للأيام حوادث… وبتكرار الأيام وبتجميع الشهور وبترابط السنين تكونت القرون وفيها يسجل التاريخ. وككل شئ عظيم: التاريخ القبطى… الأدب القبطى… الثقافة القبطية… اللغة القبطية… الموسيقى القبطية… الآثار القبطية… يكتب فيها وعنها الكاتبون والمؤرخون والفلاسفة والمفكرون جيلاً وراء جيل، ويظل فى أعماق الحضارة القبطية نهر متدفق يروى صفحات التاريخ بأروع صور الأمجاد ويسجل للأبناء أعمال الآباء وعظمتهم… ويحتفظ للأحفاد بأمجاد الأجداد وروعتهم… فهى بكل المقاييس وبشهادة المؤرخين المدققين: حضارة رائعة مبدعة ممتعة.. ملحمة جميلة ترعرعت حول ضفاف نهر النيل الخالد وساهم بها شعب مصر فى ركب الحضارة العالمية.
وها يأتى اليوم الذى يفرح فيه محبو الدراسات القبطية المخلصون لكنيستهم القبطية، الأوفياء لوطنهم مصر بذكرى مرور خمسة وسبعون عاماً (1945 – 2020) على تأسيس جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية للدراسات القبطية. لقد كانت فكرة أقامة جمعية ثقافية قبطية، هى أساس لمئات المؤلفات التى تُعتبر من أثمن ما كتبه الأقباط فى تاريخنا الحديث مما كان له أثر عظيم فى النهضة القبطية الثقافية المعاصرة. وكما يحفظ التاريخ أن 6 يناير 1874م كان بداية حركة الإصلاح الكبرى بالقاهرة، كذلك سيذكر التاريخ بكل فخر أن 24 نوفمبر 1945 م هو أهم معالم النهضة القبطية الثقافية الحديثة التى التفت حول اسم الشهيد المصرى مارمينا العجايبى. وكان الدافع وراء تأسيس هذه الجمعية ما سجله لنا بكل دقة العالم المؤرخ الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية فى تصدير الرسالة الأولى للجمعية والتى صدرت فى ابريل 1947 بمناسبة عيد القيامة المجيد.
لماذا تأسست الجمعية؟
يقول د. عزيز سوريـال: “فى هذه الأيام التى يقلب فيها الانسان الطرف، فيكاد أن لا يرى إلا ما يبعث الحزن والأسى فى نفسه، فى هذه الأيام التى أمتلأت بضجيج ما بعد الحرب يلحظ المرء بين آونة وأخرى بصيصاً من الضوء يكتنف حلكة هذه الظلام المحيق، فينبعث برؤيته الأمل، ويولد معه الإيمان مولداً جديداً… طلعت علينا شعلة من نور تضئ لنا طريقنا فى وحشة العالم وطرقه الملتويات، وشعلة اليوم هى تلك الجماعة الصغيرة المتواضعة التى ألتفت حول اسم مارمينا العجايبى، معتصمة بأساليب المحبة ونكران الذات والتضحية التى مات هو من أجلها منذ قرابة سبعة عشر قرناً تحت حكم دقلديانوس العاتية فى القرن الثالث الميلادى.
لقد كان المثقف القبطى يفتقد لتلك الصفحات الخالدة لتاريخ كنيستنا القبطية المجيدة وما ساهم به المصريون فى ركب الحضارة العالمية والتراث المسيحى العريق لحضارة البحر الأبيض المتوسط، وكانت مدينة الإسكندرية محجاً عالمياً فى القرون الأولى للمسيحية بعد أورشليم مثل مدينة نوتردام دى لورد فى فرنسا، وكانت الشعلة الخالدة التى أضاءت الفكر المسيحى وقادت العالم المسيحى فى العصر المسيحى الأول. ففى مصر نشأ علم اللاهوت وعلى أرض مصر نبتت الرهبنة القبطية وفى مصر تأسست الكنيسة على النظام الذى نعرفه اليوم. هذا الجهل بماضينا المجيد هو الذى دفع نخبة من شباب الإسكندرية إلى تكوين جمعية ثقافية عام 1945 هى “جمعية مارمينا العجايبى” لتعريف الشعب المصرى بصفة عامة والشعب القبطى بصفة خاصة بمعالم هذا التاريخ الضائع.
