منذ أيام أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، إن عددًا من القطع الأثرية المعروضة بمتاحف في ألمانيا تعرضت لهجوم بغرض تشويهها، ولفتت إلى أن ما لا يقل عن 70 قطعة أثرية تعرضت لهجوم بسائل زيتي في منطقة جزيرة المتاحف في العاصمة برلين، وأن القطع الأثرية المعروضة بالمتاحف، والتي تعرضت للهجوم كانت تشمل توابيت مصرية قديمة ومنحوتات حجرية، ولوحات تعود إلى القرن الـ19 وأنباء أن التشويه وصل إلى تمثال نفرتيتي، مما جعل البعض يغضب ويثور على ما حدث لآثارنا هناك ويذكرنا بالتاريخ الحزين لسرقة الآثار المصرية في عديد من دول أوروبا وهو ما جعلنا ننبش في التاريخ المصري ونستعرض بعض من الحقائق ونجيب عن السؤال الهام بما يخص ألمانيا فقط: كيف خرجت الآثار المصرية ووصلت إلى ألمانيا؟
هوس الأوروبيون بالآثار المصرية جعلهم يسرقوا ما استطاعوا
سحر الآثار المصرية وجمالها جعل عشاقها على أتم الاستعداد لدفع الغالي والنفيس من أجل اقتنائها، وتسخير اللصوص من أجل تحقيق مآربهم وضمت مراحل نهب الآثار، جحافل من المغامرين و اللصوص والمهربين والتجار، الذين وفدوا مع فرق التنقيب وتخفوا أحياناً تحت عباءة قناصل الدول وفي أحيان أخرى علماء الآثار، واتجه المغامرون الأوائل إلى سرقة المومياوات التي وجدوها أمراً متاحاً في العصر الحديث ومنذ القرن السادس عشر الميلادي؛ انبهر الأوربيون بآثار مصر وكنوزها، وتمّنوا أن لو استطاعوا نقلها إلى بلادهم، بحجة أنهم الأقدر على المحافظة عليها معتبرين إياها تراثا عالميا، وبهذه الحجة استطاعوا أن يقنعوا بعض الحكومات المصرية المتتالية بل والكثير من أفراد الشعب المصري وبعض علمائها خلال تلك الفترة، واستغل الأوربيون هذا المناخ فغرفوا من آثار مصر وكنوزها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ودفع إقبال الأجانب على الآثار المصرية؛ قيام الأهالي ببيعها من أجل الحصول على الأموال و فتحت مصر أبوابها لكل من هب ودب لاكتشاف الآثار وسرقتها وسارعت ألمانيا ودول أخرى إلى التنقيب عن الآثار في مصر، حيث كانت أول البعثات الأثرية الدولية، التي خرجت في بداية القرن التاسع من بروسيا قاصدة الأراضي المصرية؛ للبحث والتنقيب عن الآثار، فقد قادها الأثري ريتشارد ليبسيوس، أحد أشهر علماء المصريات آنذاك، وقامت البعثة بمسح كامل لآثار مصر الظاهرة في ذلك الوقت، وسجلتها بالرسم والكلمة المكتوبة. ولا يزال هذا السجل مصدرًا رئيسًا للآثار التي فقدت أو تشوهت.
·
تمثال نفرتيتي أشهر اكتشاف مصري سرق إلى ألمانيا
وأبرز هذه الاكتشافات للبعثة الألمانية كانت اكتشاف تمثال نفرتيتي، وهو النسخة الأصلية الوحيدة والذي يعد من أثمن التحف الأثرية ويعود إلى القرن الـ 14 قبل الميلاد، حتى ضللت البعثة السلطات المصرية عن التمثال، وكتب في مذكرة الحفائر الخاصة باقتسام الآثار المكتشفة، أن التمثال الذي عُثر عليه مصنوع من الجبس، ويعود إلى أميرة ملكية، وتعمد الألماني طمس هوية نفرتيتي حتى يستطيع تهريبها إلى ألمانيا، حسبما أكد الكاتب محسن محمد في كتابه “سرقة ملك مصر”، ولا تزال ألمانيا إلى الآن تصر على ملكيتها لنفرتيتي رغم المحاولات المصرية لاستعادته.
وعندما كان زاهي حواس، الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للآثار المصري، دخل في صراع طويل مع مدير متحف برلين،
ديتريش فيلدونج، حول أحقية مصر في استعادة رأس التمثال، خصوصًا بعدما قام فنانون مجريون في سنة 2003 بوضع رأس نفرتيتي لفترة قصيرة فوق مجسم لتمثال برونزي عارٍ، وإثر ذلك، نشطت الدبلوماسية المصرية في محاولة إعادة التمثال – سبق هذه المحاولة محاولات كثيرة منذ اكتشاف التضليل ولكنها جميعا باءت بالفشل- ، غير أن مساعيها باءت مرة أخرى بالفشل.
·
هتلر أمر بإعادة التمثال وبعد أن رأه غير رأيه
لم تكن هذه هي المرة الأولى في محاولة إعادة التمثال إلى مصر، كما أشرت، ففي عام 1938 بلغت المطالبة بالتمثال ذروتها و كادت تصل إلى النجاح، عندما نشطت الدبلوماسية المصرية في محاولة لإعادته، حتى أن هتلر أمر آنذاك مدير متحف برلين بإعادة التمثال إلى مصر لكن مدير المتحف كتب إلى هتلر يستمهله ويدعوه إلى إلقاء نظرة على التمثال قبل أن يذهب إلى مصر، وقف هتلر مشدوهًا أمام جمال الملكة نفرتيتي، وخرج ليعلن أن مكان التمثال هو ألمانيا .
