– مصر تنفي مزاعم فريق الدفاع الإسرائيلي بانها منعت دخول المساعدات
– إسرائيل تتهم جنوب افريقيا بأنها بوق وذراع “حماس”
– قانونيون: حماس ليست دولة والمحكمة لا تستطيع الزامها بوقف اطلاق النار
– جنوب افريقيا: اسرائيل قتلت عشرات الالاف من المدنيين ومنعت المساعدات الانسانية وتسببت في الموت جوعا ومرضا
– دفاع اسرائيل: ندافع عن انفسنا.. وحماس حولت مسار مليارات الدولارات من المساعدات لصالحها وجعلت القطاع معقلا إرهابيا
جريمة الإبادة الجماعية.. هي التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم… بناء على هذا المصطلح صيغت اتفاقية منع الابادة الجماعية، في العام 1948، وصدرت في أعقاب القتل الجماعي لليهود في المحرقة النازية، والتزمت بها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي إذا ثبت إخلال إحدى الدول ببنود الإتفاقية يحق لأي دولة عضو مقاضاتاها، امام الجهاز القضائي لمنظمة الأمم المتحدة وهو محكمة العدل الدولية، وهذا ما فعلته دولة جنوب افريقيا خلال الأسبوع الماضي حينما وثقت في ملف قانوني، كافة الانتهاكات المُرتكبة ضد اهل غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عبر مائة يوم من الحرب التي اعقبت هجمات كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، على اجانب وعسكريين ومدنيين إسرائيليين في السابع من اكتوبر الماضي، مُقررة المضي قدما ً في “دك” كل ما تطاله اسلحتها في قطاع غزة من مشافي ودور عبادة، اطفال ونساء وشيوخ، على مرىء ومسمع من العالم إجمع، وبلا امتثال لقرارات الأمم المتحدة بوقف اطلاق النار، مع شلل تام لمجلس الأمن، بسبب إساءة استخدام حق النقض من جانب دولة دائمة العضوية، حتى اصبح الملاذ الوحيد لانقاذ مئات الآلاف من العالقين في الخلاء والمخيمات هربا من النار، هو أمر من محكمة العدل الدولية.
لذلك قدمت دولة جنوب أفريقيا دعوى في محكمة العدل الدولية تتهم فيها اسرائيل بالإبادة الجماعية لأهل غزة، وتطلب تعليق اسرائيل للعمليات العسكرية، مع المطالبة بتسعة اجراءات عاجلة، طرحتها امام المحكمة، الأمر الذي اثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية، والحقوقية، ووضع الغرب وامريكا في موقف مُحرج، خاصة بعد تنامي الغضب الشعبوي في اوروبا ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه المدنيين في فلسطين، مع ثبات الموقف الحكومي الداعم لإسرائيل، الأمر الذي استشعرت معه اسرائيل بالخطر واشتعلت حفيظتها، فوزعت الاتهامات على اطراف اخرى خلال دفاعها امام المحكمة، حتى طالت الاتهامات مصر في محاولة لتوريطها بانها الطرف المسوؤول عن منع المساعدات، واتهامات لجنوب افريقيا بدعم حماس! وهكذا صارت تداعيات القضية المنظورة امام محكمة العدل الدولية تصب الزيت على النار في المنطقة من جديد.
تفاصيل الدعوى
وفقا للدعوى، فإن أفعال إسرائيل “تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المُحدد كل ما هو مطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة، كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية.، كما تشير الدعوى إلى أن سلوك إسرائيل “من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها” .وبناء على ذلك التوصيف المطابق للقانون الدولي، طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح، ثم عقدت محكمة العدل الدولية جلستي استماع قدمت خلالهما جنوب أفريقيا مرافعتها الشفهية.
