تُشارك المدرسة، والكنيسة الأم في تنشئة أطفالها، وتكوين بنائهم النفسي والسلوكي، أطفالنا كالتُربة الخصبة كلما ارتوت جيدًا، خرجت منها أفضل الثمار، وبالطبع تختلف تربية الفتيات عن الشباب منذ الصغر، وموضوعنا اليوم عن التربية، خاصة تربية الفتيات التي يلزمها الكثير من العطف والدِقة في آنِ واحد، حيث أن كل فتاة تُعد بمثابة امتداد لجذور بناء عائلة بأكملها.
تكاثر في الآونة الأخيرة، حالات الفشل في الحياة الزوجية، ويكون ذلك بسبب الطرفين أو ربما إحداهما. شكاوى متلاحقة على مكاتب خدام المشورة، يلازمها غضب في البيوت.
ومن خلال هذه المشكلات تتناول “وطني” ملفين مهمين، وهما: تربية وإعداد الصبيان وتربية وإعداد البنات منذ الصغر حتى نفرز للمجتمع رجالاً وسيدات مسؤولين وعقلاء.
واليوم سنتناول أول جزء عن الطفلة الجميلة التي ستكون زوجة رشيدة وسند لزوجها وأم لأولاد في المستقبل، والتي أجمع المتخصصون أن كلمة السر تكمن في تنشئتها منذ نعومة أظافرها.
ولفتوا إلى أن الأسر والمؤسسات التعليمة، قد تغفل بعض الأمور الهامة في تكوين شخصيتها، مما يساهم في خلق مشكلات لاحقًا في حياتها الأسرية، كما عددوا زوايا التربية والتأهيل التي تسهم في صناعة شريكة حياة ناجحة خلال هذا التحقيق..
قوة العاطفة عند الفتيات
قالت الدكتورة هالة حماد، أستاذ الطب النفسي للأطفال والمراهقين: يوجد تشابه كبير في تربية الأولاد والبنات، إلا أن تربية البنات لها خصوصية كبيرة يجب على الوالدين إدراكها، خاصة لأن البنات يتأثرن نفسيًا وعاطفيًا أكثر بكثير من الأبناء الذكور، لذلك يجب على الأم أن تهتم بمشاعر البنت منذ طفولتها، خاصة عند وجود أطفال غيرها وضرورة الاهتمام بمظهرها منذ الصغر، فمثلًا إذا تركنا شعر الطفلة دون تصفيف سوف يتلف ويعطيها ذلك مظهرًا سيئًا، و يجعل الجميع ينتقدها، مما يقلل من ثقتها بنفسها وترى غيرها أفضل منها.
وقد ينشئ ذلك لديها شعور بالغيرة والخجل وضعف الثقة بالنفس، وكل هذه الصفات تكبر معها وتلازمها في أسرتها لاحقاً.
و أشارت “حماد”، إلى أن مشاعر الطفلة تحتاج لرعاية باستمرار وحنان وعطف ورقة واحتواء من قبل الأم، ويجب أن تعلمها كيف تكون ملكة، وأن تجعلها صديقة مقربة لها وتستعين بها في كل شىء وتأخذ رأيها دومًا وتشعرها أنها مهمة لديها، وأنها تعتز بكونها طفلة وألا تجعل حبها لها مرتبط بشروط.
أضافت، أنه على الأم أن تغرس لدى ابنتها روح العزيمة، وأن تعلمها كيف يكون لها هدف منذ الصغر، وأن تحدثها وتناقشها حتى تنضج شخصيتها وتتعرف على ما يدور حولها، وذلك بقلب محب وعقل مستوعب، مشددة على ضرورة عدم مقارنة الأم الفتيات بالأبناء الذكور، والعمل على إشعارهم أنهم متساويين في الحقوق والواجبات.
كما شددت الدكتورة هالة على عدم توبيخ الأم لابنتها على ارتفاع صوتها، لأن هذا بحد ذاته يخلق لدى البنات نوعًا من الكبت الذي ينتج عنه اللامبالاة، خاصة إذا كانت البنت من النوع الذي يحب أن يعبر عن رأيه بصوت عالِ وطلاقة، فالتوبيخ المستمر على رفع الصوت يجعلها لا ترغب في الكلام من الأساس، وبالتالي فمن الأفضل تنبيه البنت إلى طريقة الكلام المناسبة دون أن يتم رسم حدود صارمة تمنعها عن الحديث، مع تشجيعها على التعبير عن نفسها بطريقة صحيحة، مشيرة إلى أنه من الطبيعي أن تحاول الفتيات انتهاك القواعد السلوكية وخاصة في سن المراهقة.
