لا أحد ينكر أن العيش صار عسيرا بدون حماية للفئات محدودة الدخل, في ظل الإرهاق الاقتصادي الذي تمر به البلاد, ولا أحد ينكر أن برامج الحماية التي تضعها الدولة تساعد في إنقاذ هذه الفئات من براثن الفقر, لكن إذا أمرت أن فساعدنا لبلوغ المستطاع.
فالإرهاق الاقتصادي لم يطل فقط قطاعات الحكومة ولكنه طال الجميع سيما القطاع الخاص, الذي لم يعد قادرا علي الوفاء بمتطلبات أبنائه, وإذا اتخذنا شريحة الصحف الخاصة فيما يتعلق بتطبيق الحد الأدني للأجور نجد أن إداة الحماية قد تتحول إلي أداة تشريد, ما لم تسمح الدولة بتيسيرات وتسهيلات وتمنح المؤسسات متنفسا يمكن معه تطبيق الحماية المنشودة لأفرادها.
فحينما يصبح رفع الحد الأدني لإجور الصحفيين مأزقا أمام المؤسسات قد يتحول إلي أداة للتنكيل بالصحفيين, وهنا لابد من تدخل الجهات المعنية, إذ لا تكفي المطالبة برفع الأجر وتطبيقه, لكن يجب خلق تسهيلات للمؤسسات الصحفية المتعثرة ماليا, مثل تخفيف الضرائب, وتقسيط التأمينات الاجتماعية, وغيرها من سبل التيسير المعروفة والتي تم تطبيقها خلال جائحة كورونا, ذلك لأن تطبيق الحد الأدني, بواقع ستة آلاف جنيه, كما أوصي مجلس الأجور, قد يفلح مع المؤسسات القومية لكن مع المؤسسات الخاصة والحزبية خاصة الفقير منها, لن تتمكن من الوفاء بالتزماتها, مع تراجع أرقام التوزيع, وتراجع الإعلانات في سوق صارت التكنولوجيا هي المهيمن الأول وسبقت الورق المطبوع, الذي صارت تكلفته ضخمة جدا, وترتفع يوما بعد يوم, ما يمثل عبئا ثقيلا علي كاهل أي مؤسسة صحفية خاصة.
وهكذا ما لم تتوفر تيسيرات مناسبة, سيكون الحل لتلك المؤسسات هو الاتجاه للإغلاق, أو الاستغناء عن إعداد كبيرة من الصحفيين, أو رفع الحد الأدني بشكل صوري, مع الاحتفاظ بكامل العدد. والنتيجة غياب للعدالة الاجتماعية, فأبناء الصحف القومية سيحصلون علي الحد الأدني مع هيكلة رواتبهم وفقا للدرجة الوظيفية والأقدمية, بينما يظل أبناء المؤسسات الخاصة والحزبية عالقين بين الفقر والتشريد. وستظل الفجوة عميقة بين أبناء المؤسسات القومية وغيرهم من الصحفيين.
علي المسئولين أن يفعلوا شيئا, وإلا سيدخل عدد كبير من الصحفيين في دوامة الفصل أو إغلاق الصحف, ويصير المال هو العامل الوحيد للبقاء, وغيابه الدافع الوحيد لغياب منابر صحفية عريقة, طالما أحدثت توازنا في المجتمع.
لذلك علي نقابة الصحفيين أن تضع مقترحا يضم كافة وجهات النظر, وتبني جسور للتواصل بين المؤسسات وصناع القرار, خاصة بعدما طالب الزميل خالد البلشي, نقيب الصحفيين جميع المؤسسات الصحفية القومية, والخاصة, والحزبية بالعمل علي تطبيق القرار علي جميع الزملاء في موعده مع راتب شهر مايو, مؤكدا أنه سيخاطب جميع المؤسسات لتفعيل القرار مع مراعاة الدرجات المالية المختلفة, علما بأن جميع الزملاء الصحفيين في المؤسسات الصحفية يخضعون لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003م, أيضا بعدما أعلنت النقابة أنها بصدد رفع قيمة العقد النقابي إلي 6 آلاف جنيه بما يتناسب مع الحد الأدني المعلن من المجلس القومي للأجور.
صحيح أن النقابة طالبت برفع قيمة بدل التكنولوجيا إلي نفس قيمة الحد الأدني للأجور, لأن تكاليف استخدام التكنولوجيا ارتفعت عدة مرات ولا يمكن الاعتماد علي البدل كسبيل حماية من موجات الغلاء المتتالية.
يفصلنا أقل من شهر علي الموعد الذي حددته النقابة للبدء في تطبيق الحد الأدني للأجور, ولاتزال الأمور مائعة, تنبئ بأن رفع الحد الأدني قد يطيح بحد الكفاف لدي البعض بدلا من حمايتهم.