النداء الذى أصدرته الجمعية:
فى عام 1945 تشكل مجلس إدارة الجمعية من كل من – حسب الترتيب الابجدى – إبراهيم نصر الله – بانوب حبشى – بديع عبد الملك غطاس – برهوم حنين منصور – بطرس ميخائيل – د. تادرس منقريوس – جرجس عطا الله – حنا غبريال – كامل لطفى – ملاك ميخائيل – د. منير شكرى – موريس مكرم – موريس حنا يوسف – نسيم فوزى. وأصدر المجلس الموقر النداء التالى إلى أبناء الأمة القبطية : “… تأسست جمعية مارمينا العجايبى بنعمة الرب لتخدم كنيستكم المجاهدة وأمتكم الخالدة عن طريق نشر الثقافة الدينية والتاريخية، وهى ناحية لم تنل حتى الآن أية رعاية أو أهتمام جدى رغم مالها من أثر فعال فى حياة الأمم ونهضة الشعوب. فنحن أمة ذات تاريخ مجيد وتراث عريق. ألسنا ورثة أول دولة مسيحية فى العالم ينطوى تاريخها القومى على اروع صفحات البطولة والجهاد! فمن حق الأمة علينا أذن أن نكشف للأحفاد عن مآثر الأجداد وأن نطلع الخلف على ما كان عليه السلف ليسترشدوا بهم ويقتفوا أثرهم وليشيدوا مستقبل أبنائهم وقد عمرت أذهانهم بصور آبائهم، أولئك الذى عضوا على الأمانة بالنواجذ حتى أوصلوها لناسليمة رغم الذئاب الكاسرة والوحوش الضارة. لذلك تتقدم الجمعية لسد هذا الفراغ الملحوظ وفق البرنامج الموجز الآتى: إحياء ذكرى شهداء الأمة القبطية وأبطالها ونوابغها فى كافة العصور بالخطابة والكتابة وما إلى ذلك – نشر رسائل ودراسات مبسطة عن أهم المواضيع التى يتعين على كل قبطى الإلمام لها – إعداد رحلات للأماكن الأثرية التى يهم كل قبطى زيارتها. ويتولى هذه الأعمال جميعاً أخصائيون. فإذا وجدت الجمعية توفيقاً وتأييداً فى خطواتها الأولى هذه فستوسع أفق نشاطها حتى يشمل: إعادة طبع كتب التاريخ القبطى التى نفذت طبعاتها، تأسيس مكتبة قبطية بالإسكندرية، إصدار مجلة أو نشرة دورية تساعد على نشر رسالة الجمعية، كما ستحاول الجمعية إحياء اللغة القبطية بتدريسها بطرق عملية. ومن أغراض الجمعية الجوهرية أيضاً السعى لتشيد كنيسة باسم الشهيد القبطى العظيم مارمينا العجايبى بالإسكندرية وكذا القيام بأعمال البر والخير طبقا للوسائل الاجتماعية الحديثة. والعاملون فى الجمعية يدركون تمام الإدراك ما يتطلبه ذلك كله من جهود وأعباء، ولكنهم يؤمنون برسالتهم من الأعماق، ويتطلعون إلى الجميع راجين منهم النصح والإرشاد والمعونة.
الجمعية والبابا كيرلس السادس:
فى عام 1958 كتب القمص مينا البراموسى المتوحد (البابا كيرلس السادس فيما بعد) رسالة إلى الدكتور منير شكرى (رئيس الجمعية فى ذلك الوقت) كشف فيها عن لقاء هام تم عام 1943. جاء فى الرسالة: “… اكتب لك هذه الرسالة فى ساعة متأخرة من الليل لكى أبشركم ببشرى مفرحة لكم، ولجميع أعضاء جمعية الشهيد العظيم مارمينا بالإسكندرية. وقد عرفنى اليوم الاستاذ عوض الله إبراهيم عضو المجلس الملى العام، وكذا الأستاذ يوسف جرجس سكرتير البطركخانة، أنه تقرر ترميم هيكل الكنيسة الموجود بدير مارمينا بمريوط. من عظيم فرحى وسرورى بذلك الخبر لم استطع أن أنام قبل أن أسطر لكم هذه الرسالة. وربما تستغرب من ذلك، ولكن لو علمت السبب لما استغربت. أعلم يا أبنى العزيز أنه فى سنة 1943 حضرت إلى الإسكندرية، وتوجهت لمقابلة طيب الذكر المرحوم الأستاذ بانوب حبشى، وعرضت عليه فكرة إقامة الشعائر الدينية، والسكن بدير مارمينا، ففرح جداً، وسعى جهده لدى مدير الآثار، وأنتم أول ما تعرفون ما قام به من خدمات فى سبيل انتشار اسم الشهيد مارمينا…”
هذا المسعى من الراهب التقى القمص مينا المتوحد كان الشرارة التى قوَّت عزيمة جماعتنا حين بدأت نشاطها تحت اسم “لجنة أحياء ذكرى أبطال المسيحية والكنيسة فأطلقوا أسم “جمعية مارمينا” على الجمعية الجديدة وتم تسجيلها فى 24 نوفمبر 1945، لذلك كان الراهب مينا المتوحد هو الملهم بحق لأسم جمعيتنا والأب الروحى لأعضائها وظلت العلاقة وثيقة من قداسته وأعضاء الجمعية حتى انتقاله إلى السماء فى 9 مارس 1971.