وخلال المرافعة شددت المحامية عادلة حسين من فريق جنوب أفريقيا على ان اسرائيل لم ترتكب جرائم الابادة الجماعية وحسب، وانما منعت وصول المساعدات الإنسانية الكافية إلى المحتاجين وتسببت في خطر الموت جوعا، والمرض بسبب استحالة تقديم المساعدة أثناء سقوط القنابل، مضيفة أن عدداً كبيراً من الناس لقي حتفهم، لدرجة أنه غالبا ما يتم دفنهم في مقابر جماعية بدون التعرف على هوياتهم. وأشارت عادلة إلى أن 60 ألف فلسطيني آخر أصيبوا وتشوهوا. جراء سقوط 6000 قنبلة على غزة ، 200 منها مرة على الأقل- في المناطق الجنوبية من القطاع التي تم تصنيفها على أنها آمنة، وفي الشمال، حيث توجد مخيمات اللاجئين.، وذلك في الأسبوع الأول من الرد الإسرائيلي على الهجمات التي قادتها حماس في 7 أكتوبر. مؤكدة أن الأدلة التي تم الحصول عليها خلال الأسابيع الـ 13 الماضية تظهروجود نمط من السلوك والنية ذات الصلة التي تبرر ادعاءً معقولاً بارتكاب أعمال إبادة جماعية.
وطلب فريق جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية الإشارة إلى تسعة تدابير مؤقتة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة محمية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ياتي على رأس التدابير تعليق اسرائيل فورا لعملياتها العسكرية في غزة وضدها. والتوقف عن التهجير القسري للفلسطينيين، وتمكين المساعدات الإنسانية من الوصول لهم، ومنع اسرائيل من إتلاف الأدلة المتعلقة بالإدعاءات، والسماح بوصول بعثات تقصي الحقائق والتفويضات الدولية والهيئات الأخرى إلى غزة.والزام اسرائيل بتقديم تقرير إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال أسبوع واحد، اعتبارا من تاريخ صدوره.
حجج جنوب افريقيا
وقدم ممثلو دولة جنوب أفريقيا حججهم لمحكمة العدل الدولية بغرض تبني إجراء تعليق العمليات العسكرية في غزة وضدها وهو (أمر مؤقت ملزم قانوناً) وهناك حجتين أساسيتين، الأولى أن غزة على حافة المجاعة، والمرض ينتشر بسرعة، ولا يمكن احتواء الأزمة الإنسانية، والإجراء المطلوب “هو السبيل الوحيد لتأمين الاستجابة الإنسانية، وتجنب المزيد من الموت والدمار غير الضروريين”، لا سيما في ضوء حجم الحملة العسكرية الإسرائيلية وطبيعتها العشوائية.، وترتكز الحجة الثانية على إنه إذا تم تنفيذ أي عملية عسكرية، بغض النظر عن مدى دقة تنفيذها، بناءً على نية تدمير “شعب” كليًا أو جزئيًا، فإنها تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهو ما يتوفر معه المعيار القانوني الواجب التطبيق من المحكمة.
مرافعة اسرائيل
برزت قضية الدفاع المبرر عن النفس بشكل بارز في العرض الإسرائيلي، ولم تفوت اسرائيل فرصة تفنيد الملف القانوني الذي تم تقديمه للمحكمة بالتلويح للمحكمة ذاتها انها مارست الانحياز مسبقاً، وضرب امثلة على حالات مشابهة في تاريخ المحكمة في حرب البوسنة والهرسك التي لم تعتبر الممارسات العسكرية فيها ابادة جماعية!! ورفضت إسرائيل بشدة اتهامات جنوب أفريقيا لها بـ “نية الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين وأصرت على أنها منخرطة “في حرب لم تبدأها ولم تكن تريدها” في غز، .وأصر الفريق القانوني الإسرائيلي على أن الهدفين العسكريين المزدوجين هما القضاء على التهديد الوجودي الذي يشكله مقاتلو حماس، وإطلاق سراح حوالي 136 رهينة ما زالوا محتجزين في القطاع.
ومضى الفريق الاسرائيلي في استخدام حجة الدفاع عن النفس كاساس في المرافعة التي شارك فيها تال بيكر المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية معللا وحشية العمليات العسكرية بأن: “إسرائيل تخوض حرب دفاع ضد حماس، وليس ضد الشعب الفلسطيني”. وأشار إلى المعاناة “المأساوية” و”المفجعة” التي يمر بها المدنيون “في هذه الحرب، كما هو الحال في جميع الحروب”. كما لو كان المقصود هو تطبيع الوضع في غزة باعتباره وضع مشابه لكل الحروب، وهو امر غير حقيقي اثبتته الارقام و الاحصاءات التي قدمتها اجهزة الأمم المتحدة.
