يعد مبنى مجلس الشعب الحالي من المعالم التاريخية المهمة التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بتاريخ مصر الحديث, فهو من الرموز التي يعتز بها الوطن ويفخر بها فقد احتضن إرادة الشعب، وفي رحابه اجتمع نواب الأمة منذ فجر الحياة النيابية.
ويرجع تاريخ المبنى ل عام ١٩٢٢ حينما قرر الملك فؤاد والحكومة ان يكون للبرلمان مجلسين احدهما يسمى مجلس النواب وقررت الحكومة بناء مبنى مستقل له ( وهو مبنى مجلس الشعب حاليا )ووضع حجر اساسه فى ٩ سبتمبر ١٩٢٢ واكتمل بناؤه فى ٤ مارس ١٩٢٣ وعقدت به اول جلسة فى ١٥ مارس ١٩٢٤، ولم يكن مجلس النواب وقتها يطل على شارع قصر العينى حيث كان يفصله مبنى الجمعية الجغرافية حتى نقلت الى مكانها الحالى فى ٢٧ ديسمبر عام ١٩٢٤ والمكان القديم للجمعية ضم الى مجلس النواب ثم هدم فيما بعد وحل محله مبنى حديث يتكون من ١٠ طوابق به مكاتب ادارية لخدمة مجلس الشعب وافتتح فى عام ١٩٧٣
اما الشارع الذى يقع به مجلس الشعب فقد تغير اسمه عدة مرات كما يلي: شارع الشيخ يوسف- شارع دار النيابة- شارع مجلس النواب- شارع مجلس الامة- شارع مجلس الشعب
وظل مبنى مجلس الشعب منذ ان عقدت به الجلسة الافتتاحية الأولى التي ضمت مجلسي الشيوخ والنواب يوم السبت 15 مارس 1924م، رمزًا لكلِّ المفاهيم الدستورية والديمقراطية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تراث مصر السياسي، كما أنه شاهد حي على وقائع أكثر من 90 عامًا من الحياة السياسية والنيابية في مصر.
والمبنى من الناحية المعمارية قيمةً فنيةً جمع بين الأساليب المعمارية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبين التأثيرات الإسلامية في العمارة والفنون.
التوسعات:
كانت تشغل وزارة الأشغال والموارد المائية الطابقين الأول والثانى من هذا المبنى إلى أن تسلمتهما الأمانة العامة لمجلس الشعب وضمتهما إلى مبانيها فى 1991/9/29، حتى يمكن للمجلس أن يتوسع فى مقره لمواجهة التطور الكبير الذى طرأ على الحياة النيابية التشريعية فى الحقبة الأخيرة.
ويشغل مجلس الشعب ثلاثة مبان، شيدت فى فترات تاريخية متعاقبة على مساحة قدرها 11.5 فدان تقريبا أى 48 ألفا وثلاثمائة متر مربع، فضلًا عن عدة مبان إضافية للخدمات المعاونة والصيانة والمخازن، ومسجد المجلس، وتتخلل تلك المبانى عدة حدائق ومساحات خضراء.
فيتكون التصميم المعماري للمبنى من قاعة رئيسية مستديرة يبلغ قطرها 22 مترا وارتفاعها 30 مترا تعلوها قبة يتوسطها جزء مستدير مغطى بالزجاج .. وهذا الجزء تعلوه شخشيخة عليها قبة صغيرة منخفضة .
وتتكون قاعة البرلمان من طابقين بكل منهما شرفة، أما صدر القاعة ففي وسطها شعار الجمهورية ثم منصة الرئاسة، ويلحق بالقاعة عدة أجنحة منها البهو الفرعونى واستراحة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والشخشيخة بها أربعة شبابيك، وعلى القبة من الخارج أشرطة بارزة تمثل وحدات زخرفيةً بارزة متكررة . أما مركز الدائرة من الداخل فتحيط به زخارف نباتية تمثل الطراز الذي ساد في العشرينات وقت البناء .. أما صدر القاعة فنجد في وسطها شعار الجمهورية ثم منصة الرئاسة.
متحف مجلس الشعب :
من اجل الحفاظ على التراث المصرى فى مجال الممارسة السياسية والتشريعية والبرلمانية ، تم إنشاء متحف مجلس الشعب داخل مبنى البرلمان، ويشغل المتحف قاعتين كبيرتين من مبنى البرلمان تضم القاعة الأولى مقتنيات من مختلف العصور ، بينما تعرض القاعة الثانية مقتنيات لتطور الحياة البرلمانية فى مصر فى العصر الحديث ، كما يضم المتحف قسما لعرض الهدايا التذكارية المهداة إلى رئيس المجلس .
القاعة الأولى للمتحف تضم مقتنيات من العصور الفرعونية والإسلامية حتى الوقت الراهن ، فمن العصر الفرعونى تعرض بها نماذج عديدة من التشريعات والقوانين فى مصر القديمة ، منها نموذج لتمثال الكاتب المصرى جالسا يحمل لفافة من أوراق البردى ويقوم بتدوين التشريعات والقوانين ويرجع أصل هذا التمثال إلى عصر الدولة القديمة ( 2780 _ 2280ق . م ) ، كما يعرض نص عثر عليه فى مقبرة إيدوت ( بسقارة ) ويعد أقدم تشريع ضرائبى فى التاريخ وهو عبارة عن لوحة تمثل معاقبة المتهربين من الضرائب .