وبعد أن تبوأ القمص مينا المتوحد الكرسى المرقسى بفرح وتهليل فى 10 مايو 1959 باسم البابا كيرلس السادس البطريرك 116 أسند إلى جمعية مارمينا – ممثلة فى شخص رئيسها د. منير شكرى – مسئولية إعداد السرادق بالمنطقة الأثرية بمريوط لإقامة شعائر القداس الالهى بها، كما أسند إلى الجمعية أيضاً – ممثلة فى شخص طيب الذكر المتخصص فى الآثار المصريةالأستاذ بديع عبد الملك – مسئولية إعداد اللوحة الرخامية الخاصة بحجر أساس دير مارمينا الحديث فكتبها بخط أنيق أبدى البابا أعجابه الشديد بها. كما أسند إليه أيضاً فيما بعد رسم الأحرف القبطية لأسم القديس مينا لتُكتب على منارة كنيسة السيدة العذراء بالدير الحديث ومازالت المنارة قائمة بشموخ تشهد على روعة الكتابة وأناقتها.
وفى أثناء وضع حجر أساس الدير فى يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 ألتفتالبابا كيرلس السادس حوله وأستدعى د. منير شكرى وطلب منه أن يكتب أسمه على الأوراق التى كان قداسته سيودعها داخل حجر الاساس وقد تم ذلك فعلاً. وفى الأسبوع الأول من شهر يوليو 1969 أستقبل البابا كيرلس أعضاء مجلس إدارة الجمعية للإطلاع على الرسالة الثامنة للجمعية من سلسلة مطبوعاتها العلمية الثمينة وهى (قواعد اللغة القبطية)، وقد بارك قداسته هذا المشروع الجليل باعتباره الأول من نوعه منذ نصف قرن، فقد سبق للمرحوم الدكتور ﭽورﭼﻰ صبحى عام 1924 بتكليف من وزارة المعارف فى ذلك الوقت – بوضع كتاب لقواعد اللغة القبطية لطلبة قسم الآثار بالجامعة المصرية – ثم تبنى قداسته مشروع هذا الكتاب وتحمل سائر تكاليفه علىنفقة قداسته الخاصة، وزاد بأن طلب برصد إيراده لإتمام بناء مؤسسات دير مارمينا بصحراء مريوط.
الجمعية وكنيسة مارمينا بفلمنج:
يسجل لنا د. منير شكرى تاريخ بناء الكنيسة فيقول: “… عز علينا ألا تخلد الإسكندرية مركز كرسى مارمرقس ذكرى ذلك المجد العريق بإقامة كنيسة فيها باسم مارمينا العجايبى، وكانت هذه البقعة أرضاً كبيرة يتوسطها ﭬيلا لسيدة قبطية تُدعى السيدة دميانة كانت قد وهبتها للبطريركية، واستصدرت البطريركية عام 1927 مرسوماً ببناء كنيسة فيها، ولكن المرسوم ظل فى إدراج البطريركية، وكانت الروح الدافعة غير موجودة، فقمنا ندعو إلى بناء كنيسة فى تلك البقعة باسم شهيدها العظيم وكلل مسعانا بالنجاح وقمنا بتقديم كل مشورة طُلبت منا من رسم الكنيسة الأثرية إلى النقوش القبطية الأصلية حتى جاءت تحفة فريدة فى طرازها، واستطعنا باتصالنا بالدكتور طوجو مينا مدير المتحف القبطى الأسبق (1906 – 1949) أن نحصل على موافقة وزارة المعارف على نقل أربعة أعمدة من المرمر بقواعدها وتيجانها من كنيسة مارمينا الأثرية بمريوط وأقمناها حول المذبح…”
وكان الدكتور مدير شكرى بالتعاون مع القمص منصور البراموس وكيل البطريركية بالإسكندرية فى ذلك الوقت (المتنيح الأنبا ايساك مطران الغربية فيما بعد) والأرخن الفاضل منصور قلادة أنطون رجل الأعمال السكندرى قد قاموا بنقل أربعة أعمدة من كنيسة مارمينا الأثرية بمريوط لتكون أثراً خالداً من الكنيسة الأولى وخميرة طيبة من أعمال آباء القرن الرابع للكنيسة الثانية بمدينة الإسكندرية.