ويأتي واجب الوالدين هنا بالرشد والحكمة عند إظهار القيود بمرونة ووضوح، ومناقشتها معهم، لأن البنات يحتجن إلى مزيد من الانتباه في التربية دون إشعارهم إلا بالحب والاهتمام الإيجابي؛ لأن في هذه المرحلة تحتاج البنت إلى المناقشة في كافة التفاصيل، لذلك يجب على والديها أن يتقبلوا ذلك بصدر رحب، وأن نبث فيهن كيفية التعبير عن آرائهن والدفاع عن أنفسهن بطريقة صحيحة دون إيذاء الآخرين، وتوعيتهن تجاه الأخطار المحتملة دون زرع الخوف في قلوبهن، موكدة أنه يجب أن نعطي مساحة كافية للبنت في التفكير في شريك حياتها بوضع بعض التفاصيل التي يجب أن تتواجد في هذا الشريك حتى لا تفشل العلاقة ويجب تدرك البنت أن أي علاقة ناجحة يجب أن يكون لها أسس وقواعد ثابتة، ومن الأفضل أن تسير عليها ولكن دون ضغط، فيجب عليها الاختيار دون إجبار.
تعليم الفتاة بالقدوة
وأكد القمص مكاريوس موريس، مدير معهد المشورة الأرثوذكسية بالمعادي، أن أهم ما يؤثر في إعداد الطفلة لتصبح زوجة صالحة في المستقبل، هو التعليم بالقدوة، أي أن ترى الطفلة منذ نعومة أظافرها أمها تحترم ارتباطها بأبيها وتقدس حياة الشركة معه، وتهتم بأسرتها وتضحي من أجلها، حيث يقوم ذلك بالانتقال لا شعوريا لها، مشيرًا إلى أنه يقول ذلك بسبب زيادة معدلات التشبه بالعالم في الوقت الراهن بين الزوجات، فنجد إحدهن تقول أنها يجب أن تستمتع بحياتها وأنها غير قادرة على تحمل زوج به أي عيوب، وإذا واجهت أي صعوبات تفكر في الانفصال!!
وأرجع القمص مكاريوس هذا، إلى زيادة الفكر المادي لدى بعض الزوجات، والسعي وراء الثراء والرغبة في الاستمتاع بالحياة حتى ولو كان ذلك على حساب أسرهن.
وشدد القمص مكاريوس، على الاهتمام بالحياة الروحية داخل الأسرة، والتأكيد على أن الحياة مع الله هو الأهم، وأن الله قدّس ارتباط الزوجين، لأنه الضلع الثالث معهم في العلاقة، وإذا فكر أحدهما في الانفصال فهو سيكسر علاقته بالله، مؤكدًا أهمية تدريب الفتاة داخل الأسرة على فضيلة الاحتمال وقبول الآخر رغم ضعفه، وذلك عن طريق تدريب الطفلة على احتمال أخواتها وزميلاتها في المدرسة، وألا تعتاد على وصف أي شخص بصفات سلبية حتى ولو كان مختلف عنها، بل تعتاد احترام الآخر مهما صدر منه، مشيرًا إلى أن ذلك سينعكس على علاقتها بزوجها في المستقبل، وعلى احترامها له ولأهله، حتى لو لم تجد فيه كل توقعاتها، مشيرًا إلى أهمية التأكيد للفتاة منذ صغرها أن الحياة يجب أن تكون بها تحديات والزواج ليس كله فرح وسعادة، بل الأمر يحتاج إلى التعب والبذل والتضحية، لأن شريك الحياة ليس فردًا عاديًا بل أنها مؤتمنة عليه من قبل الله، حيث تسلم كلا الزوجين بعضهما من أمام المذبح.
خطوات استباقية
ومن زاويته، يرى الدكتور بيتر نعيم، خادم المشورة الأسرية والحاصل على دكتوراه في الإرشاد الأسري من جامعة كمبريدج، أن إعداد الفتاة منذ صغرها لتكون شريكة حياة ناجحة، على كافة المستويات، أمر في غاية الأهمية ويجب أن تضع كل أم هذا الأمر نَصب عينيها منذ إنجابها لأنثى، مشيرًا إلى أن الكنيسة تقوم مؤخرًا بشيء رائع، وهو جعل دورات ما قبل الزواج إلزامية، على عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث كانت تتزوج الفتاة دون أن تعرف ماذا تعني الحياة الزوجية.
ويجد “نعيم” أهمية في الوقت الراهن أن تبدأ الأسر بخطوات سابقة لهذه الدورات.
