يجري تداول كلمتي “العيب” و”الحرام” للنهي عن فعل أشياء مشينة أو غير مقبولة دينيا أو أخلاقيا، والعيب تعبير عن النقص أو المذمة، فالشئ المعيب هو الناقص أو المشين. أم كلمة حرام فتعني إما الشئ الممنوع فعله (عكس حلال)، أو الشئ الذي لا يحق الاقتراب منه أو انتهاكه انطلاقا من وضعيته الاجتماعية أو القانونية أو الدينية.
وبالتالى فإن الكلمتين، العيب والحرام، يتم استخدامها للنهي عن أفعال معينة إما بالمعنى الاجتماعي في حالة العيب، أو بالمعنى الديني في حالة الحرام. ومن هذا المنطلق، فهي تعبيرات وظيفية، أي أن كلاهما يرتبط إرتباطا وثيقا بوظيفة اجتماعية نسميها الضبط الاجتماعي والتي تعني الأطر والمعايير الاجتماعية والأخلاقية التي يتم بموجبها ضبط تصرفات وسلوكيات الأفراد. وعملية الضبط الاجتماعي متعددة الأبعاد والمستويات، فهناك البعد القانوني الذي يتحدد بموجبه المشروع والممنوع، والبعد الاجتماعي الذي يتحدد بموجبه السلوك السليم أو المعيب وفقا للأعراف والتقاليد، والبعد الديني الذي يتحدد بموجبه الحلال والحرام. وقد تتداخل هذه المستويات في بعض الأحيان، كما أن درجة فعالية عمليات الضبط الاجتماعي من خلال العيب والحرام مسألة مفرطة النسبية، حيث تختلف من سياق إلى آخر، فما يُنظر إليه على أنه عيب في سياق اجتماعي وثقافي معين قد لا يكون كذلك في سياق آخر، وبالمثل فما يمكن اعتباره حراما وفق تأويل ديني معين قد لا يكون كذلك بموجب تأويل آخر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مفهومى “العيب” و “الحرام” لا ينطبقانعلى الرجال والنساء بنفس القدر، فمساحة العيب والحرام المطبقة على المرأة أكبر بكثير من تلك المطبقة على الرجال. فعلى المرأة، اجتماعيا وثقافيا، مراعاة مقدار أكبر من ضوابط العيب والحرام بداية من لبسها وحتى طريقة تصرفاتها في الحيزين الخاص والعام. والأكثر من ذلك أن النظرة إلى المرأة تجعل من العيب والحرام متأصلة في الجسد الأنثوي، فهي “حرمة” لأنها من ناحية مصدر فتنة وبالتالي مصدرا للعيب والحرام، ولأنها من ناحية أخرى “مملوكة” وبالتالي يحرم على الغير الاقتراب منها.
وبالتالى فإن جرعة الضبط الاجتماعي الموجهة للمرأة كانت دائما أكثر كثافة، فهي لا تعني فقط الزجر اللفظي، ولكن وصلت إلى البتر الجسدي. إن عادة ختان الإناث تعني الطهارة أي تخليص الجسد من عيبه ودنسه. وهي عادة يتداخل فيها الدين من خلال تأويلات معينة والمعتقدات الشعبية من خلال تصورات سائدة عن جسد المرأة. وتأخذ هذه الجريمة مشروعيتها من أنها تندرج ضمن عمليات الضبط الاجتماعي. فالتصورات السائدة، على الأقل في الأوساط التقليدية، عن جسد المرأة بوصفه محتوى جنسي قابل دوما للانفلات، يقتضي التدخل، بالختان، من أجل ترويضه وتهذيبه وضبطه.
وبالطبع يصعب التحكم في آليات الضبط الاجتماعي من خلال العيب والحرام لأنها في النهاية ذات وظيفة اجتماعية، ولكن الخطورة عندما تعلو هذه الآليات على قوة القانون وتتجاوزه في رسم حدود المشروع والممنوع، ففي هذه الحالة تتآكل قيم المواطنة، حيث يصبح الفرد عرضة لتدخلات اجتماعية غير منضبطة لأنها نسبية وبلا معايير محددة، كما أنها غير مأمونة العواقب، فكثير من الجرائم تُرتكب باسم العيب والحرام.
ومن ثم، فإن هناك الكثير من التعارض بين آليات الضبط الاجتماعي باسم العيب والحرام ومبدأ المواطنة وحكم القانون، والعلاقة بينهما عكسية، أي أن المجتمعات التى تحترم مبدأ المواطنة تنحسر فيها التدخلات في حياة الأفراد باسم العيب والحرام، والعكس صحيح. وربما نتفق بأن المجتمعات التي تنتقص من قيمة القانون والمواطنة لصالح آليات الضبط الاجتماعي والديني هي الأقل انضباطا من الناحية الاجتماعية والأخلاقية والقانونية. ولا غرابة إذن أن يكون لدينا ترسانة هائلة من تعاليم العيب والحرام، ولكننا في الوقت ذاته نتباكي على عدم احترام القانون، وليس غريبا أيضا أن ننتقد المجتمعات التي تحترم الحقوق والحريات بلغة العيب والحرام، ولكننا، في الوقت ذاته، نحلم بالعيش فيها لأنها مجتمعات تحترم القانون.