الأعمال الثقافية للجمعية:
فى مجال الندوات الثقافية عقدت الجمعية العديد من الندوات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: محاضرة بعنوان (القبط فى ركب الحضارة العالمية) يوم الجمعة 12 مارس 1954 للدكتور مراد كامل، ثم بمناسبة الاحتفال بذكرى القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة عقدت يوم الجمعة 21 مايو 1954 المحاضرة الثانية للدكتور عزيز سوريال عطيه، ومحاضرة بعنوان (فضل مصر على المسيحية فى العالم) يوم الخميس 22 ديسمبر 1955 للدكتور مصطفى الأمير الأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، محاضرة بعنوان (الصراع بين الوثنية والمسيحية) يوم الأربعاء 15 فبراير 1961 للدكتور هنرى رياض مدير المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية فى ذلك الوقت.
وفى مجال الزيارات العلمية للأماكن الأثرية نذكر على سبيل المثال لا الحصر: فى 15 مارس 1946 زيارة لكنيسة مارمينا الأثرية بمريوط، فى 4 مايو 1946 زيارة لاديرة وادى النطرون، فى 24 نوفمبر 1946 زيارة لكنيسة مارمينا بأبيار (غربية)، فى 16 أغسطس 1947 زيارة لدير أبو مقار بوادى النطرون. واعتادت الجمعية أن تنظم سنوياً زيارتين للمنطقة الآثرية بمريوط أحدهما فى 22 يونيو (تذكار تكريس الكنيسة الأثرية) والأخرى فى 24 نوفمبر (تذكار أستشهاد القديس مينا) وذلك فى وقت كان الذهاب فيه لصحراء مريوط من الأمور الشاقة جداً.
وفى مجال الدراسات القبطية أصدرت الجمعية 27 رسالة طوال الخمسة وسبعون عاماً، تعتبر من الرسائل الثقافية ذات القيمة العلمية الرفيعة وهى: رسالة مارمينا فى عيد القيامة (ابريل 1947)، رسالة مارمينا فى عيد النيروز (سبتمبر 1947)، رسالة مارمينا عن الرهبنة القبطية (مايو 1948) وذلك بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشر للقديس أبنا باخوميوس، الرسالة الرابعة بعنوان صور من تاريخ القبط (1950)، الرسالة الخامسة بعنوان صفحة من تاريخ القبط (1954)، الرسالة السادسة بعنوان أديرة وادى النطرون (1962)، الرسالة السابعة بعنوان الصوم والقيامة (مارس 1968) وهى مجموعة من البحوث التاريخية والتأملات الروحية كانت الجمعية قد أصدرتها متفرقة فى مناسبة الصوم المقدس وعيد القيامة المجيد، وفى عام (1969) أصدرت الجمعية (المرجع فى قواعد اللغة القبطية) الذى سبق الإشارة إليه حيث أشترك فى ترجمة النص الفرنسى الأستاذان ملاك ميخائيل وحبيب الشارونى، كما أشترك فى تحقيق النصوص القبطية أساتذة اللغة القبطية بالإسكندرية: معوض داود عبد النور، بسنتى رزق الله، مرقس بطرس. والرسالة الثامنة بعنوان القديس أثناسيوس الرسولى معلم الكنيسة (1978)، الرسالة التاسعة بعنوان عبقرية أنبا باخوم وأثرها على الرهبنة والحضارة الغربية (1981)، وفى مناسبة مطلع القرن 18 القبطى أصدرت الجمعية رسالتها العاشرة فى عيد النيروز (1983)، والرسالة الحادية عشر بعنوان رسالة مارمينا فى الدراسات القبطية (الجزء الأول: طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعقائدها) 1986، والرسالة الثانية عشر بعنوان صور من تاريخ القبط – الجزء الثانى (1990)، والرسالة الثالثة عشر بعنوان مارمينا العجايبى ومدينته العجيبة (1991)، والرسالة الرابعة عشر بعنوان قراءات فى تاريخ الكنيسة المصرية (1993)،الرسالة الخامسة عشر بعنوان مقتطفات من تاريخ الكنيسة المصرية (1995)، الرسالة