويل بين الناس حول الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة، كان على “وطني” أن تلتقي بالمتخصصين لنرى الصورة بشكل أوضح من زوايا متعددة :-
“متطلبات مادية مبالغ فيها”
في البداية قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم اجتماع بجامعة عين شمس، إن المجتمع المصري يصدر الآن حالة من الذعر للشباب المقبل على الزواج بسبب المتطلبات المادية المبالغ فيها من قبل معظم أهالي الفتيات، وسيرهم خلف التقاليد والعادات الاجتماعية ورغبتهم القوية في محاكاة زيجات بنات العم وبنات الخالة التي يضع الأهل أنفسهم تحت نيرها لجعل مسكن أبتهم أفضل من قاريناتها، وبالطبع تكون النتيجة هي عزوف الشباب عن الزواج و إطلاقهم لحملات مثل “خليها تعنس” كشكل من أشكال الرد الساخر.
وأكملت “خضر” قائلة: إننا كمجتمع لا ننادي بفكر الاقتصاد في الحياة على أي مستوى من المستويات فحتى المتزوجين حديثا لا يخططون بشكل سليم لحياتهم على عكس ما يحدث في بعض الدول التي يتفق فيها الزوجين على تأجيل الإنجاب في أول عام من الزواج حتى يستطيعا أن يدخرا للطفل المحتمل مجيئه، سواء لمصروفات الوضع والمستشفى أو لمتطلبات الطفل الصغير، ولكن في مصر لا يوجد تخطيط لأي شيء فبعد أول شهر من الزواج نجد الزوجة حامل ويدخل
الزوج في دوامة لا تنتهي .
“مظهر الفتيات”
كما تشير “خضر”، إلى نقطة خطيرة تجعل الشاب يفكر ألف مرة قبل التقدم إلى أي فتاة وهي أن مظهر الفتيات الآن أصبح مبالغ فيه، فهن يرتدن ملابس باهظة الثمن بشكل يومي كما يصرفن في الإنفاق اليومي على المأكل والمشرب خارج المنزل، وهذا يتضح بقوة في المجتمع الجامعي فلم يصبح ما ترتديه الفتاة في الجامعة مجرد ملابس طالبة تأتي لتلقي العلم بل به كثير من التكلف، وهذا يجعل الفتاة تعتاد على مستوى معين من الحياة ولا تريد التنازل عنه بعد زواج.
“النماذج الأسرية السيئة..بالدراما”
كما تلوم “خضر”، على الدراما المصرية التي تركز دائماً على النماذج الأسرية السيئة، فهي تسلط الضوء على الزوجة التي يضربها زوجها والزوجة دائمة الإهانة لزوجها، كما تفرد مساحة واسعة لحالات الخيانة الزوجية، مما يرسخ في وجدان المشاهدين أن هذه هي الصورة الأعم للحياة الزوجية.
“الخوف أمر طبيعي.. ولكن”
ومن ناحية أخرى، يؤكد الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية، أن الخوف من قرار الزواج أمر طبيعي في كثير من الحالات لأنه قرار صعب ومصيري وسوف يؤثر على حياة الإنسان باقي عمره، فقرار الزواج لا يقل خطورة عن قرار مثل الهجرة أو الرهبنة فمثل هذه القرارات تعتبر قرارات من العيار الثقيل، ولكن رغم ذلك لا نستطيع أن ننكر أن البعض يكون خوفهم بشكل زائد وهذا يرجع إلى أسباب مختلفة ومنها وجود فرص كثيرة أمام الشخص المقبل على الزواج مثل أن تكون الفتاة ذات ملامح جميلة وقوام متناسق فنجدها لا توافق على أحد بسهولة لأنها تعرف أنه قد يأتي غيره الأفضل فهي على يقين أن كثيرين يحلمون بالارتباط بها على عكس الفتاة التي لا تتمتع بأي صفات تميزها أو ليس لديها من الجمال الجسدي ما يجعلها لا تتردد في قبول أي شخص معقول يطلب الزواج منها، كذلك الشاب الغني أو الذي لديه منصب وشكل وسيم يعرف أن فرصته كبيرة في الارتباط والاختيار لأنه حينما ينوي الزواج بأي فتاة مهما كانت حتما ستوافق عليه …فلما العجلة !؟.
” كبت الحرية وعرقلة الطريق”
وأضاف “الضبع” ، أنه قد تصل الفتاة إلى مناصب مرتفعة في عملها وتتدرج في الحياة العملية إلى مراتب مرتفعة مما يشعرها أن منظومة الزواج قد تعوقها على الاستمرار في سلسلة النجاحات فلما تدخل في شركة مع شخص تكبت حريتها وتعرقل تقدمها، كذلك قد تعتاد فتاة العيش في حياة رغدة ومرفهة في بيت الأهل فلديها سيارتها وكل ما تطلبه تجده ولديهم في المنزل خادمة وطباخ. فنجدها لا تحب المغامرة والعيش في كنف شخص قد لا يستطيع توفير كل ذلك لها فهي اعتادت على عدم تحمل المسؤولية.