كما أشار “نعيم”، إلى ضرورة تدريب الأم لابنتها على تحمل المسؤوليات المنزلية بشكل متدرج، طبقًا لمرحلتها العمرية، مؤكدًا أن بعض الأمهات تفضلن تدليل بناتهن، وتترك فكرة تحملها للمسؤوليات لما بعد الزواج، بدعوة أن البنت مشغولة بمذاكرتها وممارستها للرياضة وبعض الأنشطة الأخرى، منوهًا أن الأم قد ترى الفتاة ممسكة بهاتفها وتقوم بعمل محادثات مع أصحابها وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة، ولا تنصحها بأي شئ بل تدعها وشأنها دون أن تطلب منها أي مشاركة في البيت، معتقدة أنها عندما تكبر ستتغير، وهذا بالطبع لن يحدث، بل يؤدي هذا إلى تعب زوج وأطفال هذه الابنة في المستقبل، لأنها بذلك تعتقد أن الحياة بعد الزواج يجب أن تصبح كما كانت في بيت أبيها، متناسيه قول الكتاب في سفر التكوين “فاصنع له معينًا نظيره”.
وعلى سبيل المثال، لا يجد “نعيم” مانع من دخول الطفلة مع والدتها للمطبخ، منذ المرحلة الابتدائية لتشاهد ما تفعله الأم، وتساعدها في بعض المهام البسيطة إلى أن يتطور الأمر في المرحلة الإعدادية وتستطيع الطفلة أن تطهي بعض الأصناف البسيطة، ثم تتدرج في تَعلم العديد من الأصناف في المرحلة الثانوية والجامعية، كذلك نوه لضرورة مشاركة الطفلة لوالدتها في ترتيب المنزل، ففي البداية يجب أن تحرص الأم على تدريبها على تنظيم ألعابها، ثم تدريبها على ترتيب سريرها وبعدها تنظيف غرفتها، وبعد ذلك تستطيع الأم مشاركة ابنتها في أعباء منزلية أكبر، مشددًا على أن يكون ذلك على قدر الطاقة الجسمانية والعقلية للطفلة.
وتحدث “نعيم” على ضرورة تدريب البنت على المشاركة في وضع ميزانية الأسرة، وتعريفها بما يحتاجه البيت، وما يمكن الاستغناء عنه، والمشاركة في شراء احتياجات البيت وكذلك التدرب على التعامل مع البائعين والأفراد خارج نطاق الأسرة، مشيرًا إلأى أهمية تعليم الأبناء بشكل عام كيفية إدارة الميزانية وضرورة استخراج العشور في البداية، ثم بعدها تسديد ما على الأسرة للدولة من فواتير كهرباء وغاز ومياه، وماذا يجب أن يٌفعل في حالة زيادة هذه الفواتير عن معدلاتها الطبيعية والتدريب على ترشيد الاستهلاك؟.
وبيّن “نعيم” أن مشاركة الأبناء في إدارة ميزانية البيت يبدأ بتعليمهم كيفية إدارة مصروفهم الشخصي، الذي نصح بأن يكون مصروف أسبوعي في المراحل الابتدائية والإعدادية، ومصروف شهري في المرحلة الثانوية والجامعية، والتأكيد لهم على أهمية شراء الاحتياجات الرئيسية في البداية، ثم بعدها الرفاهيات.
ونصح “نعيم” الأهل بتنمية ثقافة الاختيار لدى طفلتهم، مشيرًا إلى أن ذلك يبدأ بتدريب الأم لها على اختيار ملابسها، مؤكدًا ضرورة عدم فرض الأم عليها ملابس معينة، بل يجب أن تتدرب على ما يجب أن ترتديه وما يناسب مجتمعها، وكذلك المكان الذي تذهب إليه، لأن ما يجب أن ترتديه البنت في النادي لا يصلح للكنيسة، وما يصلح في مناسبة أو فرح لا يصلح لزيارة عائلية، لافتًا إلى أن الفتاة التي تٌحسن اختيار ملابسها، وهي طفلة ستتعلم اختيار كل شيء في حياتها بعد ذلك، خصوصًا أهم اختيار في حياتها وهو زوجها.
وأيضًا أكد “نعيم”، أهمية تدريب الفتاة في بيت أبيها على كيفية صناعة القرارات، ولا يجد “نعيم” مانع أن تشرك الأسرة أبنائها في اختيار مكان التنزه والمصيف دون الخروج عن الميزانية التي يقرها الوالدين، موضحًا أن الفتاة التي لم تتمرس على الاشتراك في صناعة بعض القرارات في بيت ابيها، عندما تتزوج يحدث لها شيء من اثنين إما أن تنسحب وتترك لزوجها صناعة قرارات البيت أو أن تتشبث برأيها في كل شيء وتصبح عنيدة وتحاول فرض سيطرتها في كل القرارات.