السادسة عشر بعنوان رسالة مارمينا فى الدراسات القبطية (جزء 2) (1998)، الرسالة السابعة عشر بعنوان رسالة مارمينا عن الرهبنة القبطية (طبعة ثانية) (2001)، الرسالة الثامنة عشر تاريخ بطاركة وأساقفة القرن العشرين الذين أكملوا السعى (2004)، الرسالة التاسعة عشر بعنوان أديرة وادى النطرون (طبعة ثانية) (2008)، الرسالة العشرون بعنوان القديس أنبا باخوم (طبعة ثانية) (2008)، الرسالة الحادية والعشرون بعنوان الكتاب التذكارى بمناسبة مرور 17 قرن على استشهاد مارمينا واليوبيل الذهبى لوضع حجر أساس دير مارمينا بمريوط (2009)، الرسالة الثانية والعشرون بعنوان الكتاب التذكارى بمناسبة مرور 150 عاماً على نياحة أبو الإصلاح البابا كيرلس الرابع (2011)، الرسالة الثالثة والعشرون بعنوان مارمينا العجايبى ومدينته العجيبة (طبعة ثانية) (2011)، الرسالة الرابعة والعشرون بعنوان البابا أثناسيوس الرسولى مُعلم الكنيسة (طبعة ثانية) (2013)، وها نحن فى الذكرى الخمسة وسبعون عاماً لتأسيس الجمعية نصدر الرسالة الثامنةوالعشرون بعنوان تاريخ الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة والمرتلون فى القرن العشرين الذين أكملوا السعى (2015).
أشترك فى تحرير هذه الرسائل العديد من المهتمين بالدراسات القبطية نذكر منهم: د. عزيز سوريال عطية (1898 – 1988)، د. جورجى صبحى (1884 – 1964)، د. مراد كامل (1907 – 1975)، أ. يسى عبد المسيح (1898 – 1959)، أ. لبيب حبشى (1906 – 1984)، د. منير شكرى (1908 – 1990)، أ. بديع عبد الملك (1908 – 1979)، أ. بانوب حبشى (1913 – 1956)، د. فتحى الملاخ، د. باهور لبيب (1905 – 1994)، أ. رءوف حبيب (1902 – 1979)، د. راغب عبد النور، القمص صموئيل تاوضروس السريانى (1911 – 1983)، العالم المستشرق الهولندى القمص يعقوب مويرز (1896 – 1956). ومن الجيل الثانى من أعضاء الجمعية المهتمين بالدراسات القبطية: د. رشاد منير شكرى الذى يهتم بنشر مقالات فى الدراسات القبطيــة بمجلة Le Monde Copte التى تصــدر بفرنســا ومجلـة Coptologia التى تصدر بكندا بالإضافة إلى العديد من المقالات بالمؤتمرات الدولية منها المؤتمر الدولى الرابع لعلماء القبطيات ببلجيكا عن أثر الحضارة المصرية على تكوين التوحيد اليهودى والمنطق الأغريقى كما قدم دراسة فى مؤتمر القبطيات الخامس بمدينة واشنطن الأمريكية عن مجمع خلقيدونية الأمر الذى جعل الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية تهتم بهذه المقالات. والأستاذ موريس خليفة زخارى المتهم بالقضايا الفكرية المصرية عامة والقبطية بصفة خاصة، وكاتب هذاالمقال المهتم بالدراسات القبطية والكاتب بالعديد من المجلات والجرائد المهتمة بالدراسات القبطية وأيضاً الثقافية والعضو بالعديد من الجمعيات الدولية المهتمة بالدراسات القبطية والأثرية.
كل هذا العمل الثقافى المتميز الذى قامت به الجمعية طوال سبعين عاماً تم تحت رئاسة متعاقبة من أعضاء الجمعية والمؤسسين لها وهم: أ. بانوب حبشى (1945 – 1955)، د. منير شكرى (1955 – 1985)، أ.برهوم حنين منصور (1985 – 2003)، أ. مينا بانوب حبشى (2003 – 2007)، م. نظمى حافظ جبران (2007 – أطال الرب حياته). وتحلى كل منهم بالعمل الدءوب الذى لا يتوقف حتى فى أسوأ الظروف الصحية، وبالعلم الغزير، والأتضاع الصادق، والفكر الهادئ الذى يقود العمل فى هدوء وسلام وإنكار ذات وتضحية بلا حدود.
