وبقي علينا أن نكمل عمل آبائنا الرسل..
لست أقصد عملهم الكهنوتي, فهو ليس لكل أحد, إنما للمدعو من الله كما هارون (عب 5:4).. بل أقصد الخدمة في النطاق المتاح لكل إنسان, حسب دعوته, حسب مواهبه, حسب عمق حبه نحو الله والناس.
والمقصود بالخدمة, ليس فقط الخدمة الروحية.
فهناك خدمات أخري متنوعة: كخدمة الفقراء والمحتاجين, وخدمة المرضي, وخدمة الحزاني وصغار النفوس, وخدمة بيت الرب.. وكذلك الخدمة داخل الأسرة.. والخدمة الصامتة, خدمة القدوة والأمثولة.
إن الله لا ينسي ابتسامة لطيفة طيبت بها قلب إنسان حزين, أو كلمة تشجيع رفعت بها معنويات شخص يائس..كل ما تستطيعه في خدمة غيرك, وما يقويك الرب عليه, هو خدمة مقبولة..
ابدأ بأسرتك, بقدر ما تستطيع
كن حنونا طيبا علي أطفال الأسرة. كن أشبينا لمن ليس له أشبين يهتم به علمهم أن يحفظوا بعض الآيات, والتراتيل والحكايات, ويحبون الله عن طريقك, ثم تدرج إلي الكبار أيضا, في اتضاع وفي حكمة, ولو بطريق غير مباشر اجذبهم إلي الله. لا أعني أن تقيم نفسك معلما في البيت, وإنما أن توصل إليهم كلمة الرب بهدوء وإنكار ذات كلما سنحت الفرصة.
ولنتذكر أيضا ما قاله الكتاب عن واجب الوالدين في الخدمة.
قال الرب ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم علي قلبك. وقصها علي أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك, وحين تمشي في الطريق… (تث 6:6ـ7).
فهل أنت تفعل هكذا في بيتك؟ وهل تقص كلام الله علي أولادك؟
هل تحكي لهم قصص الكتاب وشخصيات الكتاب, ومعاملة الله لأولاده؟.
ياليت كل إنسان تقابله في حياتك, تستطيع أن توصل له رسالة روحية.
هنا الخدمة الشاملة, التي قال عنها الرسول صرت للكل كل شيء, لكي أخلص علي كل حال قوما (1كو 9:22).. علي الأقل الذين لا تستطيع أن تكلمهم, يتعلمون من صمتك, من ملامحك, من معاملتك, من روح الطيبة.
الإنسان الخدوم يكون خادما في كل مجال.
في كل وضع وفي كل موضع.. في البيت, في العمل, في الكنيسة, في النادي, في الطريق, حيثما تتاح الفرصة للخدمة.. فعود نفسك علي ذلك.
علي الأقل في البيت, إن لم تخدم الأسرة, أو تشترك في حمل أثقالها.. علي الأقل لا تكن أنت ثقيلا علي غيرك, ولا تترك أمورك مهملة تهتم بها والدتك أو أختك أو أي فرد آخر. أشعرهم بأنك تساعدهم جميعا وتخدمهم.
فإن كان من الواجب عليك أن تخدم الله والناس, فلي نصيحة أساسية أقدمها لك وهي: أعدد نفسك للخدمة, امتلئ لكي يمكنك أن تفيض علي الآخرين.
لاحظ أن الآباء الرسل, علي الرغم من أنهم تعلموا علي يد السيد المسيح نفسه, لمدة أكثر من ثلاث سنوات, تبعوه فيها في كل تحركاته, وسمعوا كلامه الحي, ورأوا أسلوبه في التعامل, ومحبته ومعجزاته, إلا أن الرب بعد كل هذا الإعداد قال لهم لا تبرحوا أورشليم حتي تلبسوا قوة من الأعالي (لو 24:29) ولكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم, وحينئذ تكونون لي شهودا (أع 1:8).
ولماذا حل الروح القدس عليهم, بدأوا خدمتهم. وفي سيامة الشمامسة السبعة, قال الآباء الرسل للشعب اختاروا أنتم أيها الرجال الإخوة سبعة رجال منكم مملوئين من الروح القدس والحكمة فنقيمهم نحن علي هذه الحاجة (أع 6:3).
فإن لم تستطع أن تصل إلي هذا المستوي العالي, وتكون مملوءا من الروح القدس والحكمة, فعلي الأقل كن إنسانا روحيا, تسلك حسب الروح, ولا تكن عثرة.. فالخدمة ليست مجرد كلام ومعلومات, بل هي سريان الروح من شخص إلي آخر.
والخدمة لابد أن تكون مصحوبة بالصلاة, لكي يتدخل الله ويعمل. ولكي يعطي تأثيرا للكلمة التي تقال, بل يعطي هذه الكلمة وتأثيرها معها, ولا ترجع فارغة (إش 55:11).
فليعطنا الرب جميعا أن نخدمه بقلب صالح مقبول أمامه وليعطنا الروح الذي نخدم به والأسلوب, ويعطي نعمة للمخدومين.