في تذكار احتفال الكنيسة بعيد الميلاد المجيد تستوقفني كثيراً كلمات الوحي الإلهي التي اعلنتها السماء للرعاة الساهرين ليحرسوا حراسات الليل على رعيتهم بعد أن بشرهم الملاك بميلاد المخلص “إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب” ( لو 2 : 11 )
إذا تأتي كلمات معزية مكتوبة بالروح للشعب “وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة “( لو 2: 13)
شغلت هذه الكلمات ذهن الكنيسة في تأملات وصلوات متعددة فهي دعوة للانشغال بمجد الله والتمتع بسلامه وفرحه، ودعوة صاحبت البشرى بالتجسد الإلهي ..
فالدعوة كانت للانشغال بمجد الله الذي اعلنه للبشرية بتجسده، فغير المرئي قد صار مرئياً وغير المتجسد قد تجسد وغير المبتدأ ابتدأ وغير الزمني صار زمنياً.. فأي مجد هذا أشارت له الملائكة أن الله قد اتخذ له جسداً تاركاً عرشه السماوي “.. إذ أخلى نفسه آخذاً صورة عبد وصائراً في شبه الناس، صائراً في الهيئة كإنسان وأطاع حتى الموت موت الصليب”(فى 2: 8) فقد سر الله في الميلاد أن يعلن مجده للبشر لكي يحررنا من خطايانا و يردنا لميراث الفردوس الأبدي ..
كما كانت الدعوة للسلام ” على الأرض السلام” .. فقد وهب لنا الله بتجسده السلام الإلهي الحقيقي الذي يفوق العقول، فهو وعدنا بذاته “سلاماً اترك لكم سلامي أنا اعطيكم” ( يو14: 27) هذا السلام الذي يهبه رئيس السلام قد صار ميراثاً لكل من يؤمن به رباً وفادياً.. وعطية السلام الإلهي هي عطية غير محدودة وهبها الله لنا بتجسده، فهو “سلام الله الذي يفوق كل عقل” (فى 4: 7 ) هو القادر أن يحفظ أذهاننا في المسيح يسوع .
كانت الدعوة للفرح “وبالناس المسرة” فبالتجسد الإلهي أعطى الرب لكل أولاده عطية الفرح من خلال غفرانه لخطاياهم “طوبي لمن غفر اسمه وسترت خطيته طوبى لإنسان لا يحسب له الرب خطية ” ( مز 32 ) لذلك تحدث الملاك للرعاه “ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب” ( لو 2: 11 ) وبهذه الدعوة صار لنا الفرح الحقيقي الذي يملأ قلوبنا بهجة وسرور.
إن الرسالة التي يبعث بها إلينا صفوف السمائين في تذكار الميلاد المجيد ونحتاج أن نؤكد عملها في حياتنا هي رسالة لتمجيد الله وللامتلاء بالسلام الإلهي والفرح الدائم وهي رسالة نهتم أن ننشغل بها في عقولنا ونشتهي أن تدخل إلى عمق قلوبنا.
ولكن ما يؤلمنا أن تتحول هذه الوعود الإلهية المفرحة إلى حوارات وأفكار تؤلم الذين ينشدون المجد الحقيقي والسلام السماوي والفرح الإلهي وتتحول الحوارات والبحوث إلى صراعات ومشاحنات تفقدنا الفرح الحقيقي بالتجسد الإلهي.
إنه نداء يملأ القلب واللسان أن نحافظ على موضوع بهجتنا بالتجسد الإلهي ونحرص أن تكون لنا بركة تمجيد الرب وأن “نجد من أجل السلام ونسعى في أثره”.. “ها أنا أبشركم بفرح عظيم”.. ” لأن ثمر البر يزرع في السلام ” ( يع 3: 18 )
وذلك من خلال الحوار الهاديء المشمول بروح الاتضاع الحقيقي ونقاوة الهدف نحو مجد الرب ووحدة الكنيسة.. لنؤكد أننا بنعمة الرب نسعى للوصول إلى الهدف الإلهي الذي ينشده الرب يسوع المسيح في يوم ميلاده ” إن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ” ( 1تى 2 :4 ) فنشارك الملائكة في دعوة الفرح ونستمتع ببهجة الميلاد الإلهي في هذا العالم المضطرب.. فلنعد أنفسنا كصانعي سلام.. لنعيش لأجل الرب ونفرح معه في مجده الإلهي الحقيقي الأبدي.
وإلهنا رئيس السلام وواهب كل عطية يملأ حياتنا سلاماً وفرحاً حقيقياً بذكريات الميلاد المجيد وعمل الروح القادر أن يحفظنا غير عاثرين (يه1: 24).
لكي في هذا اليوم نؤهل لبركة الميلاد الإلهي.. وبركة قديسيه .. فيهبنا الرب مجده وسلامه وفرحه الحقيقي .