المصري المسيحي لديه عادات وتقاليد وسلوكيات اجتماعية تمثل له المعتقد الشعبي المستقر في وجدانه. وهذه العادات والتقاليد والممارسات الشعبية تلازمه منذ ولادته حتي نهاية حياته. فحين يولد طفلا, تتم معه طقوس وعادات وسلوكيات كثيرة بدءا من يوم الميلاد مرورا بما يسمي (السبوع), وهو ما يطلق عليه كنسيا صلاة الحميم, ويمارس الشخص العادي عدة سلوكيات شعبية في اختيار اسم المولود وفي طقوس يوم السبوع أو صلاة الحميم, من اختيار الشموع, والأبريق, والكلمات التي تردد في هذا اليوم, وتجميع الأطفال, وعمل دمية, واستخدام مكحلة. هذا غير ما يتم من قبل الكنيسة في صلاة الحميم, من حيث ربط الزنار الأحمر, أو وضع التيجان, وباقي طقس الحميم.
ومرورا بطوال حياة الإنسان نجد أن المعتقد الشعبي يمارس بتلقائية في كل المواقف الحياتية, فبعد السبوع, يأتي الختان وما يحيط به من عادات وتقاليد وممارسات شعبية, ولا تجد أسرة مسيحية تقف لتتساءل عن موقف المسيحية من الختان, وهي تمارسه دون أن تفكر في الخلفية العقيدية, وهل انتهي في العهد القديم, وما موقف الكنيسة منه الآن, وهل تستطيع أن لا تختن ابنها الذكر وسط الآلاف من الأطفال المختونين إذا عرفت أن ذلك ليس من العقيدة, وهل الكنيسة تستطيع أن تثني أحد عن هذا الأمر إذا وجد أنه ليس أمرا عقيديا؟ أو أنه رمز انتهي, أم هو من العقيدة, وله عيد مستقر في الكنيسة يسمي عيد الختان؟. ويمارس هذا الأمر حتي الآن كمعتقد شعبي مع خلفية عقيدية غير واضحة لدي الشعب.
ثم تأتي بعد ذلك المعمودية, فتجد أن هناك أسرا قبطية تنذر المعمودية, وتفضل أن تعمد مولودها في الأماكن الأثرية أو الأديرة, وبالأكثر في الموالد الشعبية, وهناك تمارس عادات وتقاليد وسلوكيات خاصة مصاحبة للمعمد, مثل زفة المعمد علي ظهر حصان, وملابس المعمد, والمدائح والكلمات التي تردد مصاحبة للزفة, ونثر السكر والحلوي علي الجموع, وترديد عبارات مباركة للوالدين من مسيحيين وغير مسيحيين, حيث يطلق علي هذا السر تنصير المولود. والمتأمل في الكلمات التي توجه لأسرة الطفل التي تذهب للمولد لتنصير طفلها, يجد أن هناك قطعا أدبية شعبية بديعة, ولها مدلولها الخاص, وتمارس هذه الأمور, لكن السؤال ما هو العلاقة بين المعتقد الشعبي والممارسة الشعبية المصاحبة لذلك وبين العقيدة, وما موقف الكنيسة من تلك العادات والتقاليد والممارسات الشعبية؟
وفي معظم تفاصيل حياة الإنسان نجد تلك الممارسات الشعبية, في الخطوبة والزواج, من حيث دبلة الخطوبة, وفيما يصاحب الزفاف من عادات وتقاليد, وعمل تحويطة, وتفاصيل أخري.
ومن ضمن الممارسات الشعبية هناك زيارات الأديرة والكنائس الأثرية, واللجوء للآباء الكهنة التماسا للشفاء, أو لإخراج أرواح نجسة, أو لإنهاء أعمال سحر, أو قصده لحل مشكلة زواج, الكثير والكثير من هذا القبيل. والملاحظ في زيارة الموالد والكنائس والأديرة ومزارات الشهداء, أن هناك ممارسات شعبية, مثل خطابات وقصاصات الورق التي يخاطب بها الشعب القديس أو الشهيد, ومدي اعتقاده في قدرة هذا القديس أو الشهيد, أو الأب الكاهن في الكنيسة أو الراهب في الدير. أيضا المدائح والترانيم, والوشم, والكثير من مظاهر الاحتفالات الشعبية بجانب القداس وكلمات الوعظ, وتمارس تلك العادات والتقاليد والممارسات الشعبية ببساطة وتجد أنها متنوعة يمارسها المتعلم والمثقف الغني والبسيط الحال, الرجل والمرأة, الشاب والصبي, وتجد أن هذا الأمر متغلغل في الوجدان. ولا يمارس أحد هذه الأمور وعينه علي معتقدات الكنيسة في هذا الأمر.