رفض “التدابير المؤقتة”
ورفض بيكر التماس جنوب أفريقيا المقدم إلى المحكمة بموجب أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية لإصدار “تدابير مؤقتة” لأمر إسرائيل بتعليق حملتها العسكرية في غزة. وقال إن ذلك يرقى إلى “محاولة لحرمان إسرائيل من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدفاع عن مواطنيها والرهائن وأكثر من 110,000 نازح إسرائيلي غير قادرين على العودة بأمان إلى منازلهم”.، وأصر الفريق القانوني الإسرائيلي على أنه “عندما تتعرض دولة لهجوم، فإن لها الحق في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها، قبل أن يسلط الضوء على الصدمة العميقة الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي شنتها حماس ومسلحون فلسطينيون آخرون في 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل وأسفرت عن مقتل حوالي 1200 شخص وأسر حوالي 250 آخرين.”
والعجيب ان فريق اسرائيل استخدم الحديث عن النوايا، اذ قال المحامي الإسرائيلي مالكولم شو: “لا توجد نية للإبادة الجماعية هنا، وأضاف أن الفظائع التي ترتكبها حماس “لا تبرر انتهاك القانون ردا على ذلك، ولكنها تبرر ممارسة الحق المشروع والأصيل لدولة ما في الدفاع عن نفسها على النحو المنصوص عليه في مـيثاق الأمم المتحدة”. ولا اعلم أي حق مشروع يتحدث عنه مالكوم في مواثيق الأمم المتحدة في حين يقف مقدماً دفاعه عن دولته التي تُحاكم بتهمة الإبادة الجماعة مام أعلى جهاز قضائي تابع للأمم المتحدة ذاتها!
لم تنج جنوب افريقيا من القصف المغرض لإسرائيل، حيث اتهم تال بيكر جنوب أفريقيا بما اسماه “تقديم قصة مشوهة بشكل صارخ للمحكمة”، زاعماً أنه “إذا كانت هناك أعمال إبادة جماعية، فقد ارتكبت ضد إسرائيل”.!! مشيرا الى أن حماس هي من تسعى إلى إبادة إسرائيل!! وأن جنوب أفريقيا تعمل كبوق لحركة حماس مشيراً الى أن الجيش الإسرائيلي يستهدف مُسلحي حماس وليس المدنيين الفلسطينيين.” … بيكر يقدم طرحاً اقرب للكوميديا السوداء، نعم حينما نقول ان “حماس” المنظمة المسلحة التي يصنفها البعض على انها ارهابية والبعض الاخر على انها حركة مقاومة، تقوم بجريمة إبادة جماعية لإسرائيل المدعومة عسكرياً من امريكا، ومعنوياً وقانونياً .. الخ من الغرب، ومسلحة اعلى تسليح، ولها جيش وقوات مسلحة مدربة على اعلى مستوى، وخاضت حروب طاحنة مع كل دول الجوار، فهذا يعد امراً كوميدياً لان الفارق في تكافؤ القوى العسكرية لا يحتاج لمُبصر حتى يراه، وحينما يتهم بيكر جنوب افريقيا التي لا تجمعها اية مصالح لا مع حماس ولا السلطة الفلسطينية، بانها بوق لحماس لمجرد انها استخدمت الحق القانوني لها في تقديم الدعوى لمحكمة العدل الدولية فان ذلك يعد عمل من اعمال الارهاب بغية دفع جنوب افريقيا على التراجع ، بدلاً من ان تبدو للعالم داعمة للإرهاب خاصة امام الغرب الذي اصبحت الجماعات المسلحة “بعبع” يقفز في وجهه بين آن وآخر.
