تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية، اليوم الأحد، بتذكار نقل أعضاء القديس يوحنا ذهبي الفم من بلدة قومانه التي تنيح منفيًا بها إلى مدينة القسطنطينية بعد نياحته بثلاثين سنة، وذلك في سنة 437 ميلادية في أيام الملك ثاؤدسيوس الصغير.
فبعدما رقد القدّيس يوحنا الذهبي الفم في منفاه في كومانا الكبّادوكية، و توفي الإمبراطور البيزنطي أركاديوس وزوجته أودكسيا واعتلى العرش ثيودوسيوس الصغير، كانت
الإمبراطورة أودكسيا وراء نفي القدّيس يوحنا الذهبي الفم إلى تلك الأصقاع.
بعد ذلك أخذ أتباع القدّيس وأنصاره يستعيدون كراسيهم واعتبارهم بصورة تدريجية، وكان البطريرك الإسكندري ثيوفيلوس الإسكندري واقفا لهم بالمرصاد وأبقى، هو وأتباعه، الوضع مشدوداً، أولاً لمناهضته للقدّيس يوحنا، وبالتالي لمن ينتمي إليه، وثانياً محاولة منه للاستئثار بكلمة الفصل في شؤون الكرسي القسطنطيني.
حالة التضاد هذه دامت إلى أن تولّى سدة البطريركية القسطنطينية بروكلس الذي كان أحد تلامذة القديس الذهبي الفم. وقد تمكّن القدّيس بروكلس من إقناع الإمبراطور بصوابية استقدام رفات معلّمه إلى القسطنطينية من كومانا.
استحالة نقل الرفات ورسالة الاعتذار:
فلما خرج المرسلون والجنود إلى هناك لنقل الرفات واجهتهم مشكلة لم يتمكّنوا من معالجتها. بدا كأن النعش ملتصق بالأرض، تعذّرت زحزحته رغم كل المحاولات. كأنما القدّيس أبي أن يغادر المكان.
ولم يلبث الأمبراطور ثيودوسيوس الصغير، أن شعر أنه هو السبب وأن الذهبي الفم غير راض عنه لأنّه لم يبد عن والديه لا توبة ولا اتضاعاً كافيين. لذا لجأ إلى أسلوب كان القدامى يتبعونه، فيما يبدو، تعبيراً عن توبتهم وحسن نواياهم حيال الراقدين، فكتب رسالة إلى القدّيس يوحنا، كما لو كان حيّاً في الجسد، سأله فيها العفو والمسامحة لما اقترفه والداه حياله ورجاه أن يقبل العودة إلى المدينة المتملّكة لسرور وعزاء الكثيرين من الذين طال انتظارهم له بشوق كبير.
فلما حمل الموفدون الرسالة ووضعوها على صدر القدّيس انحلّت المشكلة وتزحزح النعش فأمكن نقله إلى القسطنطينية بسهولة.
انحراف السفينة:
نقل النعش من كومانا بإكرام عظيم. فلما بلغ الموكب خلقيدونية، غطّى الشعب المياه الفاصلة بين خلقيدونية والمدينة المتملّكة في مراكب مزيّنة ومضاءة بالمشاعل حتى بدت كأنها اليابسة، فجأة هبّت عاصفة هوجاء اربكت السفن الملكية ومالت بالسفينة التي كانت تقلّ النعش إلى نقطة من البرّ استقرّت فيها وأبت أن تتزحزح.
فلما استطلع المعنيّون الأمر تبيّن لهم أن هذه البقعة من الأرض تخصّ امرأة أرملة اسمها كاليتروبي ، فرغبت فيها الأمبراطورة أفدوكسيا ووضعت عليها اليد بالقوة.
ولكن انتصر الذهبي الفم للأرملة فحقدت عليه الملكة، ولما سنحت لها الفرصة أبعدته إلى كومانا، على الأثر صدر أمر بإعادة الأرض إلى الأرملة. إذ ذاك فقط هدأ عجيج البحر وتابعت السفينة الملكية سيرها بسلام.
وصول الرفات إلى القسطنطينية:
أخيراً وصل النعش إلى القسطنطينية فأُدخل أولاً كنيسة القدّيس الرسول توما في أمنتيوس.
هناك كانت أودكسيا الأمبراطورة مدفونة وكان ضريحها عرضة للاهتزاز المتواصل لعشرين سنة خلت، فلما دخل نعش الذهبي الفم استكان ضريح أودكسيا.
بعد ذلك أُدخل النعش إلى كنيسة القديسة إيريني حيث أُجلس القدّيس على العرش وصرخ الشعب بفرح عظيم: “استعدْ عرشك يا قدّيس الله!”.
أخيراً بلغ النعش كنيسة الرسل القدّيسين حيث مدافن الأباطرة والبطاركة. فلما أُجلس القدّيس، هنا أيضاً، على العرش الأسقفي سُمع صوته يقول:”السلام لجميعكم!”.