قدم مركز جسور للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية بعنوان “عملة سور: خطوة نحو تحقيق التكامل في منطقة أمريكا اللاتينية” من إعداد إليان بطرس، مدير برنامج دراسات العلاقات الدولية بالمركز.
وأشارت الباحثة في ورقتها إلى أن منطقة أمريكا اللاتينية تعاني من أزمة اقتصادية هائلة تزداد حدتها تبعًا للازمات الداخلية ومتأثرة بالأزمات العالمية، حيث أدت السياسات المحلية الداخلية في معظم الدول إلى إبطاء النمو بخلاف الأزمات السياسية المتفاقمة وعدم استقرار عدد من الدول اقتصاديًا وسياسيًا، خاصة بمرور عدد كبير من الدول اللاتينية بانتخابات رئاسية ومحلية، خلقت حالة من السعي لمحاولة إرضاء الناخبين للحصول على أصوات والوصول إلى السلطة في الوقت التي تعانى فيه هذه الدول من أزمات اقتصادية وتضخم حاد أدى إلى حالة من الغضب والاستقطاب الاجتماعي وهو ما حاولت الحكومات الجديدة إصلاحه لإرضاء من أوصلهم للسلطة وبالتالي تضاعفت المعوقات وحجم التحديات والازمات الاقتصادية
وأوضحت إلى أن منطقة أمريكا اللاتينية تسعى إلى تحقيق التكامل فيما بينها وهو ما سيعود عليها بالنفع سواء اقتصاديًا أو اجتماعيًا، وهو ما دفع كل من البرازيل والأرجنتين لأطلاق عملة مشتركة باسم “سور sur” للتعبير عنهم وعن وحدتهم وتسعى لانضمام دول المنطقة إليها فيما بعد، وبالتالي تترابط المصالح وتزيد التفاهمات فيما بينهم بشكل أكبر وتزداد قوة المنطقة.
ولفتت إليان إلى أن هذه النتائج لن تتحقق بين عشية وضحها بل يحتاج مزيد من الوقت والجهد ويستحق السعي، حتى وان ظهرت بعض الشكوك حول إمكانية تنفيذ أو نجاح فكرة إصدار هذه العملة المشتركة، نظرًا لعدم وجود تكامل سياسي واجتماعي أو حتى أوضاع اقتصادية تساعد لإطلاق هذه الفكرة، إلا أنها تجربة تستحق الاختبار، منطقة بحجم أمريكا اللاتينية وبحجم مواردها وثرواتها يدفع الجميع للمحاولة مرة آخري وطرق كافة الأبواب لمزيد من التماسك ولإيجاد حلول اقتصادية أكثر واقعية وفاعلية.
وأفادت أن قمة سيلاك الأخيرة أو قمة دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي التي أقيمت في بوينس آيرس بالأرجنتين جاءت باقتراح إصدار عملة جديدة مشتركة بين البرازيل والأرجنتين تسمى سور وتعنى الجنوب وهو ما آثار عدد من التساؤلات حول إمكانية التنفيذ ومستقبلها في ظل الخلل الاقتصادي والأزمات المتتالية في المنطقة اللاتينية.
أطلقت هذه الفكرة لعدد من الأهداف تتعلق بالتدفقات المالية وخفض تكاليف التشغيل وبالتالي تقليل الاعتماد على الدولار، حيث كانت المنطقة اللاتينية بحاجة إلى مثل هذا التحرك من الدول القائدة والكبيرة في المنطقة ليلتف حولها باقي الدول حيث تشكل كل من البرازيل والأرجنتين حيز كبير في اقتصادات المنطقة.
تعمل العملة الجديدة سور للتبادل التجاري دون الحاجة إلى تحويل العملة المحلية إلى دولار حيث تستطيع الارجنتين تحويل قيمة مشترياتها من عملتها البيزو إلى عملة سور وليس إلى دولار وبالتالي تقلل من احتياجاتها للاحتياطي من الدولار لديها، هذا الخروج من مظلة الدولار سوف يفيد الاقتصاد الأرجنتيني بشكل كبير حيث يقلل من حاجته للدولار الأمريكي. لان أزمة الدول المحاطة بالديون أنها تتكبد دفع الفوائد بالدولار الأمريكي، وهو ما لا تتحمله خزائن تلك الدول المتضخمة والتي تعاني من أزمة ديون طاحنة وهو ما دفعها لإصدار عملة رقمية تختلف عن العملات المشتركة الأخرى وتختلف عن العملات المشفرة لأنها تقع تحت تحكم بنك مركزي.
لماذا البرازيل والأرجنتين –والحديث مازال للباحثة- تعتبر البرازيل والأرجنتين شريكين تجاريين غاية في الأهمية تتميزان بحدود مشتركة واقتصاد تكميلي بالنسبة لكل من الطرفين وبالتالي فرصة التعاون فيما بينهم تزداد، حيث تعد الأرجنتين هي ثالث أكبر شريك تجاري للبرازيل، إذ تمثل حوالي 5٪ من التجارة الخارجية البرازيلية، والبرازيل هي الشريك التجاري الأكبر للأرجنتين إذ تشكل السيارات وقطع غيار السيارات حاليًا الجزء الرئيسي من التجارة بين البلدين، إلى جانب مشتريات البرازيل من القمح الأرجنتيني.
وقالت إليان بطرس: “أما فيما يتعلق بمستقبل هذه العملة وفرص نجاحها وحتى يكلل اصدار هذه العملة بنجاح لابد من توافق سياسي واجتماعي حول اصداراها لان الاستقطاب الاجتماعي والسياسي الحالي في بعض الدول قد يعيق الوصول إلى نتائج مرجوه في حالة تغير الحكومات في المنطقة، وهو ما يستلزم موافقة كافة الأحزاب اليمين واليسار حول هذه المبادرة والمساهمة فيها لضمان النجاح. على سبيل المثال، بادرت البرازيل والأرجنتين الآن على إصدار عملة سور في توقيت يتسم بالترابط والتقارب بين الدولتين لعدد من الأسباب، ولكن ما هو مصير هذه المبادرة بعد الانتخابات الأرجنتينية القادمة في أكتوبر 2023 في حالة وجود حكومة جديدة هل ستؤثر على خطة نجاح وتنفيذ إصدار العملة؟ هذا الطرح وارد الحدوث وبالتالي لابد أن تسعى جميع الأطراف لتحقيق الترابط والتكامل فيما بينهم بالتوازي مع خطة إصدار عملة سور.”