ما أصعب المواهب: وما أكثر الذين لم يستطيعوا احتمالها!
وما أصدق القديس الأنبا أنطونيوس الكبير حينما قال: إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة. فكثير من الذين نالوا مواهب, لم تسمعهم الدنيا بسببها, وتغير قلبهم من الداخل, وتغيرت معاملاتهم للناس, حتي لأصدقائهم! وسقطت نفوسهم وكما قال الشاعر:
لما صديقي صار من أهل الغني.. أيقنت أني قد فقدت صديقي.
إن افتخر الإنسان بموهبة, ما أسهل أن يأخذها الله منه وذلك رحمة من الله, حتي لا يهلك هذا الإنسان بسبب مواهبه, أو يكون سحبها عقوبة له لأنه أساء استخدامها.. أو النعمة تأخذ منه الموهبة, حتي يشعر بضعفه فيتضع. لذلك كثيرا ما سقط أصحاب المواهب. قال أحد القديسين: المفتخر بالعفة يقع في الزنا. والمفتخر بالمعرفة قد يقع في البدعة والهرطقة. والمفتخر بالقداسة يقع في فخاخ الشياطين.
وكثيرا ما يهب الله مع الموهبة ضيقة, لكي تحفظها مثلما قال القديس بولس الرسول ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات, أعطيت شوكة في الجسد. ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع (2كو 12:7). ومثل الضيقات التي أصابت داود الموهوب, الذي كان شاعرا وموسيقيا ويحسن الضرب بالعود, وهو جبار بأس ورجل حرب, وفصيح ورجل جميل (1صم 16:18). وفي ضيقات داود قال خير لي يارب أنك أذللتني حتي أتعلم حقوقك (مز 119). وبالمثل الضيقات التي حفظت تواضع يوسف الصديق, الشاب الجميل الناجح المحبوب.. وهكذا نصح القديسون من يأتيه موهبة, بأن يصلي إما أن يعطيه الله ضيقة تحفظها, أو أن يرفعها عنه..!
مظاهر الكبرياء
1ـ من مظاهر الكبرياء: الافتخار والحديث عن النفس وأحيانا يقدم هذا الافتخار في صيغة صلاة أو شكر, كما فعل الفريسي الذي قال أشكرك يارب أني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي (لو 18: 11ـ 12).
والإنسان المفتخر بأعماله الحسنة, يتكلم بأسلوب أنصاف الحقائق.
فهو يذكر أعماله الحسنة, وينسي ضعفاته وخطاياه. وحتي ما فعله حسنا, ينسي فيه معونة, وما شارك به الآخرون في نجاح العمل.. أما المتواضعون, فيركزون في نجاحهم علي عمل الله معهم, ويظهرون في شكر ما فعله الآخرون.
والمتواضعون يتحدثون بالأكثر عن أخطائهم ويخفون فضائلهم.
مثل ذلك بعض رهبان الإسقيط الذين كشفوا للأم سارة عيوبهم ونقائصكم فقالت لهم: بالحقيقة أنكم إسقيطيون, لأنكم تخفون فضائلكم. وما ليس فيكم من الرذائل, تنسبونه إلي أنفسكم.
2ـ والمتكبر يتباهي بالمعرفة, ويحطم آراء غيره ليثبت تفوقه عليه:
وقد يلغي المفهوم العام المعروف عند الناس ليقدم جديدا من عنده.. وبهذا الأسلوب وقع البعض في البدعة.. أما المتواضع فقد يجلس وسط الناس صامتا, وفيه كنوز من المعلومات, وبعض الآباء كانوا يتظاهرون بالجهل وهم علماء, وقد مدح القديس الأنبا يوسف بقوله: طوباك يا أنبا يوسف, لأنك عرفت الطريق إلي كلمة لا أعرف, وأليهو في قصة أيوب الصديق صمت فترة طويلة تواضعا لأن المتكلمين كانوا أكبر منه سنا.
والإنسان المتواضع إذا أظهر شيئا من معرفته, يتكلم بأدب شديد وبحرص, حتي لا يظهر عارفا بما يجهله غيره.
