في صلوات الاجبية نردد كل يوم كلمات المزمور “الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج “( مز126: 5 ) والكلمات تعبر عن مفهوم كنسي عميق، أن الألم دائما مرتبط بالفرح في الحياة المسيحية.. فنحن لا نعرف موتا بلا قيامة و لا ألم بلا عزاء، ونحن لا نري إلهنا متألماً فقط بل قائماً أيضا .
لكن الوحي الإلهي يعلمنا إنه لا فرح حقيقي إلا و يحتاج إلى جهاد ودموع، فإن أردنا أن نفرح بحصاد الثمر فلابد أن نكون مستعدين أن نحمل بذارنا ونقبل أن ننثرها بتعب ودموع، فالباب ضيق والطريق كرب ولكنه مؤدي إلى الحياة.
كما يجب أن نلاحظ أيضا إن كل حزن ودموع قصدها الكتاب المقدس هي دموع تجلب الفرح الداخلي لأنها بحسب مشيئة لله تنشأ خلاصاً، أما الدموع التي تجلب الحزن الداخلي فتسميها كنيستنا “حزن رديء” وتصلي أن ينجينا الرب منها “نجنا من كل حزن رديء ووجع قلب “.
الكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة لشخصيات كتابية كثيرة اجتازت وادي الألم، لكنهم جميعهم حصدوا ثمارا مفرحة.. فها هو إبراهيم أبو الأباء بعد أن نال موعد الأرض والنسل؛ ليجد نفسه محتاجاً أن يزرع بالدموع في أرض جرداء وبلا نسل لمدة خمسة وعشرون عاما !! بل لقد شاء الله أن يدخله مدرسة الدموع، فأمره أن يقدم ابنه ذبيحة.. لم يكن الأمر سهلا فقد دخل إبراهيم إلى عمق الألم وعمق الايمان لذلك رجع بعمق الابتهاج.
وكم من الآلام احتملها يوسف وهو فتي صغير؛ آلام استمرت لسنوات طويلة من ظلم أخوته إلى ظلم فوطيفار، كان يزرع بالدموع لكي ما يحصد بالابتهاج “انتم اردتم بي شرا لكن الرب قصد به خيرا “( تك50: 20 )
وموسى وهو مدعو من الله ولم يكن إنسانا حليماً مثله، أراد له الرب أن يدخل مدرسة الدموع لكي يدخل شعبه إلى الأرض التي وعد بها؛ فقد اجتاز آلاماً كثيرة لكنه عاد بالفرح لأنه استطاع أن يكمل الرسالة التي عاش من أجلها.
وهكذا كان أرميا الباكي وأشعياء وإيليا وكل الأنبياء، والرب يسوع نفسه زرع بدموع كثيرة لكي ما يحصد كنيسة مجيدة بلا عيب ولا غضن .
حتى بولس الرسول كان عليه أن يدخل مدرسة الدموع والألم لكي ما يحمل رسالة الخلاص لكل الأمم, وكذلك كان كل آباؤنا الرسل، فقد اجتازوا جميعهم وادي الدموع لكي ما يحملوا الإيمان لكل المسكونة كما حفظت دماء اجدادنا الشهداء لنا بهجة الايمان.
وحتي يومنا هذا في سيامة الآباء الرهبان تكون أول القراءات من نبوة يشوع ابن سيراخ ” يا ابني ان تقدمت لخدمة ربك فاعدد نفسك لجميع التجارب “!!!
فلا تحزن اخي عندما تجتاز حياتك في وادي الدموع، بل كن واثقاً أن الرب يجتاز بك هذه الآلام ويدخلك مدرسة الألم لكي ما تؤهل للثمر المبهج، لذلك في طريق غربتك احرص على أن:
1. تجاهد قانونيا ..فلكي تفرح لابد أن تراجع حياتك لكي ما يكون هدفك دائما نقياً وواضحاً وهو خلاص نفسك، فلا تجعل روحياتك ونسكياتك وخدماتك كعادة، أو ممارسات بلا معني، بل ذكر نفسك دائما أنك تجاهد وربما تجتاز وادي الدموع بتعب من أجل أن تفرح بخلاص نفسك في النهاية.
2. لا تتعجل الثمر- وإن تأخر – بل انتظر عمل الرب بإيمان ولتكن الثمار في الموعد الذي يحدده الرب، فعلينا فقط أن نكون أمناء في جهادنا وأن نكون مخلصين في زرعنا، نسهر وننقي أرضنا ونتطلع إلى فوق وننتظر الرب الذي ينمي حياتنا و خدمتنا.
3. اخيرا لا تتوقف عن السير في الطريق إلى أن تصل أقدامك باب السماء، فالرحلة ستستغرق عمرك كله، فلا تتراخي بل إبقَ متشوقاً لنهاية الرحلة.
لذلك ذكر نفسك أنك طالما في هذا العالم ربما ستسير وأنت تبكي …لكن ليكن نوحك كله ابتهاج، لأنك لابد أن تلمس أقدامك يوماً باب السماء فتبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد .