من أفضل من يكتب عن المرأة سوي المرأة, من أفضل من يكتب عن زيف المجتمع تجاه التاء المربوطة سوي بنت حواء.. وهكذا أثبتت الكاتبة صغيرة السن كبيرة الموهبة مهرائيل نخلة أن حواء هي الأقدر علي التعبير عن مشاكلها وذلك في مسرحيتها الجديدة (بالأبيض).
(بالأبيض) مسرحية اتسمت بالجرأة علي صعيد العرض والفكرة..
فأربع فتيات في أعمار مختلفة يحلمن بفستان الفرح الأبيض.. الحلم المشروع لكل فتاة حملت في جسدها ملامح الأنوثة, ولكن وفي براعة شديدة تسحبنا الكاتبة لمعرفة ما وراء هذا الحلم الذي يبدو للمتفرج انه بسيط ولكن وراءه كارثة نفسية دفعت كل فتاة لكي تبحث عن الهروب من جحيم الواقع إلي جنة فستان الفرح.
فبين التي تهرب إلي الزواج طمعا في الخلفة حيث يهددها الزمن بفقدان الرحم, وبين الهاربة من الفقر إلي أحضان الثراء, الهاربة من فقر المشاعر إلي المتعة الجسدية, وبين التي تهرب من بيت أبيها حيث الاغتصاب إلي الأمل في العريس الفارس الذي يحميها من غدر الأب.
أربع قصص مختلفة تبدو أسبابها متكررة للمتفرج ولكن الكاتبة تصدمه بأن المجرم الحقيقي هو المتفرج نفسه كعضو في المجتمع الذي يضغط علي المرأة ليتحول المشاهد من متفرج إلي متهم حقيقي يقبع خلف قضبان السجن في آخر المسرحية.
أربع قصص تصدي لهم مخرج واع اسمه مايكل نصحي قرر أن يتعامل مع العرض بالرمزيات, فالموضوع شائك ومواجهة المشاهد إنه أحد الأخطاء لهو أمر مثل حد السيف, فقرر أن يبدأ من المنتصف من النقطة البيضاء ليعود مع كل فتاة إلي بداية المشكلة حيث كانت طفلة, تلاعب بالاضاءة بين الأبيض في بداية المسرحية إلي الظلام الخانق في النهاية مع استخدام اللونين الأزرق والأحمر مصحوبة بتنويعات الموسيقي المختلفة, ربط أجساد العرائس بشريط ملفوف علي الرقبة أو حبال فأعطي المشاهد إحساس الألم الخانق الذي يشعرن به..
مخرج استطاع أن يقدم مواهب جبارة في ثلاثة عروض بثلاث مجموعات مختلفة من الممثلين لكل عرض, وهو أمر يحسب له, خصوصا مع ظهور إبداعات من الممثلين مثل مريم عادل التي قدمت أداء رائعا في تمثيل مشاعر الأمومة.
وإن جاء الديكور محدودا في إظهار البعد المكاني للقصص بسبب مساحة خشبة المسرح, ولكن جاء إبداع المخرج في التركيز علي التفاصيل الصغيرة لكي يصنع منها أشياء عظيمة مثل سلسلة الأبواب التي رمزت لباب الفرصة وباب القبر, تنوع سن الممثلين والتلاعب بالاكسسوارات المتنوعة, لكي يقدم مسرحية تشعر أنها صالحة لكل مكان وزمان, وهو ما أشاد بها كبار الممثلين الذين حضروا العرض مثل القدير عاصم سامي والممثل ماجد عبدالعظيم وعضو مجلس الشعب الأستاذ ماجد طوبيا والأديبة اللبنانية صافيناز..
المسرحية لعبت علي المفارقة بين لون الفستان الأبيض ولون الكفن الأبيض لكي تلعب علي سؤال عميق في نفس كل حواء.. لماذا يتحول باب الفرصة وفرحة الفستان إلي بوابة النهاية بالكفن الأبيض؟!
بالأبيض مسرحية حملت العديد من الدلالات أهمها أن المسرح ابن التجديد والإنصات إلي روح العصر, ولذلك حققت المسرحية نجاحات متتالية وشهدت ميلاد كاتبة أتوقع لها مستقبلا كبيرا, ونقطة مضيئة في تاريخ مخرج واعد حقق نجاحات كبيرة خلال السنوات السابقة..
قام بالتمثيل في مسرحية بالأبيض (العرض الثالث) كل من:
كريستين مجدي (الفستان)
مريم عادل (عروسة الأمومة)
مريم وجدي (عروسة الفقر)
ماريهام صبحي (عروسة الشهوة)
ميرا هاني (عروسة الأب المتحرش)
عصام عاطف (الأب المتحرش)
رحمة وليد (عروسة الشهوة وهي طفلة)
بالإضافة إلي 25 ممثلا وممثلة في أدوار مختلفة.
Facebook: Samuel Nabil Adib