ديوك الحاج نعمان, هو اسم المسرحية التي قدمتها فرقة المسرح الحر -مسرح العرب والتي أسسها الفنان ياسين رياض عام 2016 وهذا هو العرض المسرحي السادس للفرقة.
ولإيمان الفنان ياسين رياض بأن المسرح مرآة لحال المجتمع وأن للفن رسالة تنويرية فنية سامية يمكن أن تساعد في تحقيق حلم السعي لحياة أفضل تقوم علي العدل والعدالة لاعلي التحكم والظلم والقهر جاءت مسرحيته الأخيرة ديوك الحاج نعمان في هذا الإطار وهي من تأليفه وإخراجه, وشارك أيضا بالتمثيل بها فهو علي قدر من الموهبة التمثيلية ويتميز بالحضور علي المسرح.
استضافت جمعية مصر الجديدة العرض المسرحي إيمانا منها بدور الشباب والشابات في إثراء الحركة الفنية وتنوعها, ووسط حضور جماهيري كبير بدأت السهرة بتقليد استنته الفرقة وهو تكريم عدد من الفنانين الراحلين وأيضا من الذين يحيون بيننا وأثروا الحياة الفنية في المسرح والسينما والدراما وكانوا روادا أفنوا حياتهم في الفن وشكلوا وجداننا, لذا كان لابد من رد الجميل لهم كما يقول مؤسس الفرقة رياض ياسين بتكريمهم وإلقاء الضوء علي تاريخهم وتراثهم الفني.
يقوم ياسين رياض بتدريب عدد كبير من الموهوبين الذين يقفون علي خشبة المسرح للمرة الأولي ويقدم بهم عرضا مسرحيا في نهاية التدريب تتويجا لمجهوداتهم, ولقد قدمت الفرقة عددا من العروض منها حسن ونميمة, وأيوب في زمن الضياع, ولعلكم تتذكرون.
تم إهداء هذه الدورة المسرحية للفنان القدير الراحل حسن البارودي, وتسلم درع التكريم دكتور أشرف حسن البارودي, كما تم تكريم الراحل العملاق توفيق الدقن وتسلم درع التكريم المستشار ماضي توفيق الدقن رئيس جمعية أبناء فناني مصر, كما تم تكريم الفنان العبقري الموسيقار الملحن والموزع علي إسماعيل وسط ترحيب كبير من الجمهور وتسلمت درع التكريم السيدة شجون علي إسماعيل التي تحدثت عن عشقه للموسيقي وإخلاصه لفنه, وتسلمت السيدة سناء إبراهيم الشامي درع التكريم الخاص بوالدها الممثل الرائع إبراهيم الشامي.
ومن الذين تم تكريمهم أيضا الفنان نعيم عيسي ابن الإسكندرية والذي أثري المسرح والسينما بأعماله الفنية ومن أشهرها دور المعلم جميل تاجر القماش في مسرحية ريا وسكينة, ومن أفلامه المتسول, والباشا تلميذ, ومن فينا الحرامي, وتسلم الجائزة نيابة عنه (لمرضه) الابن سامي نعيم عيسي, كما تم تكريم عدد من الفنانين والفنانات من الأجيال الشابة.
واسمحوا لي بالإشارة إلي أنني من جيل تشكل وجدانه الفني علي يد هؤلاء العمالقة ومنهم الموسيقار علي إسماعيل الذي ألهب حماسنا ووجداننا بالعديد من الألحان والتوزيع الموسيقي, وهل أحد منا ينسي الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا في فيلم الأرض, أو ينسي رايحين شايلين في إيدنا سلاح راجعين راجعين رافعين رايات النصر, أو أغاني فيلم إجازة نص السنة لفرقة رضا.
واختتم الجزء الأول من السهرة بتقديم عدد من مشاهد الفيلم الرائع الكيت كات عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان وإخراج القدير داوود عبدالسيد وتمثيل العملاق الراحل محمود عبدالعزيز في دور الشيخ حسني الضرير الذي أثبت لنا أن العمي ليس عمي البصر ولكنه عمي البصيرة وقام بتمثيل دور الشيخ حسني علي المسرح ياسين رياض بأداء متمكن ومتميز.