مدارس الأحد ودورها بجانب الأسرة
و قالت مريم عماد، خادمة بالمرحلة الاعدادية بكنيسة القديسة دميانة بالهرم: إن خدمة البنات ممتعة ونحن لا نجد صعوبة في التعامل مع الفتيات، رغم أن المرحلة الاعدادية تعتبر أول سن المراهقة، لكننا نسعى أن نتعامل مع الفتيات كأنهن أصدقائنا، كما تتعامل أمهاتهن معهن في المنزل.
وأضافت: كلنا نستمع إلى مشاكلهن ونقدم لهن النصيحة بدون إجبار وهذه خطوة جيدة لكي نقترب من البنات حتى لا يقعن في مشكلات وسط العالم.
وأشارت “مريم”، إلى أنه يوجد فقرات في الخدمة تركز على تقديم معلومات عديدة عن كيفية تصرف البنت حين تشعر أنها في خطر، وكيف تتعامل مع من حولها سواء كانوا أولاد أو بنات، كما تهتم الخدمة بتقديم فقرة لتعليم الأتيكيت، مشيرة إلى أن هذه الفقرة تعلم فيها البنات شكل الوقفة الصحيحة، وشكل الجلوس، والعديد من المعلومات الأخلاقية التي تحتاجها البنات في تلك الفترة العمرية.
وأكملت: الكنيسة تهتم أيضًا بالحياة الروحية للبنت، عن طريق تعريفها بكل تفاصيل دينها، حتى تكون على وعي كافي روحيًا.
ومن هنا، تكبر البنت معنا تدريجيًا بجرعات إرشادية على حسب سنها في كل المجالات لتعدها أن تواجه الحياة وتكون مسلحة بما تعلمته عبر السنوات، سواء في المنزل وسط أهلها أو في الكنيسة مع خادماتها.
وتابعت الخادمة قائلة: وفي بعض الأحيان ونحن نتابع الفتيات عن قرب قد نحتاج مساعدة الأهل في حالات خاصة تحتاج تقويم بطرق خاصة، فنحن نحرص كخادمات على مقابلة بعض الفتيات المتمردات، وذوي الشخصية القوية، وهذه النوعية بيكون التعامل معها صعب جدًا لأن الواحدة منهن لا تقبل أي نصيحة، أو ربما تستمع للنصيحة وتفعل عكسها تماماً، وهؤلاء الفتيات لا تأتي بالشدة، لذلك يجب التعامل معهن بسياسة ومرونة حتى يتقبلن ويتعلمن ويقتنعن بما يليق من تصرفات، وهذا بالطبع يأخذ وقت حتى تدرك البنت إنها يجب أن تغير بعض الزوايا في تصرفاتها حتى تصبح فتاة موزونة ويتقبلها المجتمع من حولها.
المدرسة وتقويم السلوك وزرع القيم
وقالت أسماء محمد الأخصائية الاجتماعية بمدرسة النيل للغات: إن المدرسة تعد من أهم وسائل تربية الفتيات، وبالأخص فى المرحلة الاعدادية والثانوية لأنهم أصعب مراحل العمر البنات، مشيرة إلى أن الأخصائية الاجتماعية عندما تجد فتاة ذات سلوك منحرف أو متمرد عليها أن تطلب استدعاء ولي الأمر لمناقشته حتى نجد حلول معه، كما أشارت إلى أن المدارس تشارك حاليًا في مبادر “احمي نفسك”، وهي تقدم عن الأخصائية اجتماعية التي تذهب للفصول وتشرح كيف تحمي الفتاة نفسها من أي تحرش جنسي أو لفظي، كما يتم تدريب الفتيات على بعض الحركات الدفاعية البسيطة.
كما أوضحت أنه يوجد ضمن الكتب الدراسة حاليًا كتاب باسم “القيم”، وهذا كتاب للتوعية بكيفية التعامل مع الحياة بصفة عامة عن المبادئ التي يجب ألا تتغير مثل العادات والتقاليد التي عاش عليها أجدادنا، ويجب أن نتعايش معها فى مجتمعنا، مشيرة إلى أن الكتاب يدرس بشكل بسيط وحضاري حتى يستطيع الطلاب بجميع المراحل معرفة العادات والتقاليد المصرية.