“تسليح مصطلح الإبادة الجماعية”
لم تقف اتهامات اسرائيل عند هذا الحد، لكنها امتدت ليصف الفريق الإسرائيلي طرح جنوب أفريقيا عن الحرب في غزة بأنه “مشوه بشدة” موجهاً اتهاما للفريق القانوني لجنوب أفريقيا بمحاولة “تسليح” مصطلح الإبادة الجماعية، وأصر الفريق الإسرائيلي على أن هذا المصطلح هو أفضل توصيف لـ “لغة الإبادة” التي تستخدمها حماس حول “تطهير فلسطين من اليهود”. !!، وفي استدعاء للتشكيك في مصير المساعدات التي وصلت لغزة، اثار الفريق الإسرائيلي أمراً شديد الحساسية، وهو أن حماس حولت مسار مليارات الدولارات من المساعدات لصالحها وجعلت القطاع “معقلا إرهابياً ربما هو الأكثر تطوراً في تاريخ حرب المدن”. وقالت جاليت راجوان، ممثلة إسرائيل: “إن حرب المدن ستؤدي دائما إلى وفيات وأضرار ودمار مأساوي، ولكن في غزة تتفاقم هذه النتائج غير المرغوب فيها لأنها النتائج المرغوبة لحماس”. في محاولة لتحميل حماس امام الرأي العام العالمي الذي ينقل وقائع الجلسة أن حماس تتاجر بأهل غزة وتضحي بهم مقابل المليارات التي تتدفق للمساعدات وتصب في جيوب قيادات حماس بدلاً من المنكوبين، وبالتالي تهتز ثقة الدول التي تقدم المساعدات للمدنيين في غزة، والخطوة التي تخطوها للخلف تكون اسهل من الخطوة للأمام والتي معها قد تتجه اصابع اتهام العالم الغربي لها بأنها تدعم ارهاب حماس.
وعن قصف المشافي، المخالف للقاون الدولي الانساني، أكدت المستشارة القانونية الإسرائيلية أن “كل مستشفى” فتشته قوات الدفاع الإسرائيلية عثرت فيه على أدلة على الاستخدام العسكري من قبل حماس، وزعمت أيضا أنه تم العثور على أسلحة مخبأة داخل حاضنة في مستشفى. واستمعت المحكمة الدولية أيضا إلى الكيفية التي أظهر بها الجيش الإسرائيلي “العكس تماما” لأي نية محتملة للإبادة الجماعية من خلال قصر استهدافه على الأفراد العسكريين أو الأهداف “تماشيا مع القانون الإنساني الدولي بطريقة متناسبة في كل حالة”.. يا للعجب كيف يجرؤ الدفاع الاسرائيلي بكل هذا الصلف، على تكذيب الارقام التي جاءت في الملف المقدم من جنوب افريقيا، والتي تستند الى احصاء هيئة الأمم المتحدة ذاتها؟
مصر ترسل تعليقا للمحكمة
وضمن الاتهامات الموزعة لارهاب دول الجوار، قال عضو فريق الدفاع عن إسرائيل المحامي، كريستوفر ستاكر، في مرافعته أمام المحكمة، إن “الدخول الى غزة، يقع تحت سيطرة مصر، وإسرائيل ليست مُلزمة بموجب القانون الدولي أن تتيح الوصول إلى غزة من أراضيها”. في اشارة الى ان مصر هي المتهم الاول بمنع المساعدات عن اهل غزة، بعد كل ما فعلته مصر لاجل الأشقاء هناك، كما لو كانت اسرائيل تعاقب مصر على موقفها من رفض التهجير القسري للفلسطينيين، بوضعها في موضع المتهم ازاء تردي الوضع الانساني في غزة امام الأمم المتحدة.
لم تصمت مصر على اكاذيب ومزاعم اسرائيل، وردا على ذلك اصدر رئيس الهيئة العامة لهيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان،بياناً قال فيه إن القاهرة “تنفي بصورة قاطعة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح، والسلطات المصرية سترسل تعليقا إلى محكمة العدل الدولية بخصوص المزاعم الإسرائيلية، للتأكيد على أن مصر لم تغلق معبر رفح. أن “سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعليا في آلية دخول المساعدات من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم الذي يربط القطاع بالأراضي الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلي، قبل السماح لها بدخول أراضي القطاع”. مضيفاً أن مصر أعلنت “عشرات المرات.. أن معبر رفح من الجانب المصري مفتوح بلا انقطاع، مطالبين الجانب الإسرائيلي بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد، تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها”.
