إذا تعين علينا أن نحفظ الاقتصاد العالمي حيا دوما, وأن نحسن مستويات العيش للجميع, يتحتم أن نواجه التحدي في مناح ثلاثة رئيسية: (1) تمكين السكان في كل منزل من الوصول إلي خدمات الطاقة المحدثة التي يمكن أداء مقابلها, (2) وجعل خدمات الطاقة متاحة لمقابلة الطلب المتصاعد بحدة, (3) في الوقت الذي يتم فيه كبح ابتعاثات غازات الدفيئة.
النمو المنفلت للسكان
معظم النمو في الطلب علي الطاقة سيأتي من الاقتصادات سريعة النمو للعالم النامي
فكل ثلاثة أعوام يتزايد سكان العالم بنحو 300 مليون نسمة ـ تقريبا بحجم ولايات متحدة أخري ـ بصفة رئيسية في الدول النامية.. التي لأجلها يعد توفير مدخل أكبر للطاقة التجارية التي يتسني أداء مقابلها (دفع ثمنها) ضرورة لا مناص منها لنزعها من براثن الفقر. وفي المقابل يتوقع أن يحوم النمو الاقتصادي في دول منظمةالتعاون الاقتصادي والتنمية حول 2% في السنة, أي نصف معدل النمو في العالم النامي.
ويتوقع مجلس الطاقة العالمي أن ينمو الطلب علي الكهرباء والنقل سريعا في كافة مناطق العالم حتي عام 2030 علي الأقل. وستبقي أنواع الوقود الأحفوري أكبر مصدر للطاقة للنصف الأول من القرن موفرة 80% علي الأقل من الطاقة الأولية التي يحتاجها العالم وسيستمر قطاعا الكهرباء والنقل في اعتمادهما علي أنواع الوقود الأحفوري لعديد من السنوات القادمة.
وتؤول ابتعاثات غازات الدفيئة إلي ضعفها إذا لم يتخد أي إجراء حيال خفضها.
يأخذ مجلس الطاقة العالمي بعين الاعتبار تحذيرات التقييمات العلمية بوقوع التدمير البيئي المرتقب من جراء الدفيئة العالمية التي يسببها البشر, فإذا لم يتخذ إجراء الآن علي المستوي المحلي فإن الزيادة المتوقعة في الطلب علي الطاقة ستصاحب بارتفاع هائل في ابتعاثات غازات الدفيئة. وعلي النطاق العالمي, كمثال, ستتضاعف ابتعاثات غازات الدفيئة إلي 46 بليون طن سنويا قبل عام 2050 إذا استمر استهلاك الوقود الأحفوري بمعدلاته الحالية, ويرجح أن ترتفع ابتعاثات ثاني أكسيد الكربون (Co2) في العالم النامي إلي 200%.. وقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح أكبر باعث لغازات الدفيئة في العالم.
وقد تجاوزت ابتعاثات ثاني أكسيد الكربون الضعف بالفعل منذ عام 1971 في قطاع النقل, وبصفة رئيسية النقل البري, وارتفعت في قطاع الكهرباء بمقدار 80% وتتسبب الكهرباء والنقل حاليا في 66% من الابتعاثات الكلية لثاني أكسيد الكربون بقطاع الطاقة, وحيثما يتنامي الطلب علي خدمات الطاقة هذه, فإن مشاركتها في ابتعاثات غازات الدفيئة تؤول للزيادة علي نحو جسيم.
إجراء جسور وعاجل مطلوب الآن بشأن تغير المناخ
تؤكد تقارير دولية عديدة أن معالجة التغير المناخي الآن سيكون أقل خطورة وتكلفة للاقتصاد العالمي عما لو تم تأجيله. واتخاذ خطوات جسورة ومبكرة لكبح ابتعاثات غازات الدفيئة يبدو ذا عائد مربح لقطاع الأعمال والحكومات والمستهلكين. ويقدر تقرير بريطاني حديث أقل تكلفة سنوية لتثبيت الابتعاثات بمقدار 1% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 ـ رغم أنها ربما تقدر بتكلفة 3.5% في السنة ـ إذا تحركنا الآن, وتجنب فعل ذلك قد يقلص الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمقدار 20%.
إن السياسات والتنظيمات الحكومية الطموح للطاقة, التي تضع نصب عينيها المدي الطويل, مطلوبة الآن لتثبيت أو تقليص الابتعاثات محليا وإقليميا, ومطلوبة كذلك للحد من نمو ابتعاثات غازات الدفيئة علي النطاق العالمي, بيد أن كبح هذه الابتعاثات ليس مسئولية وحيدة لأي شركة أو حكومة بعينها.. إنها تتطلب اتفاقا وتعاونا علي نطاق العالم.
ويتعين ألا يبخس تقدير درجة وسرعة التغير التكنولوجي والتوقيت الزمني لتلك الاستثمارات وتكلفتها للمجتمع, كما يتعين أن تشرح بوضوح لواضعي السياسات والجمهور سواء بسواء.
ووفقا لتقرير أصدره مجلس الطاقة العالمي عن الطاقة وتغير المناخ فإن هذه السياسات مطلوبة كذلك لتعزز علي نحو فائق الاستثمارات في هياكل البنية الأساسية للطاقة, وفي البحوث, والتطوير, والتطبيق واسع المدي للتكنولوجيات النظيفة, وتكنولوجيات كفاءة الطاقة.
إن زيادة كثيفة في الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير هذه التكنولوجيات مطلوبة كذلك, غير أن الاستثمار الأكبر.. والتوسع في هذه الشراكات.. سوف يحدث فقط إذا كان هنالك التزام أعمق من قبل الحكومات, وأجهزة التنظيم, بالترادف مع الشركات العاملة في مجال الطاقة.
أما الأخبار السارة فتنبئ بأن الاعتراف والقبول والتسليم بالاحتياج إلي وضع سياسة بعيدة النظر يتنامي بين الحكومات, الأمر الذي يشكل دعامة ضرورية لاستثمارات أكبر بقطاع الطاقة.
وفي جبهة إنتاج الطاقة يلزم أن تبقي الحكومات واسعة الأفق, ولا تستبعد أي مصدر وقود أو أي خيار للتكنولوجيا إذا ما تعين علينا أن نظل راسخين علي غايتنا لعالم خفيض الكربون.
فمن المحتم أن تبقي القوي النووية, والمشروعات الهيدروكهربية الكبري, واحتجاز الكربون وتخزينه, علي مائدة الخيارات جنبا إلي جنب مع تكنولوجيات الطاقات المتجددة التي يمكن أداء مقابلها.
وسواء أعددنا العدة الآن أو فيما بعد لنضع أطر العمل القانونية والسياساتية المستنيرة موضع التطبيق, فإن ذلك سيؤثر علي التكلفة والجدول الزمني لدفع استثمارات الطاقة اللازمة لنقل التكنولوجيات والنظم المؤكدة النظيفة إلي دول العالم النامي, وتدريب وتعليم القوي العاملة المحلية بها علي تشييد وتشغيل وصيانة هذه المنشآت جميعها.
ولسوف يتغير الشكل الذي تتخذه هذه السياسات وفقا لظروف كل دولة أو إقليم, وهي تشمل الضرائب, والتنظيمات, وتأسيس الإماميات القياسية, ورفع الدعم عن مصادر الكربون, ودعم التكنولوجيات خفيضة الكربون, واستدخال التجارة في تراخيص الكربون.