يوم 2 أبريل يوافق اليوم العالمي لكتاب الطفل, وفي شهر مايو من هذا العام يوافق مرور 110 أعوام علي وضع حجر أساس كلية البنات بالعباسية, ومن منطلق تلك الأحداث, نعرض للمحات من حياة إحدي أكبر الرائدات في مجال الطفولة وتعليم البنات, والتي كان لها الريادة في الكتابة عن الطفولة, وسعيها الدؤوب لتعليم الأطفال والبنات وتثقيف المرأة والاقتصاد المنزلي. لذا يأتي ذكرها في الكتاب القيم (نجمات وكواكب في سماء الاقتصاد المنزلي 1937-1980). وقد خصص قداسة البابا شنودة الثالث مقالا كبيرا عن هذه الرائدة, والذي منه عرفنا الكثير عن هذه الرائدة التربوية الكبيرة.
الرائدة إملي عبدالمسيح, التي تعد أول مصرية تعمل كمفتشة بوزارة المعارف, بعد أن كانت هذه الوظيفة حكرا علي الإنجليزيات فقط, وهي السيدة التي يأتي اسمها في مقدمة الكتاب المهم جدا الصادر عن وزارة المعارف, والذي يعد عملا رائدا في ذلك الحين, ففي سنة 1938م, وبتكليف من وزارة المعارف قامت إملي عبدالمسيح, ومحمد كامل النحاس, وبهيجة بيومي خليل, والدكتور أحمد شاهين, بوضع كتاب (تربية الطفل ومبادئ علم النفس), وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب المهم, عن أهمية التربية للمجتمع: إن التربية القويمة هي أعظم ما يحتاجه أي شعب في أي عصر حتي ينهض ويسمو إلي أعلي الدرجات, وذلك لأن التربية تتعهد النشء منذ أن يوجدوا في هذه الحياة, حتي يجتازوا مراحل نموهم أقوياء الجسم, أصحاء العقل, كاملي الخلق, فيكون مجموعهم شعبا قويا عظيما.
ولقد كان للسيدة إملي عبدالمسيح تاريخ حافل في هذا المجال, فقد كرست حياتها لخدمة المجتمع في ميدان التعليم والثقافة والاهتمام بالطفولة, وإسهاماتها في المجتمع إسهامات ذات قيمة عظيمة يجب أن نعرفها. فقد أسست إملي عبدالمسيح جمعية مصر للفتاة والتي كان الغرض منها تهذيب وتثقيف المعلمات, وكانت تكرس وقتها لخدمة هذا الهدف السامي فكتبت في المجلات والصحف في هذا المجال, وفي أول أبريل 1921م أصدرت مجلة (فتاة مصر الفتاة) والتي كانت تصف بأنها مجلة أدبية علمية اجتماعية شهرية. رئيسة تحريرها إملي عبدالمسيح, ويكفي نظرة للمقالات التي جاءت في تلك المجلة لتعرف مدي فكر وعظمة هذه السيدة, فكل مقالاتها هادفة وعميقة, فحقا كانت المجلة أدبية وعلمية واجتماعية, فها هي تكتب عن المظاهر الزائفة في مقال لها بعنوان إله الذهب, وفي سلسلة تحت باب مباحث علمية كتبت لنا إملي عبدالمسيح سلسلة مقالات عن عقل الطفل وحياته, عقلية الطفل العدد الثالث يونية 1921م.
وقد اشترك معها في تحرير مجلتها العديد من الأسماء والتربويين والأدباء, علي سبيل المثال, فريدة أحمد, وحنيفة حفني ناصف.
والحقيقة أن سجل أعمال تلك السيدة الفاضلة به الكثير والكثير من العمل الاجتماعي البارز, وبالأخص مجال الاقتصاد المنزلي والطفولة, كان لها إسهاماتها في جمعية السيدات القبطية لتربية الطفولة, بل كانت هي سكرتيرة الجمعية, والتي تقوم بالإشراف علي مدارس تلك الجمعية. وفي مجال الطفولة اشتركت مع العشماوي باشا في تأسيس رابطة الإصلاح الاجتماعي وأنشأت دارا للطفولة, فهي السيدة التي لها دراسات من الخارج عن الطفولة ورياض الأطفال, فقد سافرت في بعثة من قبل الحكومة المصرية لدراسة الاقتصاد المنزلي وكان ذلك في 1914م, لمدة سنتين, ونظرا لظروف الحرب بقيت لمدة 5 سنوات دراسة عن الطفولة ورياض الأطفال وعلم النفس والتربية.
وفي مجال التعليم يذكر لها أيضا أن وزارة المعارف أرسلتها إلي فلسطين سنة 1922م لتنظيم التعليم بمدارس البنات هناك, ولا ننسي كتابها التي أقرته وزارة المعارف عن الطفل ومبادئ علم النفس, أما في مجال الاقتصاد المنزلي, فقد شاركت الحكومة المصرية في عهد الملك فؤاد الأول, ولأول مرة في مؤتمر (التعليم المنزلي) الذي عقد بروما, حيث تم اختيار إملي عبدالمسيح وفاطمة فهمي لتمثلا مصر في هذا المؤتمر.
وقد تمتعت إملي عبدالمسيح بمكانة سامية لدي الجميع, وقد مدحها قداسة البابا كيرلس السادس الذي كان علي علاقة بأسرتها, كما مدحها وكتب عنها باستفاضة قداسة البابا شنودة الثالث.
ونختم مقالنا هذا بما قاله قداسة البابا شنوده عنها: شخصية عجيبة جمعت بين القداسة والعلم, والغيرة المتأججة علي مجد الله في كنيسته الأرثوذكسية, وإنكار الذات, جمعت بين المكانة الاجتماعية المرموقة وبين الخدمة الكنسية الباذلة المضحية المثمرة.