كما تعرض أيضا مجموعة نصوص تشريعية مكتوبة باللغة الهيروغليفية تتضمن التشريعات التى أصدرها الملك الفرعونى حور محب ، ويرجع تاريخها إلى عصر الدولة الحديثة ( الأسرة 18 حوالى عام 1330 ق . م ) من بينها تشريع لحماية الزراعيين .
كما يعرض نموذج لحجر رشيد الذى يتضمن مرسوما أصدره بطليموس الخامس عام 196 ق.م وهو منقوش بثلاث لغات هى : الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية ،وفى هذه القاعة ايضا نموذجان مجسمان : أحدهما لمجلس الحكم فى عهد صلاح الدين الأيوبي (1171 – 1193 م ) ويصور هذا المجسم الوالي يستمع إلى شكاوى أحد المواطنين فى وجود الأمراء ورجال الدولة .
ومن العصر الحديث ، تضم القاعة الأولي من المتحف صورة وثائقية من اللائحة الأساسية للمجلس العالي الصادرة فى 1825 ، وهو أول مجلس يضم أعضاء منتخبين ، كما تعرض لوحة لتطور علم مصر منذ 1923 حتى الان ، ومجموعة من الصور الفوتوغرافية لرؤساء مجلس الشيوخ المصرى ( 1924 – 1952 ) وزي التشريفة الخاص بأخر رئيس المجلس كما يتم عرض أحد الكراسي الخاصة باستراحة الملك فى مجلس النواب (استراحة رئيس الجمهورية فى مجلس الشعب حالياُ ) وهو كرسى من الخشب المذهب ، ومكسو بالديباج الأحمر الفاتح ، ومزين بأشكال دائرية ووريدات من اللؤلؤ ، كما يعرض نموذج لكرسي آخر من كراسي النواب فى البهو الفرعوني منذ تأثيث المجلس ، وهو كرسى صغير من الخشب ، له ظهر وقاعدة مكسوة بالجلد ، والأرجل والظهر مزخرفة بأشكال لزهرة اللوتس ، ويوجد فى أعلاها قرص الشمس وجناحا صقر يتوسطهما صورة الإله حورس .
ومن الوثائق والمستندات الهامة ، توجد وثائق محاكمة الزعيم الوطني أحمد عرابي وزملائه عام 1882 ، ووثائق قضية اغتيال أحمد ماهر باشا . كما تعرض صور تسجيلية وثائقية من الصحف اليومية المصرية التي تتضمن أخباراً تسجل الأحداث التاريخية فى مصر مثل قيام الثورة عام 1952 وتنازل الملك عن العرش ومغادرته البلاد فى 26 من يوليو 1952 .
القاعة الثانية للمتحف تقع على يسار الممر المؤدي من “المجلس ” الى البهو الفرعوني – في مواجهة القاعة الاولى من المتحف – وتعرض هذه القاعة مجموعة هامة من الوثائق الدستورية والبرلمانية والعديد من اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية لرؤساء المجالس النيابية المصرية ، فضلا عن مجموعة من التماثيل النصفية لحكام مصر وزعمائها في العصر الحديث قبل وبعد ثورة 1952 وصورا زيتية لحكام مصر من أسرة محمد علي باشا .وتتوسط القسم الثاني من هذه القاعة العربة المللكية من نوع اللالئ التي كانت تقل الملك من قصر عابدين الى قاعة المجلس ، كما توجد العديد من الوثائق والصور الخاصة بلجنة وضع دستور عام 1923 وأيضا صورا لرؤساء جميع المجالس النيابية في تسلسل تاريخي بدءا من اسماعيل باشا راغب اول رئيس لمجلس شورى النواب عام 1866 وكذلك صور لرؤساء مجلس الشيوخ المصري حتي عام 1952 ، ثم صور لرؤساء مجلس الشورى منذ نشأته عام 1980 .
ومن اروع ما تضمنه هذه القاعة من المتحف كرسي العرش الذي كان يتصدر قاعة مجلس النواب وعلى جانبيه شمعدانان وتعلوه الكمبوشة وبه زخارف نباتية في اعلى الركنين يتوسطهما شعار الهلال ، وبداخله ثلاثة نجوم يعلوها تاج ، وكان هذا شعار اسرة محمد على ، ويتميز هذا الكرسي بان رجليه الاماميتين لكل منهما قاعدة على شكل رجل حيوان ،له مخالب ويعلوها بالحفر البارز رأس اسد مجنح .
كما زودت مقتنيات متحف الشعب بعدة خزانات تضم العديد من الهدايا التذكارية من برلمانات العالم المختلفة والهيئات الدولية سواء الرسمية أو الشعبية .
وتحتوى الهدايا على مجموعة من الخناجر المتنوعة الزخارف الهندسية والنباتية المكفتة بالذهب والفضة ، من بينها خنجر فضى محلى بالزخارف والنقوش الموشاة بالذهب ، والمقدم من الحاج بن عبد الله المحيرب ، رئيس المجلس الوطنى الاتحادى بدولة الامارات العربية المتحدة عام 1994م وغيرها الكثير.