منذ أن استولت حركة طالبان على السلطة في أفغانستان الشهر الماضي، قدمت بعض الالتزامات لدعم حقوق الإنسان. غير أن أفعالها اللاحقة “تناقضت للأسف” مع تلك الوعود، هذا ما أكدته المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين. في الاجتماع الوزاري، الذي نظمته إيطاليا والعديد من الدول والمنظمات الأخرى، لتقييم الوضع ، والوقوف على التحديات والمخاطر الرئيسية التي تواجه النساء والفتيات الأفغانيات حالياً، من أجل تحديد كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يلبي احتياجاتهن الفورية، ومتوسطة المدى.وتطرق الاجتماع الى كيفية حماية الإنجازات المحققة خلال العقدين الماضيين والتي شهدت تضاعف معدل محو الأمية لدى النساء الأفغانيات بثلاث مرات وزيادة متوسط العمر المتوقع لديهن بمقدار 9 سنوات.
وقالت ميشيل باتشيليت في الحدث رفيع المستوى: “استبعدت النساء تدريجياً من المجال العام، ومُنعن من الظهور بدون ولي أمر ذكر، ويواجهن قيودًا متزايدة على حقهن في العمل.الوزارة التي كانت تعزز حقوق المرأة ذات يوم تم حلها، واستولت على مقرها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مكتب من الرجال فقط سيطبق إرشادات بشأن اللباس والسلوك المناسبين، علاوة على ذلك، قام ممثلو طالبان بتفكيك العديد من المكاتب الحكومية السابقة لشؤون المرأة، والوصول إلى الملفات الحساسة، وتهديد الموظفين، واتهام مجموعات المجتمع المدني النسائية بنشر أفكار “معادية للإسلام”.
وقالت المفوضة السامية: “هناك خوف حقيقي وملموس بين النساء الأفغانيات من العودة إلى قمع طالبان الوحشي والمنهجي للنساء والفتيات الذي وقع خلال التسعينيات”.
عواقب وخيمة
وفي الوقت نفسه، فإن الأزمة الإنسانية المتزايدة في جميع أنحاء البلاد تعرض مليون طفل لخطر الجوع الشديد، وهناك عائلات تعولها نساء – معظمهن لم يعد بإمكانهن العمل – وهن الأكثر عرضة للخطر.على مدى السنوات العشرين الماضية، عملت النساء الأفغانيات من أجل ضمان قدر أكبر من الاحترام والحماية لحقوقهن في التعليم والعمل والمشاركة السياسية وحرية الحركة والتعبير.
في هذا الصدد أكدت باشيليت أن “هذه الحقوق جزء من تطور المجتمع الأفغاني وهي جزء لا يتجزأ من التنمية والنمو الاقتصادي في أفغانستان، بما أن النساء والفتيات يشكلن نصف سكان أفغانستان، فإن البلاد ستستفيد من خلال الاستفادة من مواهبهن وقدراتهن.
وقالت المفوضة السامية إنه “أولاً وقبل كل شيء”، يجب أن تتمتع النساء والفتيات بإمكانية الوصول الكامل والمتساوي إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم؛ وأن يكن قادرات على العمل في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد؛ وأن يتمتعن بحرية الحركة دون قيود؛ وأن يعشن دون خوف من التعرض لكافة أشكال العنف المرتبط بنوع الجنس.باختصار، يجب دعم حقوق الإنسان للنساء والفتيات الأفغانيات والدفاع عنها”.
شددت باشيليت على أن يلتزم المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها، عند التعامل مع طالبان، “بالمناصرة القوية التي تتطلب الامتثال لهذه المتطلبات الأساسية لأي مجتمع منصف وعادل”.وقالت: “إن احترام حقوق النساء والفتيات في أفغانستان الآن سيكون نذيرا لمستقبل البلاد. إنهن يواجهن تحديات استثنائية – وسنظل إلى جانبهن”.
وحددت هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، خلال الاجتماع، بعض أوجه التقدم في البلاد، من مضاعفة عدد المدارس ثلاث مرات منذ عام 2002 إلى زيادة محو أمية الشباب من 47 إلى 65 في المائة خلال العقد الماضي.
وقالت: “على مدى السنوات العشرين الماضية، زاد الالتحاق بالمدارس عشرة أضعاف، حيث وصل إلى (التعليم) اليوم ما يقرب من 10 ملايين طفل. أربعة ملايين من هؤلاء الأطفال الفتيات”، كما قالت، واصفة ذلك بـ” التحسينات المهمة”.
ولكن في الآونة الأخيرة، مُنعت الفتيات فوق سن 12 عاما من الالتحاق بالمدارس – حيث تم فصل الجنسين على المستوى الجامعي ومنع الطالبات من التعلم من قبل الأساتذة الذكور الذين يشكلون غالبية المعلمين.و شددت مديرة اليونيسف على أنه من “المهم للغاية” أن يحصل الأطفال الأفغان على “فرصة متساوية لتعلم وتطوير المهارات التي يحتاجون إليها للنمو”.
من جانبها قالت الناشطة ومغنية الراب الأفغانية سونيتا علي زاده، التي هربت من الزواج القسري وهي في سن السادسة عشرة: “لا تنخدعوا بالأقنعة التي يرتديها الطالبان أمام وسائل الإعلام، ففي شهر واحد فقط انتهكت طالبان المواد الثلاثين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وملأت السجون المفرغة من القتلة والمغتصبين بالمطربين والرسامين والمترجمين والصحفيين والمدرسين”.
ودعت سونيتا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خمسة إجراءات، وهي: عدم الاعتراف بطالبان؛ وضمان حقوق النساء والأطفال؛ وضمان وصول الشعب الأفغاني إلى الإنترنت؛ ودعوة المزيد من الأفغان للجلوس على طاولة صنع القرارات؛ وضمان تعليم الفتيات “وإلا فإن أغسطس 2021 سيكون بداية لجيل جديد من الأمية والفقر”.
وحذرت الناشطة: “تذكروا بالأمس أن طالبان منعت النساء من العمل إلا في تنظيف حمامات النساء. اليوم منعوا الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وغدا سيحاولون إغلاق الإنترنت حتى لا يتمكن الشعب الأفغاني من الوصول إليه وحتى لا يسمع العالم صرخات الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن للاختطاف.”
اختتم سونيتا كلمتها بالقول: “يبدو أننا جميعا نعرف ما يجب القيام به. لكن السؤال هو من سيقوم بذلك اليوم؟”