يقولون إن في كل محنة منحة, وأنا أؤمن بذلك.
نعيش جميعا وإلي مدي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي كل ما يترتب علي أزمة فيروس الكورونا من أزمات, وفي الظاهر فإن الأزمات شر مطلق, أما في الباطن فإن في الأزمات خير لايعلمه إلا الله سبحانه, وينطبق هذا أيضا علي هذه الأزمة, منها ما قد يدركه فهمنا في حينه, ومنها ما قد نفهمه في المستقبل.
في رأيي فإن واحدة من أهم منح هذه الأزمة القاسية غير المسبوقة, هو مظاهر التلاحم الشعبي في مصر, شيء رائع وغير غريب علي طينة الشعب المصري الأصيلة, الطيبة والمعطاءة, هو شيء يؤكد تماما ويعيد تذكير العالم بأننا أصحاب حضارة ذات جذور, وشعوب غير مستحدثة, قد يقول البعض ده شيء معروف, في الحقيقة أن أهل هذا الزمان أصحاب ذاكرة ضعيفة, ولا ضير من التذكير بمزايا شعبك وأهلك, وأن تتفاخر بهما أيضا, وفي الأزمة يظهر المعدن الأصلي, ويعرف الجميع الأصيل من المزيف.
من مظاهر التضامن والتلاحم بين المصريين, إطلاق عدد متزايد من الحملات الشعبية, وحملات التطوع لأجل مواجهة كل مخاطر انتشار فيروس الكورونا المستجد, سواء بتعقيم المؤسسات والمساجد والمدارس والبنايات السكنية, أو نشر الوعي بطرق الوقاية من الفيروس وكيفية التصرف في حالة الشك في الإصابة به, أو توزيع أدوات التعقيم والحماية من أقنعة وقفازات, أو حملات التوعية الإلكترونية بالرد علي أسئلة الجمهور علي صفحات التواصل الاجتماعي, وكذلك التكافل الاجتماعي بتقديم وتوزيع الوجبات الغذائية علي أسر عمال اليومية وكل محتاج, والتطوع بقضاء حاجات كبار السن المقيمين دون أبنائهم.
يجب ألا تمر كل هذه النشاطات مرور الكرام, بل يجب أن نفخر بأنفسنا, ونعتد بقدرتنا علي التلاحم والتكافل, سيعيد لنا ذلك كثيرا من الاعتداد بالنفس والإيمان بالقدرة علي تخطي الصعاب, وسيقرب بيننا أكثر وأكثر, بعد سنوات طويلة من التباعد الاجتماعي المبني علي المودة والتواصل الحقيقي والافتراضي, ونحن نحتاج لهذا كثيرا في عالم يزداد قسوة يوما بعد الآخر, فيما ميراثنا المصري الحقيقي يفخر بقوة التلاحم الشعبي في مواجهة النوائب, ويؤكد علي واحدة من أهم صفات المصريين وهي التقارب الإنساني والألفة والمحبة غير المشروطة, وإنه لأمر لو تعلمون عظيم.
في إطار المبادرات الشعبية والتطوعية, كان من أولها وأكثرها تنظيما, وفقا لرؤية وآلية واضحة علمية وعملية,أطلقت مؤسسة الشهيد للتنمية ما أطقت عليه: الحملة الشعبية لمكافحة الكورونا, من مدينة المحلة, وهي مبادرة شعبية كانت الأولي من نوعها في هذا التوقيت الحرج, وقد لاقت رواجا كبيرا وتفاعلا سريعا في المحلة وغيرها من المدن.أنشأت الحملة جروب للتواصل عبر شبكة الفيسبوك, ودعت فيه الجميع إلي الانضمام للتجربة التي كانت وليدة لاتزال, واستهدفت توسيع مساحة حركة المبادرة في كل المدن والقري.
بدأت الحملة نشاطها بتطهير المساجد في مدينة المحلة, استعدادا لصلاة الجمعة الأخيرة قبل منع الصلاة في المساجد, وقامت بتوزيع بروشورات تتضمن المعلومات الأساسية عن الكورونا, وسبل الوقاية منه وطرق مكافحته, وأجابت عن أسئلة المواطنين, حيث سبق وحصل المتطوعون في الحملة علي تدريبات متخصصة علي يد أطباء.
مبادرة خضرا أيضا من المبادرات المهمة, أطلقتها مؤسسة خضرا, يقول أصحابها عن أنفسهم : إحنا مجموعة من متطوعين مصريين متخصصين في مجالات طب الأزمات, الصحة العامة, البيئة, طب الأسرة, الصحة النفسية, التنمية المجتمعية, والتواصل. سنعمل سويا لخلق وحدة دعم لـ COVID-19 في مصر. وقام هؤلاء الأطباء بتدريب مجموعة من المتطوعين من خارج القطاع الطبي, علي المعلومات الأساسية حول الفيروس وأعراض الإصابة به, وما الإجراءات الواجب اتباعها في حالة الشك في الإصابة, ويقوم هؤلاء المتطوعون بالرد علي الأسئلة والتفاعل من خلال رسائل وتعليقات الجمهور علي صفحة المؤسسة علي الفيسبوك, وذلك علي مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع, حيث يضم كل فريق خمسة أفراد يعملون لمدة ساعتين, ويمكن لكل شخص التطوع لأكثر من مناوبة, وقد تم اختيار جميع المتطوعين بعد اجتيازهم لاختبار بنسبة نجاح 100%.
عاشت مصر بشبابها..ودامت قوية بشعبها.