جمعية مارمينا العجايبى ومجلة “راكوتى” (2004 – 2011م)
مع بداية القرن الحادى والعشرين بدأ حلم يراود أبناء مدينة الإسكندرية فى القيام بدراسات هامة لفترة عزيزة فى تاريخ مصر وهى فترة “العصر القبطى”. ففى تلك الفترة تحققت إنجازات عديدة مازال العالم كله يتمتع بها بينما أبناء مصر عامة وأبناء القبط بصفة خاصة يجهلون الكثير من تلك الفترة!! فعلى سبيل المثال تمثل الرهبنة القبطية إنجازاً من أهم الإنجازات الحضارية التى قدمتها مصر للعالم. ففى أديرتها أزدهرت العمارة القبطية، والفن القبطى، والصناعات اليدوية المتعددة، والأدب القبطى مما كان له أثر مباشر على الثقافة الأوروبية حتى أن العديد من الجامعات فى العالم الغربى أنشأت بها أقسام أكاديمية متخصصة لدراسة تلك الفترة وهو أمر يجب أن يكون مدعاة فخر لكل المصريين. فالأديرة بالنسبة للكنيسة القبطية ليست مجرد تاريخ وتراث وإنما هى أساس كل إزدهار روحى وتعليمى. أيضاً فى تلك الفترة أزدهر العديد من الفنون الأخرى كالموسيقى والنحت والنسيج والزخرفة كما واكبها العديد من العلوم كالرياضيات والطب والصيدلة .. الخ.
من هذا المنطلق كان من المُحتم الأهتمام بإبراز هذه الفترة بوضوح بعيداً عن الدراسات الدينية المتخصصة. فكانت رغبة أبناء الإسكندرية هو إيجاد وسيلة عملية وجادة لإظهار إنجازات هذه الفترة لأبناء مصر رغبة فى زيادة الوعى الثقافى والحضارى عندهم حتى تكون صورة مصر متكاملة أبتداءً من العصر المصرى القديم إلى العصر القبطى ثم العصر الإسلامى مما يزيد من وحدة وتكاتف وتلاقى وتآلف أبناء الشعب الواحد. الوسيلة كانت إصدار مجلة متخصصة فى هذا الموضوع الغنى فى جميع مجالاته وبالأخص أنه لا توجد فى المكتبة العربية مجلة واحدة فى هذا الموضوع تكون فى متناول أبناء الشعب.
وقد آلت جميعة مارمينا العجايبى للدراسات القبطية بالإسكندرية – والتى تعمل فى هذا الحقل منذ سنة 1945 – على نفسها أن تحمل لواء هذه الدراسة الجادة بمساهمة من أبناء الإسكندرية سواء الموجودين على أرض مصر أو بأوروبا أو بأمريكاعلى أن يشارك فى تحريرها مجموعة من الباحثين المهتمين والمتخصصين فى دراسات تلك الفترة.
وفى بقعة غالية من أرض الإسكندرية، فى منطقة فاروس، والتى تقع فى نطاق منطقة “راكوتى” القديمة، أجتمع نفر قليل من أبناء مؤسسى جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية وتدارسوا فى شئون تلك المجلة فكان الاسم المُختار هو “راكوتى”، وكان التأييد لإصدار هذه المجلة تأييداً بالإجماع، على أن تصدر ثلاث مرات فى العام: يناير، مايو، سبتمبر. صدر العدد الأول فى يناير 2004 متضمناً مقالات فى اللغة القبطية، التراث القبطى (مخطوطات قبطية)، تاريخ القبط (فى عصر الولاة)، الطب المصرى فى العصر القبطى، تاريخ مدن مصرية (مدينة أون – عين شمس)، عالم قبطيات (أقلاديوس لبيب)، حفائر قبطية (دير آبا فويبامون)، من مكتبة القبطيات (الرهبنة القبطية).
ما أن صدر العدد الأول حتى كان الترحيب رائعاً على المستوى الإعلامى وعلى المستوى الكنسى أيضاً. فقد أستُقبلت راكوتى بما يفوق توقعاتنا من ترحيب وإحتفاء ولاقت قبولاً حسناً:
وصفتها مجلة “وجهات نظر” التى تصدر عن “دار الشروق” ويرأس تحريرها الصحفى المتميز الأستاذ سلامة أحمد سلامة، بأنها إضافة جديدة للدوريات المتخصصة. وأعلنت عن صدورها جريدة “القاهرة” التى تصدر عن وزارة الثقافة ويرأس تحريرها الأستاذ صلاح عيسى. وكتبت عنها جريدة “وطنى الدولى” مقالاً بقلم د. سعد ميخائيل سعد بالولايات المتحدة الأمريكية يقول: (إنها إضافة للدراسات القبطية حول العالم كما للقبط المتطلعين لأن يعرفوا تراثهم ويقدموه للعالم من حولهم).