وفوتت فلسطين الفرصة على اسرائيل في بث الوقيعة، حيث ردّ رئيس الوزراء الفلسطيني، د. محمد أشتية، على مزاعم فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بخصوص تعطيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة من الجانب المصري، نافيًا بشدة هذه المزاعم، وأكد أن مصر تبذل جهودًا كبيرة لتسهيل دخول المساعدات والإغاثة إلى غزة، مشيراً إلى وجود غرفة عمليات مشتركة مع مصر تهدف إلى تسهيل دخول المساعدات إلى غزة، وأكد أن إسرائيل هي المعطّل الرئيسي لدخول المساعدات إلى القطاع، مشددًا على أن مزاعم إسرائيل تعتبر “أكاذيب”. خاصة وأن إسرائيل تسيطر على خمسة معابر في قطاع غزة، وتتحكم في عمليات التفتيش وتفرض إجراءات صارمة، كما أشار إلى أنه تم منع وصول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة لمنع توثيق الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
اقتراح للمحكمة
حجج الجانبين تضع العدل الدولية امام معضلة قانونية، فجنوب افريقيا نيابة عن فلسطين تريد وقف الحرب ووقف قصف المدنيين، وحماية العزل، واسرائيل تريد حماية مدنييها من حماس واستعادة الرهائن لذويهم احياء، وتلقين الكل درسا لا ينسوه، نحن امام دولة بالنيابة – جنوب افريقيا- ودولة بالأصالة اسرائيل، طرفا الدعوى، لكن هناك طرف ثالث تتم معاملته سياسياً كسلطة، لكنه من الناحية القانونية مجرد منظمة مسلحة، وهو حماس، لا تملك محكمة العدل الدولية امرها بوقف اطلاق النار، وهنا يفند عادل احمد حق أستاذ القانون والمحرر التنفيذي بمركز ريس للقانون والأمن، الحجج التي تم تقديمها للمحكمة ويقدم اقتراحاً لايجاد منفذ قانوني للمحكمة للامر بوقف اطلاق النار
ويقول حق:” حجة إسرائيل بأنها لم ترتكب ابادة وتدافع عن نفسها غير مقنعة، فأحد الادعاءات المركزية لجنوب أفريقيا هو أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، ليس فقط من خلال أعمال قتل وجرح فلسطينية منفصلة، ولكن أيضًا من خلال فرض ظروف معيشية متعمدة على المجموعة تهدف إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، من خلال مزيج من الحصار والمجاعة والتهجير القسري والدمار واسع النطاق للبنية التحتية المدنية والطبية، وقد أصبحت هذه الظروف قائمة الآن إلى حد كبير، والعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة تجعل من المستحيل على العاملين في المجال الإنساني أن يمنعوا هذه الظروف من التسبب في التدمير المادي للجماعة. وإذا وجدت المحكمة أن ادعاءات جنوب أفريقيا بشأن نية الإبادة الجماعية معقولة، فسيكون هناك ما يبرر تعليق العمليات العسكرية لحماية الحقوق الناشئة بشكل معقول بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وفي مواجهة الاختيار الصعب بين إصدار الأمر لإسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية والسماح باستمرار تلك العمليات،. قد يتردد بعض القضاة في الأمر بما تصفه إسرائيل بـ “التعليق الأحادي للعمليات العسكرية من جانب أحد أطراف النزاع فقط، مع ترك الطرف الآخر حراً في مواصلة الهجمات، وهو ما لديه نية معلنة للقيام به.، ويقول عادل:” صحيح أنه لا يجوز للمحكمة أن تشير إلى تدابير مؤقتة إلا للدول المعروضة عليها بشكل صحيح، في هذه الحالة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية. ولهذا السبب، لا تستطيع المحكمة أن تأمر حماس والجماعات المسلحة الأخرى بقبول وقف إطلاق النار هذا أو الالتزام به. لان حماس ليست دولة، ومن الناحية القانونية ينبغي صياغة أمر المحكمة وفقا لذلك. وفي نفس الوقت لا يمكن لإسرائيل أن تلتزم بوقف إطلاق النار ما لم توقف حماس والجماعات المسلحة الأخرى إطلاق النار فعلياً. وإذا استأنفت هذه الجماعات هجماتها على إسرائيل.
