تبهرني كثيرا ما تسمي بحالات (خبرات الموت القريب) أو (الـNear Death Experience NDE), وهي باختصار وببساطة تجربة نادرة وخارقة للطبيعة حدثت بالفعل لبعض ممن تعرضوا للحوادث التي كادت تودي بحياتهم في كل أنحاء العالم بمختلف الثقافات والجنسيات وشتي الأصول والديانات والمعتقدات بل والأكثر إثارة حتي لبعض الوجوديين والملحدين.
كل من تعرضوا لهذه التجربة المهيبة وصفوها وصفا دقيقا شبه متطابق مع اختلاف بعض التفاصيل البسيطة.
عند خروج الجسم الأثيري (الروح) من الجسد الفيزيائي والقدرة علي الرؤية بزاوية 360 درجة ليس فقط داخل نطاق مكان وفاتهم الوقتية وإنما خارج أسواره أيضا وسماع وإدراك كل ما يدور ويقال لدرجة أن وصف العائدين إلي الحياة بعد الموت المؤقت للأحداث والمشاهد والحوارات التي حدثت بعد وفاتهم في مكان الوفاة تسبب في ذهول الكثير من الأطباء وأعاد إيمانهم بوجود الله والحياة الأخري بعد أن كان بعضهم من أشد الملحدين.
تبدأ الروح في رحلة عبر نفق طويل مظلم في نهايته نور.. ذلك النور.. في نهاية النفق المظلم الطويل يا تري:
أهو نور أم نار؟
لا عجب في الحيرة فالنور والنار من البعد يتشابهان وربما يختلط الأمر في التمييز بينهما ولكن سرعان ما يتكشف اللغز ويفصح عن نفسه بنفسه والإجابة عن السؤال والتساؤل, مسألة وقت, تطارده أوقات, وتاريخ في ذاكرة الروح التي لا تنسي ذرة من ذكري, إذ أن الذكريات لا تكتب فوق شغاف الروح فحسب بل تحفر بجوفها بحروف من نور ونار.
بينما تنطلق الروح صوب ذلك النور الوهاج تتزاحم الذكريات وكأنها دائنون يقرعون أبواب المدين كي ما يوفي دينه أو ربما ديونه في حضرة الديان العادل
دائن يسحب مدينا أمام ديان, مشهد مهيب يحدث في ثوان ربما دقائق ربما ساعات بمعيار التوقيت الأرضي المبتسر الأعمي.
أما من مروا بتلك التجربة الخارقة للطبيعة فقد وصفوها باللانهاية وأنا أسميتها (الأبد حين يتجسد للحظات).
ظلم.. قسوة.. سقطات.. نميمة.. اغتياب.. ضرر وإضرار.. شهادة زور.. سرقة.. أي شيء وكل شيء غير مشروع ومخالف للوصايا الإلهية وحش كاسر يركض خلف ذلك الجسم الأثيري (الروح) يلاحقه ليلحقه ويستقر به.
وهنا يأتي الرعب والندم والرجفة.. ربما الرغبة في فرصة ثانية ولو ليوم واحد.. يوم واحد ليتوب ويستتاب ليوفي الديون وهو مازل في جسد الفناء قبلما توفيها روحه الخالدة في جحيم مستعير أبدي لا يهدأ ولا ينطفئ.
البعض يحكي عن رؤية أقارب منتقلين والبعض يحكي عن أنهار وجنان تعج بأشجار نورانية قطوفها دانية تتلألأ كالدر الثمين والبعض يحكي عن صرير وأنين وخوف ورعب.
إنه هناك.. في آخر النفق حيث النور.. أو النار.. حيث المستقر الأبدي حيث نهاية البداية وبداية اللانهاية.. بداية الراحة الأبدية أو بداية الشقاء الأبدي حيث تسديد الديون ما لك وما عليك, حيث نصبت المحكمة الإلهية الأزلية الأبدية العادلة الرحيمة, محكمة السماء المحكمة الوحيدة التي لا يوجد بها استئناف.
أيها الممر المظلم المؤدي إلي الأبد والأبدية أنا لا أراك هناك علي بوابة اختبارات الموت القريب.. أنا أراك تبدأ من لحظة وعيي بالحياة بخيرها وشرها بمسلمات النور ومسلمات الظلمات لأنه حتي الذين بلا ناموس قد صاروا ناموسا لأنفسهم بروح الله الساكن فيهم.. بل أنا علي يقين تام أن بدايتك الحقيقية هنا في الحياة الدنيا وليس علي الجانب الآخر من باب الحياة الأخري.
انتظر قليلا فأبهرك بمعرفتي بك وأصدمك أكثر أنت لست ممرا واحدا بل أنت ممرات بعدد خليقة الله منذ خلق آدم وحتي قيام الساعة إنها ممرات لا تعد ولا تحصي تنتهي كلها بباب واحد يؤدي إلي ممرين اثنين لا ثالث لهما أحدهما نهايته نور النار, والآخر نهايته نور الله.
فلنحرص ونحن في خطواتنا الثابتة نحو الحياة الأبدية (الحياة الحقيقية) أن نسلك الممر المؤدي إلي ممر النور الإلهي, فمهما طال بنا الوقت في دار الفناء فهو ذرة لا تري بالعين المجردة مقارنة بالزمن المنتظر والحتمي في دار البقاء
ارحموا.. اعدلوا.. استقيموا.. أوقفوا النميمة والاغتياب طهروا أرواحكم وقلوبكم وعقولكم وعيونكم وتلقائيا ستتطهر أجسادكم, فالحياة الأبدية حقيقة ومن يرفضها ما هو إلا عبد ضعيف للشيطان لا يقوي علي الانتصار علي عبوديته وشهواته وقيوده فيجنح إلي العبثية الوجودية وإنكار وجود الله ليخدر ضميره (روح الله بداخله) ولو قليلا.
الحياة الأبدية هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة شئت أم أبيت, كم الشر المحيط بنا في كل مكان وارتفاع وتيرته يؤكد حتمية وضرورة وجود الخير وطالما وجد المعني وضده وجد الثواب والعقاب.
النعام حين يدفن رأسه بالرمال ولا يري سوي الظلام لن يمنع باقي المخلوقات من حوله من الرؤية الكاملة للمشهد الحقيقي وتشمل رؤية الجبان مدفون الرأس.
ارجعوا إلي طبيعتكم الأولي.. إلي الخير والرحمة اغتسلوا وتطهروا قلبا قبل قالبا من كل فكر ونية وعمل ورزق مخالف لرضا الله ووصاياه, فجميعنا.. علي موعد مع تلك اللحظة المهيبة لحظة اكتشاف مصيرنا الأبدي ومعرفة نوع ذلك النور في نهاية ممرنا المظلم.