ـ هذا العالم الذي يحب الظلمة جاء الرب لكي يخلصه من ظلمته.
إلي خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يو ـ:11) ـ وعدم قبولهم له معناه أنهم هلكوا والرب جاء يطلب ويخلص ما قد هلك, رفضهم له, أكان يعني أنه هو يرفضهم بل علي العكس يسعي إليهم لكي يخلصهم من ذلك الرفض لأنه يريد أن الجميع يخلصون, وإلي معرفة الحق يقبلون (1تي 2:4).
كذلك جاء يطلب الوثنيين الذين يعبدون آلهة أخري غيره هم لا يعرفونه, ولكنه يعرفهم ويعرف ضياعهم وقد جاء لكي يطلبهم النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه. (يو 1:5), ولكنه لم يتركهم بسبب عدم إدراكهم له, إنما جاء ليعطيهم علم معرفته, وقد قال عن كل هؤلاء ولي خراف آخر, ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي, وتكون رعية واحدة لراع واحد (يو 10:16).
ما أكثر ما احتمل الرب لكي يخلص ما قد هلك.
لست أقصد فقط ما احتمله علي الصليب, ولكني أقصد أيضا ما احتمله أثناء كرازته من الذين رفضوه حتي من خاصته التي لم تقبله! حقا ما أعجب هذا: أن يأتي شخص ليخلصك فترفضه وترفض خلاصه! ومع ذلك يصر علي تخليصه لك!! وحتي الذين أغلقوا أبوابهم في وجهه صبر عليهم حتي خلصهم.
كان في محبته وفي طول أناته لا ييأس من أحد ويفتح باب الخلاص أمام الكل فهو يمنح الرجاء حتي للأيدي المسترخية وللركب المخلعة (عب 12:13).
قصبة مرضوضة لا يقصف, وفتيلة مدخنة لا يطفئ (مت 12:20).
جاء ليخلص الكل والكل كانوا مرضي وضعفاء وخطاة ومحتاجين إليه وهو قد قال لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي ما جئت لأدعو أبرارا بل خطاة إلي التوبة (مر 2:17).
من أجل هذا لم يجد المسيح غضاضة أن يحضر ولائم الخطاة والعشارين ويجالسهم ويأكل معهم ويجتذبهم إليه بالحب ويقول للمرأة التي ضبطت في ذات الفعل وأنا أيضا لا أدينك (يو 8:11) فما جاء ليدينها بل ليخلصها.
وهكذا قيل عنه أنه محب للعشارين والخطاة (متي 11:19).
بل أنه جعل أحد هؤلاء العشارين رسولا من الاثني عشر (مت10).
واجتذب زكا رئيس العشارين إلي التوبة ودخل بيته لكي يخلصه هو وأهل بيته وقال اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت إذ هو أيضا ابن لإبراهيم (لو19:9).
فتذمروا عليه قائلين: إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ, ولكنه كان يطلب ويخلص ما قد هلك.
إنه لم يحتقر الخطاة مطلقا, فالاحتقار لا يخلصهم! إنما يخلصهم الحب والاهتمام والرعاية والافتقاد والعلاج المناسب العالم كله, كان في أيام المسيح قصبة مرضوضة وفتيلة مدخنة فهل لو فسد العالم وهلك يتخلي عنه الرب؟! كلا بل يخلصه حتي لو فقد صوابه, فالرب لا يحتقره بل يعيده إلي صوابه.
حتي الذين قالوا أصلبه أصلبه لم يمنع الخلاص عنهم بل قال للآب ـ وهو علي الصليب ـ يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو 23:34) قال هذا لأنه كان يطلب ويخلص ما قد هلك ولهذا فتح باب الفردوس للص المصلوب معه.
لم يكن ينظر إلي خطايا الناس بل إلي محبته لهم.
لم ينظر إلي تعدياتنا وإنما إلي مغفرته التي لاتحد, أما تعدياتنا فقد جاء ليمحوها بدمه وحينما كان ينظر إليها كان يري فيها ضعفنا, ولذلك قال له المرتل إن كنت للآثام راصدا يارب من يثبت؟! لأن من عندك المغفرة (مز 13).
لاحظ أن الرب في تخليصه لنا إنما يغفر لمن أساء إليه, فالذي هلك هو إنسان خاطئ قد أساء إلي الله والرب جاء لكي يطلب خلاصه..!! ما أكثر الملايين وآلاف الملايين الذين عاملهم الرب هكذا بكل صبر وطول أناة حتي تابوا وخلصوا إذ اقتادهم بلطفه إلي التوبة (رو 2:4).
كثيرون سعي الرب إليهم دون أن يفكروا هم في خلاصهم.
وضرب مثالين لذلك الخروف الضال والدرهم المفقود (لو 15).
ومثال ذلك أيضا الذين يقف بأبوابهم ويقرع لكي يفتحوا له (رؤ3:20) وكذلك الأمم الذين ما كانوا يسعون إلي الخلاص, ولكن السيد المسيح جاء ليخلصهم ويفتح لهم باب الإيمان ويقول لعبده بولس اذهب فإني سأرسلك بعيدا إلي الأمم (أع 22:21).
وكانت وسائل السيد المسيح لأجل خلاص الناس كثيرة منها التعليم فكان يعظ ويكرز ويشرح للناس الطريق السليم.
كذلك استخدم أسلوب القدوة الصالحة وترك للناس مثالا (1يو 2:6) واستخدم أسلوب الحب وطول الأناة, والصبر علي النفوس حتي تتضح كما استخدم الاتضاع والهدوء والوداعة.
وأخيرا بذل ذاته ومات عن غيره حاملا خطايا الكل.