ولتقدير الكنيسة لدور مجلة “راكوتى” فى مجال القبطيات وجدنا مجلة “الكرازة” التى أسسها ورأس تحريرها البابا شنوده الثالث، كتبت عنها تحت عنوان “هؤلاء يعملون” وأشار المقال إلى غلاف المجلة الأمامى الذى تتصدره صورة ملونة لأيقونة باويط الشهيرة (رسم جدارى) للسيد المسيح وبجواره القديس مينا رئيس الدير بينما الغلاف الخلفى عليه صورة بالألوان لقطعة نسيج من القرن 4-5 الميلادى من محفوظات المتحف القبطى وهى من صناعة وفنون مصر القبطية التى ذاع صيتها فى أفاق العالم المعمور وقتئذ.
فى صفحة “غذاء العقول” بجريدة الأهرام، الصادرة صباح الثلاثاء 6 يناير 2004 (ليلة عيد الميلاد المجيد)، أقامت الأستاذة ماجدة الجندى (الصحفية المتالقة بالثقافة وأرملة الكاتب وأديب مصر القدير الأستاذ جمال الغيطانى) أحتفالاً بالمولود الجديد يذكرنا بحفل السبوع ذلك التراث المصرى فى الصميم الذى لايزال يُقام فى بيوتنا حيث يتبارى فيه الأهل والأصدقاء لتقديم أغلى هداياهم للمولود الجديد وكانت هديتها لـ “راكوتى” أغلى الهدايا وأثمنها. قالت الأستاذة ماجدة تحت عنوان “مولود جديد فى ليلة عيد الميلاد المجيد”: (لقد آثرت فى البداية أن تكون بطاقة التعريف خالية من أى تأثيرات تخص جانب قراءتى الأجتهادية. أما لو سألنى القارئ عما قدمته لى “راكوتى” فأقول ببساطة أن شيئاً أساسياً قد أضيف، وأننى بعد قراءة المجلة غير قبل قراءتها وليس فى ذلك أى قدر من المبالغة. راكوتى يحررها نُخبة متخصصة فى صيغة موجهة أساساً لغير المتخصصين، لذلك فهى تستكمل معلومات القارئ دون تعال. لكن الأهم أنها تحاول أن تملأ فجوة فى معرفتنا بتاريخنا بمصر الفرعونية القبطية الإسلامية). ثم قالت فى النهاية: (فإن “راكوتى” إضافة حقيقية أختارت لنفسها شعاراً مصرياً صميماً – خرطوشة مصرية –إشارة للهوية، بداخلها رسم القديس مرقس فى داخل مركب فى ميناء الإسكندرية ناظراً إلى فنارها).
وفى أثناء إعداد العدد الأول من السنة الثالثة للمجلة – يناير 2006 – وصلنا خطاب من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار د. زاهى حواس بتاريخ 19 سبتمبر 2005 طالب فيه بضرورة الحصول على أعداد المجلة لوضعها فى مكتبة المجلس الأعلى للاثار والمتخصصة فى كل ما هو معنى بالآثار والتراث الثقافى المتنوع.
واصلت الجمعية إصدار مجلتها الشيقة فأصدرت العديد من الأعداد الخاصة التى تغطى إحتفالية معينة منها: الفنون القبطية (مايو 2004)، مئوية إكتشاف مدينة بومينا بمريوط (مايو 2005)، الجمعية وستون عاماً فى خدمة الدراسات القبطية (سبتمبر 2005)، فى ذكرى أب الشركة الرهبانية القديس أنبا باخوم (مايو 2006)، الإستشهاد والرهبنة (سبتمبر 2006)، المتحف القبطى (يناير 2007)، فى ذكرى رئيس المتوحدين القديس أنبا شنوده (مايو 2007)، فى ذكرى النيروز وعالم مصرى مدقق د. عزيز سوريال عطية (سبتمبر 2007)، منطقة كيليا أقدم ثانى تجمع رهبانى (يناير 2008)، منطقة نتريا أقدم أول تجمع رهبانى وعالم مصريات زاهد د. لبيب حبشى (مايو 2008)، وادى النطرون أقدم ثالث تجمع رهبانى وأمير وطنى شغوف بالقبطيات الأمير عمر طوسون (سبتمبر 2008)، الفن القبطى ورواده (يناير 2009)، اللغة القبطية وروادها (مايو 2009)، الموسيقى القبطية وروادها (سبتمبر 2009)، النوبة فى ذكرى إنقاذها (يناير 2010)، روائع النسيج القبطى ومستشرق هولندى فى القبطيات الأب يعقوب مويزر (مايو 2010)، روائع الأدب القبطى وعميد الأدب العربى المسيحى د. جورج جراف (سبتمبر 2010).
