عندما نتحدث عن السخاء والكرم، فإننا لا نتحدث فقط عن قيمة فردية تتعلق بالشخص نفسه، بل نتحدث عن قيمة اجتماعية تؤثر في المجتمع بأكمله. إن الأمثال القديمة في الشرق تعكس هذه القيمة بشكل خاص، حيث يُعتبر السخاء والكرم جزءًا أساسيًا من الثقافة والتراث العربي.
لقد تم تسليط الضوء على أهمية ضيافة الغريب في الأمثال القديمة، حيث يعتبر استضافة الضيف من الأولويات العظيمة. كما أن مساعدة الفقير تعتبر واجبًا تجاه الله، ففي أمثال سليمان يقول: “مَنْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ”. ويُظهر سليمان في كتاباته الله بأنه الكريم السخي الذي يعطي الجميع بلا محاباة. كما تدرك الأمثال القديمة أن العائلة هي أساس المجتمع، وأن المرأة تلعب دورًا حاسمًا في توفير البركة المادية والروحية لزوجها وعائلتها. فالزوجة المناسبة هي مظهر آخر من مظاهر جود الله وكرمه.
إن طبيعة الإنسان الصالح الذي اختبر جود الله وإحساناته عبر الأيام والسنين، تلزمه لتبني دوره ومسؤوليته في تنمية روح العطاء والسخاء لاحتياجات المجتمع الذي يعيش فيه. وكما اختبر هذا الإنسان رأفة الله في تأمين احتياجاته منذ الأزل، لذلك يجب أن يعبِّر عن رأفته تجاه الآخرين وأن يظهر السخاء بأفعاله العملية النابعة من ضمير صالح ودوافع نقية.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نواجهها في بلادنا والمنطقة، وارتفاع الأسعار التي أصبحت عبئًا ثقيلاً على الكثير من الناس، يجب علينا أن نعكس طبيعة الله الكريمة التي تسكن داخلنا وأن نظهر السخاء العملي. إن تصرف الإنسان مع الفقير يعد مقياسًا لكيفية تعامله مع الله. لأن السخي والكريم يعكسان صورة الله الذي هو الرحمن والرحيم. علينا أن نتذكر بأن السخاء ليس مجرد عمل جيد، بل هو واجب علينا تجاه الآخرين وتجاه المجتمع بأكمله.
لذلك، دعونا نبقى متمسكين بقيمة السخاء والكرم ونسعى للعيش وفقًا لهذه القيم في حياتنا اليومية. فلنقدم يد المساعدة لمن هم في حاجة، ولنكن سببًا في إدخال الفرحة والسعادة في حياة الآخرين. فالسخاء والكرم ليسا فقط لمصلحتنا الشخصية، بل هما أيضًا وسيلة لبناء مجتمع أفضل وأكثر تعاونًا وتضامنًا.
فلنبقى ملتزمين بالقيم العليا ولنكن قدوة حسنة للآخرين، فقدرتنا على العطاء والسخاء تعزز معنى الحياة وتجعلنا أكثر سعادة ورضاً. لذا، دعونا نظل ملتزمين بالسخاء والكرم في أفعالنا وكلماتنا، ولنسعى لبناء مجتمع متراحم ومتعاون ينعم بالسلام والازدهار.
اسمحوا لي أن أختم هذا المقال بقصة حقيقية من كتاب “عبقرية السخاء” للكاتب الأمريكي تشيب إنجرام Chip Ingram، ويؤكد في بداية قصته على مبدأ رئيسي وأساسي ينطلق منه في كل الكتاب، بأن ممتلكاتنا هي مِلْك لله، والواجب علينا إننا نستخدمها لكي نبيّن محبته للعالم. الله يملك كل شيء. ونحن وكلاء فقط على الأرض. ثم يقول تشيب: “هذه الحكمة العميقة كانت تراودني باستمرار بعد أن أصبحت مسؤولًا عن حساب أحد رجال الأعمال الأثرياء. كنت أُدرك تمامًا أنني لست مالكًا لتلك الثروة الضخمة، بل أنا مجرد وكيل يتمتع بثقة رجل الأعمال في استخدامها بطريقة صحيحة ومفيدة. لا أستطيع وصف شعوري بالتحمُّس والتواضع عندما طلب مني رجل الأعمال إدارة أمواله وصرفها في سبيل مساعدة الناس المحتاجة. وهذا الاتفاق السري بيننا أعطاني فرصة للتعرف على رجل الأعمال بشكل أعمق وأصبحت علاقتنا أكثر من مجرد صداقة عادية.
تغيرت حياتي تمامًا بعد أن تحملت هذه المسؤولية. كنت أفكر في رجل الأعمال وأولوياته طوال الوقت، وكانت مهمتي الاهتمام بمصالحه وتمثيله بشكل ممتاز. أصبحت منتبهًا جدًا لكل قرش وطريقة صرفه. كنت أقدم له تقارير دورية وتقديم تقييم دقيق لكيفية استثمار أمواله في مشاريع خيرية مختلفة. لم يكن لدي الحق في الاستهتار بأموال رجل الأعمال، بل كنت أشعر بضرورة الحفاظ على ثقته في أنني سأعاملها بالطريقة الصحيحة والمسؤولة. ومع مرور الوقت، أصبحت علاقتنا أكثر من مجرد شراكة مالية، إنما أصبحنا أصدقاء مقربين جدًا. كان لنا عادة أن نحتفل سويًا بثمرات العطاء والتغيير الذي يحدث في حياة الناس. وكنا بحق في رحلة فريدة مليئة بالفرح والشبع، وبالفعل كنا نعكس كرم الله ومحبته للعالم من خلال استخدام ممتلكاتنا في سبيل الخير.
تلك القصة العظيمة تعكس قيمة العطاء والتفاني في خدمة الآخرين، وأن الثروة والممتلكات ليست مجرد وسيلة للترف والفخر، بل هي فرصة لنعبر عن حب الله وعنايته للعالم. ولذا، فلنستخدم ممتلكاتنا بحكمة وشفقة، ولنكن وكلاء صالحين على ما أعطانا الله، لنكون شركاءً في نشر الخير وإيجاد تغيير إيجابي في حياة الآخرين. الحقيقة الجليّة هي أن ممتلكاتنا ليست لنا فقط، بل هي ملك لله. نحن وكلاء على أمواله وموارده على الأرض. وبالتالي، يجب علينا أن نستخدم هذه الممتلكات بحكمة وعقلانية، لكي نعبِّر عن محبته وعطفه للآخرين. وفي نهاية المطاف، لا يهم الثروة المادية التي نمتلكها، بل يهم كيف نستخدمها في خدمة الآخرين وإظهار رحمة الله وكرمه في حياتنا. لذلك، فلنستمر في الاستثمار في العطاء والشفقة، ولنكن وكلاء صالحين على ممتلكات الله في هذه الأرض.