لذلك يقترح عادل حق ان يتم السماح للقوات المسلحة الإسرائيلية بالرد بقوة دفاعية محدودة ومتناسبة، اذا وقعت هجمات جديدة،وذلك بهدف الحماية وليس بهدف استعادة وقف إطلاق النار، وليس باستئناف العمليات العسكرية الهجومية الكبرى، وويوضح عادل: المقصود من الصياغة التي أقترحها هو أن تعكس هذه الاعتبارات، ولكن لا شك أنه يمكن تحسينها بشكل أكبر.”،ويتابع حق: ” وجدت الأغلبية الساحقة من الدول في كل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة أن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس لن يبرر استمرار العمليات العسكرية إذا أمكن تأمين وقف إطلاق النار. وليس هناك سبب يدعو المحكمة إلى منح حق إسرائيل في الدفاع عن النفس نطاقاً وقوة ترفضهما الأغلبية الساحقة من الدول. وباعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، يجوز للمحكمة بدلاً من ذلك الاعتماد على النتائج التي توصلت إليها هيئات الأمم المتحدة الأخرى.
ويكمل حق: “يجب حث حماس وغيرها من الجماعات المسلحة على الالتزام بوقف إطلاق النار بنفسها، كما ان مسألة الأسر المستمر لأكثر من مائة رهينة لأكثر من مائة يوم. جريمة. وإن أخذ الأطفال والشيوخ والعجزة كان من الفحشاء. وينبغي للمحكمة أن تجد طريقة للاعتراف بحقوقهم.،وفي حين لا تستطيع المحكمة توجيه تدابير مؤقتة ضد حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، إلا أنها تستطيع توجيه تدابير مؤقتة إلى مقدم الطلب المعروض عليها: جنوب أفريقيا. والحقيقة أن الطلب الثالث الذي تقدمت به جنوب أفريقيا يدعو المحكمة إلى أن تأمر كلاً من جنوب أفريقيا وإسرائيل “باتخاذ كافة التدابير المعقولة التي في وسعهما لمنع الإبادة الجماعية”. وبالمثل، ويمكن للمحكمة أن تصدر أمراً يحمل جنوب افريقيا ايجاد الضمانة لالتزام حماس بوقف اطلاق النار، وذلك على النحو التالي: “ستتخذ جمهورية جنوب أفريقيا جميع التدابير المعقولة في حدود سلطتها لضمان التزام حماس والجماعات المسلحة الأخرى بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الموجودين تحت سيطرتها.، والأساس المنطقي القانوني لمثل هذا الأمر هو أن المزيد من الهجمات، فضلاً عن استمرار احتجاز الرهائن، من شأنه أن يؤدي إلى “تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو تمديده أو جعل حله أكثر صعوبة” وبالتالي يقع ضمن نطاق النزاع المعروض على المحكمة. سلطة المحكمة في الإشارة إلى التدابير الوقتية للأطراف بشكل صحيح أمامها
في النهاية فإن هذا النوع من القضايا الدولية، شديد التعقيد، وبالرغم من وضوح معالمه، وسطوع ادلته، إلا ان المصالح السياسية بين الدول تحكم الامور في معظم الأحيان، وبغير تشكيك في نزاهة احد لكن يصعب استبعاد التدخل السياسية وسبع قضاة من قضاة المحكمة وعددهم 15 ينتمون لدول صوتت في جلسة الامم المتحدة ومجلس الأمن ضد وقف اطلاق الناروحتى لو اصدرت المحكمة حكما بشأن إجراءات عاجلة محتملة هذا الشهر، ستظل الدعوى عالقة مثل عشرات الدعاوى، لن تصدر حكما في ذلك الوقت يتعلق باتهامات الإبادة الجماعية إذ يمكن لتلك المسألة أن تستغرق سنوات.لأن قرارات محكمة العدل الدولية نهائية لا تقبل الاستئناف، وبالرغم من أنها لا تملك وسائل لإنفاذ أحكامها، إلا ان الحكم الصادر ضد دولة ما يصمها على مر التاريخ.