تناولنا في المقالات الثلاثة السابقة بداية التاريخ الرقمي، والحالة التي عليها عقولنا في ظل العالم الرقمي، ونتيجة ذلك أصبحنا نعيش في أجواء من تشتيت الانتباه مما آثر بالسلب على قدراتنا الانتاجية، وصحتنا، والعلاقات بيننا. وعرضنا بعض من المهارات الحياتيَّة التي فقدناها بسبب التشتت الرقمي، وهي: القراءة، والاختلاء بالذات، قوة الذاكرة، والنوم. وفي هذا المقال سوف نستكمل باقي التأثيرات السلبية لفوضى العالم الرقمي على حياتنا.
5. متعة التنقل:
اعتدنا فيما مضى استغلال وقت التنقل في التفكير والتأمل وإنتاج الأفكار الجديدة أو في منح عقولنا وقت للاسترخاء والاستمتاع أو في الاستكشاف ومعرفة الجديد، ولكن بكل آسف اليوم نستغل هذا الوقت في القيام بالعمليات الرقمية والحصول على المزيد من المعلومات الزائدة على الحاجة.
عندما نبدأ في التفكير في شيء ما، ونسمع نغمة وصول رسالة نصية أو رسالة بريد إلكتروني، نهمل أفكارنا التي أوشكت على الاكتمال. هناك في مكان ما من عقولنا مساحة من الأفكار الضائعة، وأنصاف الجمل التي اقتربت كثيراً من الاكتمال.
وأصبح الاكتشاف الآن يقتصر على موقع جوجل، ويعتمد على المعلومات المتراكمة بدلاً من القراءة والبحث والتدقيق والتحليل.
6. الإبداع:
إننا بحاجة إلى الإبداع من أجل الحصول على أفكار عظيمة، ومن أجل تغيير طبيعة الحياة من حولنا، ومن أجل أن نحلم، وكذلك من أجل الإبداع الفني بجميع صوره. ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ في الإبداع ثم تذهب لتفقد بريدك الإلكتروني أو لتصفح الإنترنت أو الرد على مكالمة هاتفية؟
يقول خبير الإنتاجية “ليوباباوتا”: “إن التشتت يؤذي الإبداع”. ويقارن بين الإبداع، والتواصل والاستهلاك، ويوضح أنه لا يمكن تحقيقهما معاً في الوقت ذاته. ويقترح تقسيم وقت اليوم إلى وقت للإبداع، ووقت للتواصل والاستهلاك، ولكن لا تفعل الأمرين في الوقت نفسه.
ويوصي “ليو” بعدم الإبداع في نفس وقت الاستهلاك أو التواصل؛ لأن ذلك سوف يقضي علي عملية الإبداع.
هل شعرت من قبل بالغضب بسبب التشتت الرقمي عند محاولتك الإبداع؟
وكم من محاولات الإبداع التي لم تكتمل بسبب التشتت الرقمي؟
يجب أن نحترس من مغريات المشتتات.
7. الإصغاء:
العديد من الأشخاص في الوقت الحالي خاصة المراهقين لا يتوقعون الحصول على الانتباه بنسبة ١٠٠٪ حيث يتوقعون أن أصدقائهم يبعثون برسائل فورية في نفس الوقت الذي يراسلونهم فيه، وينهون بعد واجباتهم الدراسية، ويتصفحون على الفيس بوك.
الانتباه الكامل إلى الشخص الذي يتحدث؛ أسلوب إصغاء تم إهماله في الزمن الحاضر.
8. التعلُّم:
يدعى الكثير من المعلمين والمحاضرين أن الطلبة اليوم أصبحوا مشتتين في الفصول وقاعات المحاضرة.
يعمل العقل بجد كبير عندما تتعلم، وإذا كنت من المشتتين رقمياً، فإنك تجعل من عملية التعلُّم أمراً أكثر صعوبة.
تقول خبيرة التعليم “سوزان جرينفيلد”: “إننا نحتاج إلى فهم ما يحدث داخل العقل، ومن خلال ذلك يمكننا أن نضع خطط التعليم، وكذلك الحاجات والخدمات التي سنريدها ونحتاج إليها خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين”.
يقول بعض الخبراء ينبغي تعليم مهارات الانتباه في المدارس عندما تكون شبكات عقول الأطفال لا تزال في مرحلة دقيقة من التطور.
نحتاج أن نفكر في طريقة تعلمنا، وفيم نحتاج أن نتعلمه.
9. العلاقات:
هل لاحظت أن الجميع توقف عن التواصل الحي أو التواصل الهاتفي، وأصبحوا يتواصلون اليوم عن طريق المحادثات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هناك مسافة تتسع في العلاقات لم تكن موجودة من قبل. والكل يتعذر بعدم وجود الوقت الكافي. وفي أحدث الدراسات كانت النتيجة أن ٥٠٪ من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يفضلون التواصل الرقمي على التواصل الشخصي. وأصبحت رسائلنا جافة وسطحية بعيدة تماماً عن العاطفة أو المشاعر النابعة من القلب. لقد تغيرت العلاقات بشكل كبير في العصر الرقمي.
سنتناول في المقال القادم موضوع “تلوث العقل”.