يقول العالم إيزاك أسيمون في وصفه لما سوف تكون عليه حياة الإنسان في عالم نضب فيه الوقود تماما وجفت آبار البترول عن آخرها وفي زمن يعاني من انفجار سكاني رهيب.
يقول أسيمون: نحن الآن في عام 1997 والمطر ينهمر غزيرا وعلي كل إنسان أن يسير إلي مقر عمله, ففي كل يوم يتوقف قطار لنفاد آخر كمية من الوقود وضعت فيه أما سيارات النقل الكبيرة فقد انتهي عصرها أيضا وفي يوم مطير مثل هذا تنزلق الدراجات بأصحابها علي الطرق والممرات.
ومن حسن حظك أنك تعمل بين مجموعة أخري من الناس في إزالة المباني القديمة في المدينة القديمة التي يعيش فيها بعد أن تصديت لجميع ما بها من أشياءلإعادة استخدامها في عالم أصبح يفتقر إلي الخامات أما الفحم فمن الصعب حفره ونقله للحصول علي الطاقة والتدفئة اللازمة في البيوت والانشطار النووي يعد أيضا من الأمور الخطيرة كما أن الأمل المعقود علي الاندماج النووي أصبح بدوره حلما بعيد المنال والبطاريات الشمسية باهظة التكاليف لحفظها في كميات كبيرة.
وعلي كل فإن الكبار الطاعنين في السن هم وحدهم الذين يذكرون أيام كانوا يركبون السيارات والقطارات والطائرات, ففي بادئ الأمر ارتفع ثمن الجازولين إلي أرقام خيالية لم تعد في مقدور الناس, وأخيرا لم يستطع قيادة تلك السيارات غير الأغنياء الفاحشي الثراء فقط, لذلك فكل سيارة تظهر علي الطريق كان الرعاع يقلبونها ويشعلون فيها النار, وعلي هذا اختفت السيارات نهائيا وأصبحت مصدرا للحصول علي المعادن.
ومع كل هذا فقد تغير الحال فعلا وأصبح الهواء نقيا, كما أن نسبة الجراثيم قد انخفضت بشكل يثير الدهشة, فرجال البوليس منتشرون في الشوارع يحافظون علي النظام لأن الشوارع مزدحمة بالناس الذين يسيرون في كل اتجاه بلا خوف من سيارة تدهمهم أو عربة نقل تطيح بهم.
وإذا كان الجو غير بارد جلس الناس بحرية في العراء. وإذ كان حارا ذهبوا إلي الحدائق والبساتين فهي الأمكنة الوحيدة التي يتكيف فيها الهواء ويهب رطبا, وفي داخل البيوت فإن قليلا من الناس يتركون الأنوار إلي وقت متأخر من الليل, والكثيرون يطفئونها مباشرة بعد تناول طعام العشاء!
وفي الشتاء توزع كميات الكيروسين بالبطاقات ويرتدي الناس الملابس الثقيلة وهم في داخل بيوتهم, وتسوء الحالة بالنسبة لسكان الضواحي الذين كانوا يعتمدون اعتمادا كليا علي السيارات ووسائل النقل العام الأخري لذلك سوف تتكون الجمعيات التي تكلف أعضاءها جلب الطعام وتوزيعه علي العائلات بالدراجات أو بعربات الكارو, أما إذا سوت الطرقات بسبب هطول الأمطار أو الثلوج فسوف تزداد الحالة سوءا.
أما الطاقة الباقية بعد هذا كله فيجب تخزينها للزراعة. فالشركات التي كانت تنتج السيارات الفارهة والصغيرة قد توقفت تماما عن إنتاجها وبدلا منها بدأت تنتج سيارات خاصة لاستصلاح الأراضي وآلات للحرث علي أن يوزع الوقود المتبقي بالبطاقات لاستخدامه في الزراعة وليس في التنقلات علي الطرق بأي حال من الأحوال.
وسوف ينخفض تعداد الدول بسبب نقص الطاقة والطعام, وستعمل الدول الكبري أيضا علي تصدير الطعام إلي دول العالم الأخري من أجل الحصول علي المعادن والخامات القليلة التي لا تزال في جوف الأرض.
إن معظم دول العالم سوف تعاني من الجوع الشديد وذلك لأن معظم البلدان الفقيرة سوف تكون مزدحمة بالسكان, وينتظر أن يرتفع عدد سكان العالم في مدي عشرين سنة إلي 5.5 مليار نسمة بدلا من الرقم الحالي 4 مليار نسمة! وفي القارات الفقيرة سوف تكون نسبة الذين يحصلون علي طعامهم اليومي 1:5 وعلاوة علي ذلك سوف ترتفع نسبة الوفيات بين الأطفال بشكل رهيب وسوف يستطيع بعض الأفراد المحافظة علي حياتهم بالرغم من انتشار المجاعات ولكن عقولهم لن تكون سليمة لأن العقل السليم في الجسم السليم! ونتيجة لذلك يقدر العلماء أن مليارين من سكان الأرض سوف يصابون باضطرابات شديدة في عقولهم وتخريب شامل في أمخاخهم. وقد اقترح بعض العلماء في تقاريرهم المسهبة التي كتبوها عن الحياة بدون وقود أن علي الحكومات أن تبيد هؤلاء الذين سوف تختل عقولهم بهدوء شديد وإراحة الأرض من المجانين! وسوف لا تكتب الصحف سطرا واحدا عن سكان هذا العالم الذن أصيبوا بالجنون بسبب نقص الطعام ولكن المسافرين والسائحين سوف يعودون إلي بلادهم ليقصوا علي الناس قصصا مثيرة لهؤلاء المساكين!
وسوف تختفي تبعا لذلك الجيوش في الدول الصغيرة وتبقي قوتان فقط تسيطران علي العالم المنكوب هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية لأن في قدرتهما الاحتفاظ بعدد محدود من الطائرات والدبابات والسفن ومع ذلك يخافان من تشغيلها نظرا لنقص الوقود.
إن الماكينات والآلات سوف تحل محلها الأيادي البشرية مرة أخري وكذلك الدواب وسوف يعمل الناس ساعات طويلة في الحقول والمكاتب وفي كل مكان, وفي الدول الكبري سوف لا يزيد الإرسال التليفزيوني علي ثلاث ساعات كل ليلة أما في الدول الصغري فلن يكون هناك وجود للتليفزيون علي الإطلاق!
وقد يتساءل إنسان: ماذا سيفعل الناس في أوقات فراغهم؟ لا شيء غير العمل والنوم وتناول الطعام.. ولكن الشيئين الأولين مضمونان أما الشيء الثالث فقد يكون بعيد المنال في عام ..1997 ثم يبرز سؤال آخر: متي ينتهي هذا الكابوس!
يرد أنسيمون بقوله: لابد من العودة للأيام التي سبقت حلول القرن التاسع عشر.. أي قبل العثور علي آبار البترول وظهور الماكينات والصناعة والتكنولوجيا لابد أن تنتهي بالعودة إلي الزراعة البدائية وانخفاض عدد سكان العالم بسبب المجاعات والأمراض والإرهاب, وبشرط أن يصبح عدد السكان أقل من مليار نسمة فقط.