هل يحتاج العالم إلى بديل عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ اعتقد أن هذا السؤال كان لابد أنْ يُسأل عام 1971، بعد صدمة نيكسون Nixon shock، عندما أعلن الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، أن الولايات المتحدة طبعت في العديد من المرات دولارات من دون وجود غطاء للذهب. ولفهم تلك الحادثة يجب أن نعود قليلًا إلى الوراء.
قبل عام 1944 كان يتم ربط قيمة عملة أي دولة بالذهب، حيث كانت كل دولة تطبع عملتها بقيمة ماتمتلكه من ذهب، وكان هذا النظام يسمح بالاستقرار الاقتصادي للأنظمة والدول. وبعد الحرب العالمية الأولى وخلال الحرب العالمية الثانية، تم انهاك دول أوروبا اقتصاديًا، فتم الاتفاق بين دول أوروبا والولايات المتحدة عام 1944 بربط قيمة العملات بالدولار الأمريكي والذي كان، حينها، ذو سعر ثابت؛ وهو 35 دولار لأونصة الذهب. أُعْلِنَ أن الهدف من ذلك هو ضمان استقرار سعر الصرف ومنع التخفيضات التنافسية وتعزيز النمو الاقتصادي. لأن دول أوروبا كانت مهددة في ذلك الوقت –في حال إبقاء ربط العملة بالذهب- بمواجهة عقبات في الإقراض والتجارة الدولية والمدفوعات.
ولكن مع دخول الولايات المتحدة في العديد من الحروب أبرزها الحرب الكورية فيما بين 1950 و1953 ثم حرب فيتنام والتي بدأت عام 1955 وانتهت عام 1975. احتاجت الولايات المتحدة لطباعة دولارات من دون غطاء ذهب لتضمن استمرار اقتصادها. وأعلن ريتشارد نيكسون أنه طبّق العديد من “الإصلاحات” على نظام بريتون وودز لتنتهي عام 1973 باستبدال نظام بريتون وودز بتعويم العملات الورقية الذي يعتمد على عرض وطلب تلك العملات. وقد نتج عن ذلك النظام ظهور مايسمى بالتضخم والكساد، الذي باتت تعاني منه العديد من الدول.
وهنا لابد من تحليل الحادثتين، لقد قامت تلك الدول (تحديدًا 44 دولة ) لتغيير النظام الاقتصادي العالمي انقاذًا لاقتصادهم، متجاهلين سائر الدول، ثم تخلت الولايات المتحدة بمفردها –متجاهلة العالم كله- عن هذا النظام انقاذًا لاقتصادها، ضاربة العديد من الاقتصادات بالمشاكل.
ومن هنا؛ كان يجب أن نفهم أن الارتباط بالولايات المتحدة، أو الارتماء في احضانها، لن يجدي نفعًا، بل قد يكون ضارًا في أي وقت قادتها يشاؤونه. بل كان يجب أنْ نعي حينذاك أنّ تحجيمها هو الحل الأمثل للاستقرار العالمي.
وبالتالي، فإن تغيير النظام العالمي من القطب الأوحد (الولايات المتحدة الأمريكية) إلى النظام العالمي المتعدد الاقطاب، ضرورة لأن يحيا أي انسان على هذا العالم بكرامة واستقرار.
والآن؛ فمنذ الفرض الأمريكي لنظام تعويم العملات، قامت الولايات المتحدة بالعديد من الخروقات، مثل احتلالها للعراق وافغانستان، ودعمها الغير مشروط للاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية ودعم الأخوان المسلمين، فضلًا عن فرضها لعقوبات على دول كوبا وفنزويلا وروسيا، بينما تريد تلك الدول –فقط- بناء نفسها والحياة بسلام.
ولذلك، فإن بقاء تلك الدولة مهيمنة على العالم لهو خطر كبير على أي دولة أخرى على هذا الكوكب، وقد ألمحت في مقالي “خواطر عن المركزية الأفريقية” احتمالية وجود خطر على دولتنا، مصر، في حال أن قام المنتمون إلى ذلك التيار المضلل من الوصول إلى مراكز صنع القرار في دولة كالولايات المتحدة الأمريكية أو التأثير عليهم.
ولهذا فإن دعم أي مشروع سياسي يضمن وجود العديد من الأقطاب على سدة هذا العالم هي ضرورية لضمان الاستقرار العالمي.