“تكرار المأساة”
ويؤكد “الضبع”، أن الشخص الذي عاش في أسرة بها مشاكل بين أبيه وأمه يفكر كثيرا قبل الارتباط بل وقد يلغي الفكرة من حياته، كذلك الفتاة التي تسمع من صديقاتها أنهن غير سعداء مع أزواجهن ويندبن حظهن على مثل هذا القرار، نجدها تخشى مجرد التفكير في الأمر وعندما يتقدم لها أي شخص تتخيل أنها ستكرر مأساة صديقاتها.
“التجارب السابقة”
ويرى “الضبع”، أن مرور الشخص بتجربة فاشلة ثم العدول عنها قد يسبب له حالة من الذعر من تكرار الأمر ثانية، فالفتاة التي تم خطبتها لشاب ثم خذلها وجرحها واكتشفت عنه أي شئ مشين قد أخفاه عنها، تتخيل في كل شخص يتقدم لها صفات خطيبها الأول، كذلك الشاب ذو السلوك المنحرف نجده يتردد كثيراً قبل الإقبال على فكرة الارتباط، لأنه يعتقد أن معظم الفتيات تشبهن من كان على
علاقة بهن من قبل.
“اعتداء أو تحرش في الطفولة”
وأضاف “الضبع”، أن الفتايات الآتي تعرضن لمحاولات إعتداء جنسي أو تحرش في صغرهن قد ينتابهن فزع من فكرة الزواج مع أنهن يشعرن بسعادة من فكرة الارتباط العاطفي بشخص وأجواء
الخطبة والزفاف ولكنهم لديهم شبه عقدة من ممارسة العلاقة الحميمة.
” عدم الرغبة في تحمل المسؤولية”
من جانبه أكد الدكتور نبيل نصري، مدير مركز العائلة المقدسة للمشورة الأسرية بأرض الجولف، أن “الرغبة في الاستقرار” كانت سبب إقبال الشاب على الزواج في الماضي، فكانت فكرة الزواج في عقل الرجل في الماضي تعني تأسيس بيت وأسرة، وكان البذل داخل الحياة الزوجية هو الهدف الأسمى، الرجل يتمنى أن يكون مسؤولاً عن أحد ويريد أن يسمع من زوجته “نحتاج إلى بعض المتطلبات عند عودتك للمنزل” كما يريد أن يعود من العمل مهرولا عندما يسمع أن ابنه حرارته مرتفعة ليذهب به للطبيب، ولكن الشباب هذه الأيام تتم تربيته على الطريق الواسع فلا يريدون تحمل أي مسؤولية فقد يكون الشخص يعمل في عمل يتقاضى منه أموالاً كثيرة، ولكن قد ينفقها كلها خلال جلوسه في المقهى فهو يعيش
في لا مبالاة دائمة .
“نموذج الأب الغائب”
وأضاف “نصري”، أنه لا يؤمن بفكرة أن مصروفات الزواج هي التي تنفر الشباب منه، بل النماذج الزوجية السيئة المحيطة كمثل أن تتعرض الفتاة في حياتها لنموذج الأب الغائب سواء كان مغترب خارج مصر بهدف العمل أو الغائب رغم عيشه في بيته، مع زوجته وأولاده حيث أنه غير مؤثر في حياة زوجته أو في تربية أولاده، فنجد الفتاة عند بلوغها سن الزواج تكره الفكرة لأنها تخشى أن تعيش مثل هذه للحياة فيقع على كاهلها مثل هذا الحمل.
“معانات المتزوجات”
ويكمل: كانت القاعدة قديماً أن الرجل خلق للشقاء والمرأة خلقت لكي تهنئ بالحياة وتتنعم بها، ولكن الآن تتعرض المرأة لمهانة كبيرة، ففي عصر أجدادنا كان من غير اللائق أن تخرج الزوجة لقضاء احتياجات الأسرة خارج المنزل بل كان أبناؤها الأولاد وزوجها هم من يقوموا بذلك، كذلك كانت طريقة مخاطبة الزوج لزوجته كلها رقي واحترام، وكانا المقابل أنها كانت تحمل زوجها وأبناءها طوال العمر فوق رأسها.
“جو الاختلاط المتزايد”
كذلك يرى “نصري”، أن الاختلاط المتزايد بين الشباب والبنات جعل الشباب ليسوا في حاجة للزواج، فهم يتقابلون كثيرا ويتحدثون في الهاتف لفترات طويلة، ولا يتبقى سوى شئ واحد لم يحصل عليه الشاب، وهذا الشيء ثمنه مكلف جداً له بالنسبة له “تكاليف الزواج” ، فيقرر أن يستغنى عنه أو يعوضه بطريقته الخاصة بدلاً من أن يعيش في وجه زوجه تكدر حياته .