واستمرت الجمعية فى إصدار مجلتها المتميزة بإنتظام حتى يناير 2011 حينما أصدرت عددها الخاص بمناسبة مائة وخمسون عاماً على نياحة رجل الإصلاح القبطى البابا كيرلس الرابع (1816 – 1861م) البطريرك 110، وكان هذا العدد يمثل العدد رقم 22 والأخير من المجلة إذ بسبب الظروف السياسية التى إجتازتها البلاد كان من الصعب العمل فى تلك الأجواء القاسية وحظر التجول. فتوقفت المجلة عن الصدور.
أثر مؤلفات الجمعية على تاريخ الحركة الثقافية فى مصر:
عندما تطرق المشتغلون بالتاريخ فى مصر إلى الاهتمام بالعصر القبطى وتاريخ كنيسة الإسكندرية وجدوا فى مؤلفات الجمعية خير معين لهم، فطبع المرحوم جرجس فيلوثاؤس عوض ميمراً مخطوطاً عن تاريخ مارمينا ومدينته، كما قام الأستاذ دريشر Drescher الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة سابقا بطبع مخطوطات قبطية وترجمتها عن قديسنا العجايبى على نفقة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة، ويذكر د. حسين فوزى فضل هذه المؤلفات على مؤلفه الرائع (سندباد مصرى)، كما قام شباب مدارس أحد كنيسة مارمينا بفلمنج بإخراج مرجع واف عن مارمينا العجايبى صدر عام 1963. وكانت آخر الكلمات التى سجلها رئيس جمعيتنا الأسبق الأستاذ بانوب حبشى قبل رحيله عام 1955: “… وفى خلال تلك المدة كانت قد نبتت، وفى مقدمتهم الاستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية، فكرة إنشاء معهد للدراسات القبطية، إذ وجدت مؤلفاتنا أرضاً خصبة وجمهوراً متشوقاً إلى المزيد من هذه الدراسات، واستعداداً طيبا من شبابنا المتشوق إلى المعرفة والثقافة”.
بعد خمسة وسبعون عاماً:
بدأنا فريق من الشباب القبطى المثقف الواعى الممتلئ بكل حماس وغيرة صادقة على تاريخ كنيسته فى وقت كان فيه شعب الكنيسة القبطية لا يعرف عن مارمينا العجايبى سوى مجرد أسمه ولا يعرفون شيئاً عن مدينته الأثرية بالإضافة إلى عدم المعرفة بتاريخ الكنيسة وتراثها. واليوم بعد سبعين عاماً أصبح الأقباط عارفين بتاريخ القديس ويذهبون يومياً تقريباً إلى مدينته الأثرية. وفى نفس الوقت بدأت مكتبات كنائسنا القبطية تمتلئ بالعديد من الكتب الثقافية نظراً لزيادة الوعى الثقافى لدى أبناء القبط هذا بالإضافة إلى أنه طوال الفترة السابقة كان للجمعية مقر مؤقت بكنيسة السيدة العذراء بمحرم بك ثم بعد ذلك بجماعة الإصلاح القبطى، أصبح للجمعية الآن منذ عام 1993 مقراً دائماً بمنطقة محرم بك (4 شارع موسى كاظم). أنها بحق جمعية تخدم فى المجال الروحى والتاريخى والثقافى. ويحق لنا نحن أبناء وأعضاء جمعية مارمينا أن نفتخر بها ونحن نحتفل بذكرى سبعين عاماً على تأسيس الجمعية. نطلب من الرب أن ينيح أنفس أبائنا الذين أسسوا الجمعية وليعوضهم الرب عن تعبهم فى فردوس النعيم. وها نحن نتطلع إلى جيل من الشباب البار المحب لكنيسته بصدق والمهتم بتاريخها ليحمل أمانة رسالة الجمعية لتواصل أداء رسالتها الروحية العلمية الهادئة جيلاً بعد جيل.