مليون قطعة أثرية مصرية تزين أكبر 40 متحفاً حول العالم.. 80 ألف في متحف برلين
بحسب أشرف العشماوي، المستشار القانوني الأسبق للمجلس الأعلى للآثار في كتابه “سرقات مشروعة”، مليون قطعة أثرية مصرية تزين أكبر 40 متحفاً حول العالم، وعلى رأس تلك المتاحف، المتحف البريطاني بالعاصمة الإنجليزية لندن، والذي يحتوي علي أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، لا تشمل مجموعة وندورف التي أُهديت إلى المتحف سنة 2001، وهناك أيضاً متحف برلين الجديد بألمانيا، وبتري للآثار المصرية ببريطانيا، حيث يحوي كل منهما أكثر من 80 ألف قطعة أثرية، ثم متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس بحوالي 50 ألف قطعة أثرية، ومتحفا الفنون الجميلة بمدينة بوسطن، وكيسلي لعلم الآثار بمدينة ميشيجان، الأمريكيتين، بحوالي 45 ألف قطعة أثرية مصرية لكل منهما وغيرها من المتاحف التي تتزين بآثارنا.
وزارة الآثار تؤكد في تقرير رسمي : 33 ألف قطعة أثرية خارج مصر
على مدار الحكومات المتتالية منذ سرقة الآثار المصرية إلى ألمانيا وأوروبا، سواء قبل ثورة يناير وما بعدها حدثت مطالبات كثيرة دولية وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات سنة 2016 استعادة مصر 1300 قطعة أثرية مسروقة منذ 2011 حتى 2016، وأشارت وزارة الآثار يوم 17 أغسطس 2017 في تقرير أعدته إدارة المخازن المتحفية، إلى أن هناك نحو 33 ألف قطعة أثرية من تماثيل نادرة صغيرة الحجم، قد اختفت من مصر خلال الخمسين عاماً الماضية في ظروفٍ غامضة لم يُعرف حتى الآن كيف هُربت إلى الخارج، وقال سعيد شبل، رئيس إدارة المخازن المتحفية بوزارة الآثار وقتئذ في تصريحات صحفية، إن هناك الآلاف من القطع الأثرية غير مسجلة داخل وزارة الآثار، فثمة مخازن أثرية كاملة لم يتم جردها من قبل، ومن دون تسجيلها وتوثيقها في سجلات وزارة الآثار لن تستطيع الوزارة استردادها مرة أخرى.
الآثار المصرية المسروقة في ألمانيا ليست فرعونية فقط
جدير بالذكر بعد أن خرج الكثير من الآثار المصرية انتشرت في شتى أنحاء ألمانيا فهناك مجموعة من الآثار القيمة المعروضة في متحف مجموعة الفن المصري القديم في ميونيخ، تمثل مراحل النحت المصري القديم عبر مراحله المختلفة، بدءًا بالحضارة النوبية، أي حضارة ما قبل التاريخ، ومرورًا بالحضارة الفرعونية من خلال الممالك القديمة والمتوسطة والحديثة، وحتى الوصول إلى الحضارة الرومانية. كذلك، وأحد أهم المعروضات تمثال الإله أمون المصنوع من البرونز الخالص، ويرجع لعهد الأسرة 26 (600 ق.م)، وتمثال للإله حورس من الأسرة 27 ( 500 ق.م)، إضافة إلى أوراق عديدة من البردي معروضة وهي تمثل العهد الفرعوني والبطلمي وحتى الروماني، كما أن كثيرًا من الفخاريات موجودة في المتحف، تمثل حياة المصري القديم في العديد من أنشطته. إحدى الفخاريات تبدو على هيئة تمساح وترجع إلى سنة (3300 ق.م) تماثيل عديدة من المملكة القديمة أهمها مغسلة لليد ترجع إلى سنة (2350 ق.م)
جهود “الآثار” تثمر مؤخرا عن عودة 5 قطع أثرية من ألمانيا
منذ شهرين استطاعت وزارة السياحة والآثار تسلم 5 قطع أثرية صغيرة قامت الحكومة الألمانية بضبطها لإعادتها إلى بلدها الأم مصر، وأشارت وزارة السياحة والآثار – في بيان- إلى أن ذلك جاء على هامش اللقاء الذي عقده الدكتور خالد العناني مع الوزير الألماني ضمن سلسلة اللقاءات والاجتماعات الرسمية التي يعقدها مع الجانب الألماني خلال زيارته الحالية القصيرة للعاصمة الألمانية برلين؛ لبحث استئناف حركة السياحة الألمانية الوافدة إلى المقاصد السياحية المصرية، ووجه “العناني”، الشكر لوزير الدولة للشؤون الخارجية على التعديلات التشريعية بالقانون الألماني لحماية الممتلكات الثقافية الأجنبية وتوفير حماية أكبر لآثار الدول ووقف الاتجار غير الشرعي فيها داخل ألمانيا، والتي من شأنها تعمل على مساعدة البلاد؛ لاستعادة آثارها المسروقة والمهربة بطريقة غير شرعية.