وننتقل للجزء الثاني من السهرة ونبدأ مع ديوك الحاج نعمان ومع أهالي عزبة الحاج نعمان صاحب العزبة والجاه والمال, والذي يتحكم ويسيطر علي كل شيء في العزبة ويستبيح الحصول علي ما لا يستحقه بإجبار زوجاته الثلاث (رحاب دياب, وهاجر عطا, وعبير سامي) بالتنازل له عن ميراثهن من الأرض التي ورثوها عن أهلهم بل وتنازل إخوته الاثنين (عمرو محمد وعمرو رجب) أيضا عن ميراثهما, ويصل الطمع والجشع والجبروت بإجبار الفلاحين الصغار بالتنازل له عن أراضيهم التي هي مصدر رزقهم ورزق أولادهم من بعدهم بمبالغ زهيدة للغاية وعندما رفض عدد كبير من الفلاحين التنازل وبيع الأرض استخدم كل الطرق الإجرامية ضدهم من تعطيش الزرع والأرض لحرق المحاصيل وتسميم المواشي وذلك بمساعدة يده اليمني الحاج حسانين (عيد أبوالحمد) الذي ينفذ كل الجرائم وبمساعدة النفوس الضعيفة وسط تزايد سخط أهل القرية وسخط زوجاته التي تردد (إزاي تشبع بطون والزراعة ماتت يا ظالم كفاية قسوة علينا).
وفي مشهد جميل من مشاهد المسرحية نكتشف الديوك الذين هم وراء الاتفاق مع الحاج نعمان علي شراء الأرض وبالطبع مقابل عمولة كبيرة للحاج هؤلاء الديوك هم المستثمرون الجدد الذين يستولون علي الأرض الزراعية لتجريفها وبناء الأبراج عليها بجانب بناء مدينة ملاهي كبيرة, ولا يكتفي الديوك بذلك ولكن لابد من الجاه والترشح للانتخابات للمجالس النيابية عن دائرة عزبة الحاج نعمان, وبالطبع يضمن لهم الحاج أصوات الغلابة ويفوزون بمقاعد المجلس.
وفي مشهد شبيه بمشهد رجوع الأرض للفلاحين والانتصار لهم في فيلم الزوجة الثانية للعباقرة والعمالقة الرائع صلاح أبوسيف (الإخراج) والكاتب سعد الدين وهبة (السيناريو) ومحمد مصطفي سامي (الحوار), نجد زوجة الحاج نعمان التي تقف ضد الظلم وتقوم برد عقود الأرض للفلاحين, وعندما يكتشف الديوك أن صفقة الاستيلاء علي الأرض لن تتم يقومون بقتل الحاج نعمان, وفي المشهد الأخير نجد مساعده الحاج حسانين يتقدم ويتربع علي عرش دار الحاج نعمان.
وفي الوقت الذي أقدم فيه تحية للفنان ياسين رمضان علي أدائه المتميز لدور الحاج نعمان وعلي هذه السهرة الفنية الممتعة أقدم بعض الملاحظات وهي أنه كان هناك تكرار لعدد من المشاهد للتأكيد علي نفس المعني وباختصار هذه المشاهد والحوارات الطويلة سيتمكن الجمهور من المتابعة دون الإحساس بالملل, وأيضا سيتحسن الإيقاع المسرحي ليصبح أسرع بدلا من البطء الذي أصاب بعض المشاهد, وبالنسبة للديكور كان موفقا في بساطته حتي يمكن عرض المسرحية في العديد من الأماكن دون عبء الديكورات الكبيرة والكثيرة, ولكن الخامات التي تم تصنيع الديكور منها خامات ثقيلة مما أدي إلي إظلام المسرح لفترات كبيرة لتحريك الديكور.
كل التحية لفريق العمل من الفنانات والفنانين الذين يتمتعون بالحضور المسرحي القوي والأداء المتميز والمعبر, والتحية لفناني المستقبل من الأطفال الذين أدوا أدوار بنات وأولاد الحاج نعمان بكل حيوية ووعي لأدوارهم, وتحية للماكيير صمويل أنطون.
إننا في حاجة إلي نشر ثقافة التنوير والإبداع في كل أنحاء بلدنا ونحتاج لعودة المسرح المدرسي ودعم مسارح الهواة والجامعة والشباب وضخ الميزانيات لإعطاء دفعة لكل مسارح الدولة في البيت الفني للمسرح والهيئة العامة لقصور الثقافة ونتمني أن تضاء قاعات المسارح طوال أيام السنة.