هل يمكن أن يحل الحاسوب مكان البشر في كل شىء، كثيراً ما ذهبت أفلام الخيال العلمي إلى هذا البعد المرعب من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي يبدو فيها تقلص الدور البشري مقارنة بالدور الآلي، وهو ما يهدد الوجود البشري ذاته، ذلك الوجود الذي تتم صناعة كل شىء من أجل الإبقاء عليه آمناً مرفهاً، فهل يعقل ذلك؟ حتى الآن لا أحد يعلم، لكن العلماء يجتهدون والساسة يجتمعون.
والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. من أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة. إلاّ أنَّ هذا المصطلح جدلي نظراً لعدم توفر تعريف محدد للذكاء. إلا انه لا تحكم تطويره بنية تحتية قانونية في العديد من الدول.
سؤال تصعب الإجابة عليه في ظل التوحش الإلكتروني، لكنه أنتج مخاوفاً في ضوء الجدل الدائر حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد اختلاف العلماء حول ما يسمى تقنية التزييف العميق، وهي نوع من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يتيح إنتاج مقاطع فيديو وصور اصطناعية مزيفة تظهر لأول وهلة وكأنها حقيقية بشكلٍ كبير جداً. تسمح تقنية التزييف العميق بصنع فيديوهات مزيفة بالاعتماد على التعلم العميق، عبر دمج مجموعة صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية لشخص معين. وذلك بهدف إنتاج مقطع فيديو جديد يقول فيه الشخص كلاماً غير حقيقي أو يقوم بتصرفات لم يقم بها في الواقع.
وهكذا تسللت المخاوف الى الدول، مما شجع قادتها على وضع اتفاقية منظمة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي.فاعتمدت جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) مساء أمس الخميس بتوقيت نيويورك، نصاً تاريخياً يحدد القيم والمبادئ المشتركة اللازمة لضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بصورة سليمة.
وبالنظر الى قوة تغلغل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية،. نجد منطقية تصاعد المخاوف، إذ أنه يستخدم في مجالات متخصصة مثل فحص السرطان أو للمساعدة في خلق بيئات شاملة لذوي الإعاقة. من حجز الرحلات الجوية والتقدم بطلب للحصول على قروض إلى قيادة السيارات ذاتية القيادة، ووفقا لليونسكو، يدعم الذكاء الاصطناعي أيضا عملية صنع القرار من قبل الحكومات والقطاع الخاص، فضلاً عن المساعدة في مكافحة المشكلات العالمية مثل تغير المناخ والجوع في العالم. ومع ذلك، تحذر الوكالة الأممية من أن التكنولوجيا “تولد تحديات غير مسبوقة”.
في هذا السياق أوضحت اليونسكو :”أننا نرى مجموعة من التحديات مثل تفاقم التحيز الجنساني والإثني، وتعرض الخصوصية والكرامة والأهلية لتهديدات جدية، وبروز خطر المراقبة الجماعية، وزيادة استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غير الموثوق بها في مجال إنفاذ القانون. ولم يكن يوجد حتى الآن معايير عالمية تتصدَّى لهذه المسائل.” لذلك، يهدف النص الجديد المعتمد إلى توجيه بناء البنية التحتية القانونية اللازمة لضمان التطور الأخلاقي لهذه التكنولوجيا.
وبحسب المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي “يحتاج العالم إلى وضع قواعد للذكاء الاصطناعي تعود بالنفع على البشرية، وتعتبر التوصية إحدى هذه القواعد الرئيسية، فهي تحدِّد أول إطار تقنيني عالمي، وتحمِّل الدول مسؤولية تطبيقه على الصعيد الوطني لديها. وستقدِّم اليونسكو الدعم إلى دولها الأعضاء المائة والثلاثة والتسعين، وتطلب منها تقديم تقارير دورية عن التقدم الذي تحرزه والممارسات التي تطبقها”.
يهدف النص إلى تسليط الضوء على مزايا الذكاء الاصطناعي، مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها أيضا. وفقا لليونسكو، فإنه يوفر دليلا لضمان أن التحولات الرقمية تعزز حقوق الإنسان والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة القضايا المتعلقة بالشفافية والمساءلة والخصوصية، ووضع سياسات عملية المنحى حول إدارة البيانات والتعليم والثقافة والعمل والرعاية الصحية والاقتصاد.
تتمثل إحدى توصيات النص الرئيسية في حماية البيانات، بما يتجاوز ما تفعله شركات التكنولوجيا والحكومات لضمان مزيد من الحماية للأفراد من خلال ضمان الشفافية والأهلية والتحكم في بياناتهم الشخصية. كما تحظر التوصية صراحة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للتقييم الاجتماعي والمراقبة الجماعية.
يشدد النص أيضا على أنه ينبغي على الجهات الفاعلة في الذكاء الاصطناعي تفضيل اختيار وسائل الذكاء الاصطناعي التي تتسم بالكفاءة في استخدام البيانات والطاقة والموارد، كي تسهم هذه الوسائل في ضمان توطيد دور الذكاء الاصطناعي البارز باعتباره إحدى أدوات التصدي لتغير المناخ ومعالجة القضايا البيئية.
وفي هذا السياق قالت مساعدة المديرة العامة لليونسكو لشؤون العلوم الاجتماعية والإنسانية، جابرييلا راموس: “يجب أن تتسم القرارات التي تؤثر في ملايين البشر بالعدل والشفافية وأن تكون قابلة للدحض. ويجب أن تساعدنا هذه التقنيات الحديثة في التصدي لأبرز التحديات التي تعترض طريقنا في عالم اليوم، وذلك على غرار استفحال أوجه عدم المساواة والأزمة البيئية، أي أنّه يجب ألّا تساهم هذه التقنيات في تعميق هذه التحديات.”