“استقواء الفتيات”
ويؤكد “نصري”، أن سبب عزوف بعض الفتيات عن الزواج وخشيتهم من الدخول إلى القفص الذهبي يرجع إلى “استقوائهن” فأي رجل مقبل على الزواج يتمنى أن يتزوج زيجة هادئة يكون هو فيها قائد البيت وتكون الزوجة ظهر له خاضعة على طول الخط ليشعر دائماً بضعفها في كنفه، ولكن هذا الشعور قد لا يعجب المرأة في كثير من الأحيان، حيث تشعر أنها أفضل منه وأكثر منه نجاحاً فراتبها ضعف راتبه، والقديس بطرس الرسول يقول في رسالته الأولى أنه يجب أن تعامل النساء “كآنية أضعف” ولكن المرأة لم تصبح ” آنية أضعف” الآن، فكيف للرجل يأتي بزوجة إلى حضنه وتستطيع الخضوع له بحب وهي بهذه المشاعر، وهنا يؤكد “نصري” أن المعنى الحقيقي لخضوع الزوجة أن يكون كما وصفه الكتاب مثله مثل خضوع الكنيسة للمسيح الذي بذل نفسه لأجلها وانحنى وغسل أرجل التلاميذ بكل حب، ولكن الآن الحياة الزوجية أصبحت في كثير من الأحيان أشبه بمعركة.
“هناك حل”
وينصح “نصري” من لديه مخاوف زائدة عن الحد من فكرة الزواج ألا يستسلم للأمر بل عليه بمقابلة أحد المشيرين أو المتخصصين ليستطيع أن يضع يده على السبب الحقيقي لهذه المخاوف
ويعالجها، فإذا عرف المشير أن مخاوف الشخص نابعة من رؤيته لبعض النماذج الفاشلة سواء من خلال أسرته أو المحيطين فعلى المشير أن يشرح له المعنى الحقيقي للأسرة وما هي أساسات البيت السليمة ويحاول أن يصلح له المفاهيم المغلوطة عن السيادة والخضوع والجنس وهذا النوع من العلاج يجب أن يأخذ وقته، فكلما تم معالجة الأمور بتمهل واستفاضة في الشرح والإقناع بالطبع كانت النتائج أفضل.
ويتمنى “نصري”، أن تتم هذه التوعية بمناهج مبسطة منذ المراحل المبكرة من عمر الشباب حيث كان يحلم القمص يوحنا ثابت كاهن كنيسة العذراء أرض الجولف أن يكون هناك مناهج للأسرة بخدمة مدارس الأحد تدرس بطريقة مبسطة تناسب كل مرحلة .
وعن خوف البعض من تحمل مسؤولية الزواج يرى ” نصري”، أن هذا طبيعي فبعض التشجيع قد يعالج الأمر، ولكن قد يكون الخوف زائد عن حده ويصاحبه رغبة في الهروب من المسؤولية وهذا يرجع إلى طريقة التربية، فإذا أرادت الأم أن يتعلم ابنها تحمل المسؤولية وأن تلامس أقدامه الأرض، يجب عليها أن تضع ثقل على أكتافه وتدربه على تحمل المسؤوليات، حتى ولو كانت بسيطة فلا مانع أن يشاركها الصغير تجهيز المائدة أو أن تطلب منه ترتيب غرفته وتؤكد على أنه لا يصلح أن يقوم أحد بترتبها بدلاً منه وعليها أن تصر على ذلك، ولكن لأن الأم المصرية تريد أن تشعر دائماً بأهميتها في حياة أبناؤها فهي تقوم بكل ذلك فيعتاد الأطفال أن تكون الحياة دائماً على ما يرام دون مساهمة منهم.
وعن عدم تقبل بعض الشباب، وخصوصاً الفتيات فكرة الانفصال عن الأهل عند الزواج، يقول “نصري”، أنه يجب أن تعمل كل أم على تأهيل أولادها نفسياً منذ حداثتهم على فكرة الانفصال عن الأهل والارتباط بآخر، لأن غالباً الأمهات لا يسعن إلى ذلك بشكل غير واعي لأن كل أم تود أن يظل الأبناء دائما في حضنها وفي احتياج لها لأن وجود الأولاد مرتبط بمنظومة القيمة لديها .
كما يؤكد “نصري” على أهمية أن يبحث المشير عن السبب الحقيقي لعزوف الشاب وهروبه من فكرة الزواج خصوصاً لو كان ميسور الحال وعمره ليس بصغير، فقد يكون هذا الإنسان له سلوك منحرف .