وفي خلال حديثه يظهر إعجابه ببعض عبارات قالها غيره.. ويحاول أن ينسب معلوماته إلي مصادرها لا إلي نفسه, بعكس المتكبر الذي قد يقرأ أو يسمع رأيا, فيقوله كأنه صادر عنه هو, ويخجل أن يورد اقتباسات من آخرين.
3ـ والمتكبر قد يقاطع غيره في الحديث, وقد يهزأ به.
يريد أن يسكت غيره, ليتكلم هو. لأن رأيه ـ في نظره ـ هو الأفضل وهو الأحق بالسماع. وقد يعلو صوته علي غيره في الكلام. وقد يهاجمه ويتهكم عليه.. ويخرج عن الموضوعية في حديثه إلي التعليقات الماسة بالشخصية.
4ـ والمتكبر يتمركز دائما حول ذاته. وقد يصبح أنانيا:
ذاته هي مركز اهتمامه, لها المديح والكرامة والظهور والأضواء, حتي في الصلاة, لا يهتم بالحديث مع الله, بقدر ما يهتم أن يكون رجل صلاة, فيهتم بحرارة الصلاة وخشوعها, وبالدموع ولو عصرها عصرا. كذلك تظهر ذاته في صومه وفي عطائه وفي خدمته, بعكس المعمدان الذي قال: ينبغي أن ذاك يزيد, وأني أنا أنقص (يو3:30).
5ـ والمتكبر يكون عنيدا, لا يتنازل عن رأي ولا عن تصرف.
لا يخضع لغيره, ولا يتنازل عن رأيه, مهما كان الرأي الآخر مصيبا, ويري أن التنازل ضد كرامته وضد هيبته. وقد تطول المناقشة معه, دون الوصول إلي نتيجة, ولا يكون سهل التفاهم, ويصل إلي حدود المقاوم, مريدا أن يقيم كلمته.
6ـ والمتكبر لإثبات تفوه يقع في المنافسات وفي الغيرة والحسد.
إنه يحب دائما المتكأ الأول, وفي بعض الأحيان لا يكتفي بأن يكون الأول, بل يريد أن يكون الوحيد, ولذلك تملكه الغيرة المرة من كل من يراه منافسا له, ولا يفرح بنجاح غيره بل قد يكون كثير الانتقاد والإدانة لغيره والذي يظن أنه يسحب الأضواء منه, فيقع في الحسد, وكما يقول القديس أوغسطينوس الحسود يتغذي بسقطات الآخرين.
7ـ وقد يصل المتكبر إلي القسوة والغضب والعنف..
ويستخدم هذا العنف ضد كل من يشعر أنه يقف في طريقه أو يمس كرامته, أو ينافسه, وقد يعلو صوته في غضب أو انتهار أو شتيمة أو تهديد, بل إلي التحقير أيضا والازدراء.
8ـ والمتكبر لإيميل إلي الاستشارة, ولا إلي الطاعة.
حتي مع أب الاعتراف, يريده منفذا لرأيه وقراراته, وقد يبعد عن استشارته, حتي لا تصطدم رغبته بمشورة الأب فيضطر أن يعارض مشورته.
9ـ والمتكبر يحلو له أن يقارن نفسه بغيره, مظهرا أنه الأفضل في كل شيء.
10ـ والمتكبر قد يكون دائم التذمر والشكوي, شاعرا أنه لم ينل ما يستحق, وأن حقيقته أفضل من الوضع الذي هو فيه. ولذلك هو لا يعرف القناعة مطلقا, أن الشيطان كان ملاكا عظيما ولم يقنع بوضعه.
11ـ والمتكبر يحب أن ينال الواجب ويود لو صنع المعجزات
ليس من أجل استخدامها لخير الآخرين, إنما من أجل محبته للكرامة والشهرة, لا يسعي إلي ثمار الروح, بل إلي مواهبها.
12ـ والمتكبر كثيرا ما يصاب بأمراض نفسية.
قد يصل إلي البارانويا (جنون العظمة), وقد يصل إلي الانطواء, لأن المجتمع لا يعطيه حقه, وقد يصل إلي العنف والاعتداء دفاعا عن كرامته..