أستكمل اليوم الخوض في الملف الذي يتصدر عنوان هذا المقال, وهو ما أنا مثقل به منذ انفجرت أحداث 7 أكتوبر الماضي في غزة, فهناك فيض من كتابات أقلام مصرية وعربية وأوروبية وحتي أمريكية تفضح العربدة الصهيونية الإسرائيلية التي تعصف بكل معايير القانون الدولي وحقوق المدنيين العزل في بطشها بأهل غزة وإهلاكهم.. لكن ما كرست جهودي للبحث عنه وكشفه ـ لعلي أضيف شيئا لقضية فلسطين المصيرية ـ هو ماذا يقول اليهود أنفسهم عن هذا الصراع المرير الممتد عبر ثلاثة أرباع القرن من الزمان… ويا لهول ما اكتشفت… وإليكم حلقة اليوم التي تمثل شهادة خطيرة لكاتب صحفي إسرائيلي ينتمي إلي الجناح اليساري المقاوم للاحتلال والداعي للسلام, وبين عامي 1995, 2016 كان يكتب عمودا في صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
صاحب هذه الشهادة هو آري شافيت وكتبها عام 2016 حيث يقول: يبدو أننا نقف في مواجهة أعتي شعب في التاريخ, ولا يوجد أمامنا مخرج سوي الاعتراف بحقوقه ووضع حد للاحتلال… لقد تجاوزنا نقطة اللا عودة حيث لم يعد في مقدور إسرائيل إنهاء الاحتلال أو إيقاف المستوطنات وإحلال السلام, كما أنه لم يعد في الإمكان إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديموقراطية بالمساواة بين مواطني هذه الدولة… وإزاء هذه الحالة لم يعد هناك مبرر للحياة في إسرائيل أو حتي للكتابة في هآرتس, بل يجب علينا اتباع ما نادي به روجل ألفر منذ نحو عامين من حتمية ترك هذا البلد. فإذا كانت إسرائيل الدولة اليهودية لم تعد عاملا حيويا لترسيخ الهوية, وإذا كان كل مواطن إسرائيلي حريصا علي اقتناء جواز سفر أجنبي فإن الأمر قد قضي, ومن المحتم أن يودع هذا المواطن أقرانه وأصدقاءه ويغادر إسرائيل إلي سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس… ومن هناك من بلد المستقر الجديد سواء كانت أمريكا أو ألمانيا أو فرنسا أو غيرها سيكون في مقدور هذا المواطن أن يرقب دولة إسرائيل وهي تلفظ آخر أنفاسها.
** علينا أن نرجع بضع خطوات إلي الوراء لنسجل مراحل غرق الدولة اليهودية, ذلك المنحي الذي يبقي معلقا محتما تحقيقه… قد نكون لم نتجاوز بعد نقطة اللاعودة قبل إنهاء الاحتلال وإيقاف بناء المستوطنات وإصلاح الحركة الصهيونية وتقسيم هذه الأرض نحو حل الدولتين. فإذا كان هذا هو التوجه الحتمي فينبغي أن تقع المسئولية علي الإسرائيليين في إيقاف نشر الكراهية والضغط علي النظام الحاكم لإجباره علي الاستماع للشعب واحترام إرادته, فلا توجد إدارة أمريكية تستطيع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي, كذلك ليست الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي من سيوقفون بناء المستوطنات.. القوة الوحيدة في العالم القادرة علي إنقاذ إسرائيل من نفسها هي المواطن الإسرائيلي من خلال استنباط لغة سياسية جديدة تعترف بحقيقة أن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض ويتحتم استخلاص طريق للعيش معهم هنا وإلا الاحتضار.
** إن الإسرائيليين منذ قدومهم لفلسطين يعلمون تماما أنهم نتاج الشعور بالاضطهاد الكامن في الشخصية اليهودية عبر حقب التاريخ, عن طريق استغلال وتضخيم كارثة الهولوكوست في عهد هتلر التي تم استثمارها لإقناع العالم أن فلسطين هي الأرض الموعودة لعودة بني إسرائيل حيث يرقد المعبد اليهودي أسفل المسجد الأقصي.
إن علماء الآثار الغربيين واليهود وفي مقدمتهم إسرائيل فينكشتاين من جامعة تل أبيب وعالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون التي أجرت حفريات في أورشليم أثبتت أن المعبد اختفي منذ آلاف السنين وتم توثيق ذلك عبر عدد غير محدود من المراجع اليهودية وتم تأكيده من خلال الكثير من الأثريين الغربيين…
** وتقول الدكتورة كاثلين كينيون عن تلك الواقعة: الحفريات التي أجريتها أثبتت عدم وجود أي آثار لمعبد سليمان بل تأكد لي أيضا أن ما يتحدث عنه الإسرائيليون عن آثار لمبني إسطبلات الملك سليمان في بلدة مجدو لا وجود لها, فقد تبين أن الآثار الموجودة لا تتعدي بقايا لنموذج معماري لقصر شاع بناؤه في أقاليم عدة في فلسطين في ذلك الوقت.
وهذا كاتب إسرائيلي آخر يدعي جدعون ليفي ينتمي إلي الجناح اليساري للصهاينة يكتب في صحيفة هآرتس يقول: من يحاولون إنكار الوجود الفلسطيني يعلمون علم اليقين تفوق الفلسطينيين علي الإسرائيليين.. إن الفلسطينيين يختلفون عن سائر البشر, فقد قمنا باحتلال أرضهم ونعتناهم بكل الموبقات وتصورنا أن الأمر لن يتعدي بضع سنوات وبعدها سوف ينسون أرضهم ووطنهم, ولكن انفجرت انتفاضة شبابهم عام 1987 وزججنا بهم في السجون, ومضت سنوات واعتقدنا أنهم تعلموا الدرس فإذا بهم يعودون في انتفاضة عام 2000 التي أجهزت علي الأخضر واليابس… قمنا بإزالة مدنهم واعتقالهم لسنين طويلة, ولكنهم عادوا ليقصفونا بصواريخهم… حاولنا عزلهم وراء الأسوار العالية والأسلاك الشائكة ولكنهم تسللوا إلينا عبر الأنفاق التي حفروها تحت الأرض وتسببوا في ترويعنا وقتل البعض منا وإرهاب كل بيت في إسرائيل.
*** هذا توثيق لشهادة أكثر من كاتب صهيوني منشورة في صحيفة إسرائيلية… ما حاجتنا إلي شهادة أبلغ من ذلك؟…
إجمالا يجب أن نعترف أننا في مواجهة أكثر الشعوب العصية في التاريخ, ولا يوجد حل سوي الاعتراف بحقوقهم وإنهاء احتلال أرضهم.