عندما بلغت فرانسيسكا 20 عاما، تلقت هي وشريكها الأخبار السارة بأنها حامل في طفلهما الأول. وخلال الفحوصات الروتينية، تبيّن أنها مصابة بفيروس الإيدز، واتخذت فرانسيسكا جميع التدابير المناسبة لتقليل مخاطر انتقال الفيروس إلى الجنين، فأنجبت طفلا يتمتع بصحة جيدة وغير مصاب في نوفمبر 2002. لكن، في اليوم التالي للولادة القيصيرية، تلقت فرانسيسكا الأخبار المفجعة بأن الجرّاح المناوب، في مستشفر القرية التي تقطنها بتشيلي، قرر تعقيمها “سُلبت القدرة على الإنجاب ” أثناء الولادة، دون موافقتها. وفي عام 2009، رفع مركز الحقوق الإنجابية والمنظمة الشيلية “بيبو بوسيتيفو” قضية فرانسيسكا إلى لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان. كانت القضية جزءا من توثيق لقصص نساء من شيلي متعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية اللاتي تم الضغط عليهن في كثير من الأحيان كي لا يحملن، وللخضوع لعملية تعقيم جراحية.
ومن بين القصص الموثقة الأخرى، قصة دانييلا، قيل لها إنها بعد الولادة لن تستطيع عناق أو تقبيل طفلها حديث الولادة لأنها ستنقل فيروس نقص المناعة البشرية إليه. وقالت في مقابلات إنها فهمت الآن ما الذي يعنيه التمييز. انها ليست قصة دانييلا فقط ولا فرانسيسكا فقط، وإنما قصة كل النساء المتعايشات مع الإيدز.
لكن فرانسيسكا مضت عقداً كاملاً في الدفاع عن حقها في الانجاب، وتدّخل برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية- الإيدز- في هذه القضية كطرف ثالث يُستأنس برأيه في المحكمة، وأبلغت لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بشأن المبادئ التوجيهية الصحية ومعايير حقوق الإنسان التي يجب على كل دولة اتباعها لاحترام وحماية وضمان حقوق الإنسان للأشخاص المتعايشين مع الإيدز.
وبعد أكثر من عقد من التقاضي الدولي، وبعد أن درست لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان القضية، تم توقيع اتفاق تسوية ودية مع دولة شيلي، قبلت من خلاله الحكومة بتحمل المسؤولية والتزمت بمعالجة الانتهاكات واتخاذ الإجراءات لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال.
بعد نجاح فرانسيسكا واللجنة الدولية الأمريكية من الوصول للتسوية والإعتذار، رحب برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية-الإيدز باعتذار شيلي العلني عن تعقيم نساء متعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية بدون موافقتهن، حيث أعترفت الحكومة بالمسؤولية الدولية في قضية رمزية نظرت بانتهاك حقوق النساء المتعايشات مع الإيدز.
وأصدر رئيس شيلي، غابرايال بوريك، إعتذارا علنيا كجزء من تسوية نتجت عن قضية رفعتها سيّدة تُدعى فرانسيسكا أمام لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان ضد الدولة الشيلية.
وقالت لويزا كابال، مديرة فريق الدعم الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS) لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إن هذا الأعتراف يعوّض “مسيرة دامت لأكثر من 10 سنوات لكل من فرانسيسكا والمنظمات التي رافقتها، في سعيها لتحقيق العدالة.”
من جانبها، قالت ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لـ UNAIDS: “تعتبر هذه التسوية لحظة مهمة للنساء حول العالم اللاتي ناضلن لعقود من أجل العدالة الإنجابية. التعقيم القسري للنساء المتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية هو انتهاك لأبسط حقوق المرأة الإنسانية.”
وأشارت المديرة التنفيذية لـ UNAIDS إلى أنه “للأسف، لا تزال هذه الممارسة تحدث في العديد من البلدان ويجب تكثيف الجهود لوقفها وتحقيق العدالة للمزيد من النساء.”
وفي حدث رسمي بُثّ مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، قال رئيس شيلي: “أود أن أبدأ بالاعتذار إلى فرانسيسكا، وكما أفهم هي تجلس على الجانب الآخر من الكاميرا، عن الانتهاك الجسيم لحقوقك وأيضا عن إنكار العدالة وكل الوقت الذي انتظرتِه.”
وتعهد بعدم تكرار حدوث ذلك لأي امرأة أخرى. وقال: “سنعطي أفضل ما لدى كل منا كسلطات حتى لا يحدث شيء من هذا القبيل مرة أخرى، وبالتأكيد حتى في الحالات التي أرتكبت فيها هذه الفظائع بالفعل، سيتم تعويضها بشكل صحيح.”
تأتي هذه التسوية بعد سنوات من الجهود التي بُذلت أمام لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بعد أن فشلت شكاوى سابقة داخل نظام العدالة الشيليّ.
وقالت كارمن مارتينيز، المديرة المعاونة للأستراتيجيات القانونية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لمركز الحقوق الإنجابية وهي تقرأ كلمات فرانسيسكا: “حتى يومنا هذا، لا يزال الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية يُنظر إليهم بازدراء كما لو كنا نحن من قرر الإصابة بالعدوى. ومع ذلك، أريد أن أؤمن عن اقتناع بأن هذا سيتغيّر.”
الوصم والعار يمثلان حواجز كبيرة
وبحسب برنامج الأمم المتحدة المشترك، فإن للوصم والتمييز المرتبطين بفيروس نقص المناعة البشرية تأثيرا كبيرا على صحة ورفاهية الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية أو المعرّضين لخطر الإصابة به.، ويواصل برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية العمل يوميا لضمان أن تستثمر الحكومات في منع الانتهاكات المرتبطة بأشكال التمييز متعدد الجوانب التي يتعرّض لها المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية والاستجابة لها.