معناها أن الرب صار مسرورا بالإنسان, فبعد أن سقط الإنسان وفقد كرامته الأولي وانفصل عن الله والحياة والسعادة, لم يكن ممكنا أن يهمله الله أو يتركه للموت والفناء بل بالحري تجسد ليفديه ويخلصه من آثامه من حكم الموت ومن فساد الطبيعة ويجعله ابنا لله وشريكا في المجد العتيد.. هنا صار الله مسرورا بالإنسان, الإنسان المفتدي, الإنسان المقتني, الإنسان الراجع إلي أصله, حيث الله والمجد والقداسة والخلود.
متي يسر الله بنا؟
لا شك أن الله حينما خلق الإنسان كان يهدف أن يكون ابنا محبوبا لديه, يسعد بحبه, وينتهي إلي حياة أبدية خالدة معه, وهذا لا يتأتي إلا من خلال مراحل تكاد تكون محددة وواضحة المعالم أهمها ما يلي:
1- التوبة: هي باب السماء والطريق الوحيد إلي الله, وهي ببساطة عودة القلب المشتعل بالهموم والخطايا والبعد إلي حضن الآب السماوي, التوبة هي صحوة, فكلمة تاب= ثاب أي عاد إلي رشده وصحا من نومه, والإنسان حينما يتوب يكون ذلك نتيجة مقارنة هادئة بين الحياة خارج نعمة الله وحبه, والحياة داخل دائرة الله وبيته, ومن هنا يختار الإنسان ببساطة أن يعود إلي حضن المسيح ليشبع بالحب وليأمن من خطر العدو عدو الخير وليتقدس كيانيا بعمل روح الله, يعود ابنا يلبس خاتم النبوة ويرتدي ثوب البر ويشبع بالجسد والدم الأقدسين ويتمتع بجماعة القديسين.
التوبة لا تعني عدم الخطية بقدر ما تعني كرهها والانتصار عليها بنعمة الله وأمانة الجهاد الروحي, فوصية معلمنا يوحنا واضحة: يا أولادي, أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا هذا هو جهادنا اليومي وقصدنا الدائم, وأن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب, يسوع المسيح البار, وهو كفارة لخطايانا, ليس لخطايانا فقط, بل لخطايا كل العالم أيضا 1يو2,2:1, إذن.. فجهادنا الرئيسي ألا نخطئ, لكن إذا حدث خطأ فباب التوبة مفتوح, والمؤمن يكره الخطأ لأنه يحس بمجرد سقوطه بما فقده من سعادة تفوق لذة الخطية وعسلها المسموم.
2- الشركة مع الله: التوبة لا يمكن أن تكون وحدها بل يجب أن يكون هناك شركة مع الله من خلال الصلاة.. بالأجبية التي يتحد فيها بأحداث حياة الرب يوميا من القيامة إلي حلول الروح القدس إلي الصلب إلي الموت إلي إنزال الجسد المقدس ثم دفنه ثم انتظار المجيء الثاني.. يشبع فيها المؤمن بصلوات هي عصارة قلوب كثيرة مثل داود وغيره ممن كتبوا المزامير خلجات حب وأنين قلب, الصلوات السهمية: كصلاة ياربي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ أو اللهم التفت إلي معونتي..
والشركة مع الله تعني أن أسمع صوت الحبيب من خلال كلمات النعمة التي صدرت من فمه الكتاب المقدس الذي فيه أسمع صوته وأتعرف علي مواعيده وأحس بتعاملاته اليومية مع رجال الله..
ولكن قمة الشركة مع الله تتم من خلال الإفخارستيا, حيث يتحد الإنسان بالرب ويثبت فيه من خلال التناول من جسده ودمه الأقدسين.
3- العضوية الكنسية: لا يمكن أن يتحد عضو بالرأس ولا يتحد بباقي الأعضاء ليتكامل الجسد ويقوم بوظائفه الكنسية والعامة, بمعني أن لكل عضو وظيفته الخاصة, ولكن الجسد كله له وظيفة عامة هي الشهادة للرب في العالم لإضافة المزيد من الأعضاء والمزيد من وارثي الملكوت, لهذا فالكنيسة تحتضن العالم في حب, وتشهد له في أمانة وتحس بمسئولياتها نحو الإنسان والإنسانية بصفة عامة, ومن هنا يرتبط المؤمن بكافة الأعضاء في الجسد المقدس سواء الأعضاء السماوية كالقديسين الذين نقرأ سيرهم وندرس أقوالهم أو الأعضاء المجاهدة علي الأرض فنخدم بعضنا بعضا.
4- القداسة: ونعني بها تكريس وتخصيص القلب لله, فكلمة قدش بالعبرية أو أجيوس باليونانية معناها المفروز لله أو المخصص لله, وكان الكاهن يضع علي عمامته علامة مذهبة مكتوبا عليها قدس للرب, بمعني أن هذا الإنسان أصبح مخصصا لله ولخدمته, لهذا فالمؤمن هو الإنسان الذي يخصص قلبه للرب حبا وقداسة وجهادا والقداسة التي بدونها لن يري أحد الرب عب12:14, بل نظير القدوس الذي دعاكم, كونوا أنتم أيضا قديسين في كل سيرة, لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس 1بط1,16:15, لأن هذه هي إرادة الله: قداستكم1تس4:3.
5- أمجاد الملكوت: لا شك أن من عاش في كل ما سبق من توبة وشركة مع الله والقديسين والقداسة لا شك أنه سيصل إلي أمجاد الملكوت المتعددة مثل:-
أ- تغيير الجسد: إذ يطرح الجسد الترابي ويلبس الجسد النوراني جسدا روحيا نورانيا سمائيا كجسد الرب في القيامة الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده في3:21 لا مرض لا خطية لا موت.
ب- الجلوس في عرش الله: من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي, كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه رؤ3:21, تصور معي.. مكانتنا في السماء ومركزنا في أورشليم السمائية.
ج- الحياة الأبدية: لأننا سنستمد الحياة من الرب الحي إلي الأبد الذي وعدنا قائلا: إني أنا حي فأنتم ستحيون يو14:19, ويعد هذا هو طريق وبالناس المسرة, إن فرحة الرب تكمن في أن يرانا متمتعين بخلاصه سعداء بحبه منتظرين أبديته.