هذا بجانب العادات والتقاليد في التراث الشعبي القبطي الخاصة بالأعياد والمناسبات, علي سبيل المثال شم النسيم وما يصاحبه من عادات وممارسات اجتماعية, مثل تلوين البيض, وأكل السمك المملح, والخروج للحدائق, وأيضا ما يصاحب عيد الغطاس وباقي المناسبات. وهكذا حتي نهاية حياة الإنسان تمارس تلك الأمور الشعبية, ففي الجناز الكثير من العادات والتقاليد والممارسات الشعبية, فلدينا الكثير, فهناك صلاة اليوم الثالث, والسبوع, واليوم الخامس عشر, والأربعين, والذكري السنوية, بل أنه من أول يوم الوفاة, وتجد تلك الممارسات الشعبية, والعادت والتقاليد المصاحبة لكل ذلك, بدءا من غسل الميت, وتكفينه, وحتي في دفنه له وضعية معينة من حيث اتجاه الشرق, هناك عدة أمور يمارسها أهل الميت, مثل إطلاق اللحي, واسترسال شعر النساء وعدم التزين, وعدم الذهاب للكنيسة, والنادبات, وما يقلنه من قطع أدبية. هذا غير المعتقدات الشعبية, في روح الميت, ورحلتها بعد خروجها من الجسد, والكثير من الملبسات في هذا الأمر.
وهذه العادات والتقاليد التي ذكرناها أعلاه بجانب معتقدات شعبية أخري يمارسها القبطي علي مر تاريخ حياته, وهي تمثل التراث الشعبي القبطي, وفي مجملها تسمي بالفلكلور القبطي. والفلكلور يقصد به دراسة العادات المأثورة والمعتقدات الشعبية, والفلكلور حرفيا يعني (معارف الناس, أو حكمة الشعب). والفلكلور أصبح علما في العصر الحديث, وتم صياغته علميا, حيث أدخله العلامة وليم تومس لأول مرة علي المصطلحات العلمية سنة 1846م, ووضعت له قواميس وموسوعات تتناول المصطلحات والدراسات الشعبية. بل عقدت له مؤتمرات مثل مؤتمر (أرنيهم) في هولندا عام 1955م. كما وصل الاهتمام بعلم الفلكلور بأن خصصت له معاهد, وله جمعيات ومؤسسات تبحث في التراث الشعبي والأدب الإنساني مثل معهد الفلكلور الأيرلندي, والمعهد الشمالي للأدب الشعبي بكوبنهاجن أسس سنة 1959م. ومدرسة الدراسات الأسكتلندية أدنبرة 1950م.
وقد لاحظ الباحث أن هذا التراث الشعبي القبطي هو تراث غني وثري جدا, وأن دراسته تمدنا بالكثير والكثير من الأمور الإنسانية العظيمة, التي من شأنها أن تعمل علي رقي الإنسان, وتوجيهه لحياة أفضل حيث في الفلكلور عامة تتشابك معا العلوم الإنسانية, فنجد التاريخ والتراث والأنثروبولوجيا, وعلم النفس والتربية, والإثنولوجيا, وإجمالا معظم العلوم الإنسانية.
والملاحظ في كل هذا, لا يسأل أحد هل هذه العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية متفقة مع العقيدة الدينية, أم هي ممارسات شعبية متوارثة, علي مر الأجيال, وهل يمكن أن يمتنع عن ذلك إذا اتضح أن هذه التقاليد والعادات والسلوكيات الشعبية, لا تتفق مع العقيدة, وهل قامت الكنيسة بدراسة هذه الظواهر ووجهتها, وهل تستطيع الكنيسة أن توجه وتعدل تلك الأمور المستقرة في وجدان المصري المسيحي.