أكثر من خمسة أشهر, والعالم يترقب بحذر اجتياح هذا الفيروس القبيح الذي أذهل العلماء وجعل الباحثين في حالة من الارتباك أمام سرعته الشديدة في الفتك بالإنسان.. فجعل ملوك ورؤساء العالم يعلنون بشكل يومي عدد وفيات مواطنيهم بكل خزي وأسف وجعل بعضهم يرفع يديه للسماء للتدخل أمام عجز البشر.. فاكتست الكرة الأرضية بالحزن لما آلت إليه معظم دول العالم والشعوب التي لم يصبها الفيروس اللعين أصابها القلق من أن يأتي اليوم الذي يسكن فيه هذا الفيروس صدورها, بالرغم من الإجراءات الاحترازية التي قامت بها كل الدول والعزلة التي فرضتها علي أنفسها.
ويبقي سؤال عالق في الأذهان: ماذا فعل بنا فيروس كورونا؟.. هل أفقدنا طعم الأشياء؟.. أم جعلنا نكتشف معني آخر للحياة؟
علي كل المستويات هو أفقدنا الكثير.. ففقدنا أحباءنا, ولكنه أعطانا الفرصة ولو لأيام أن نودعهم وأعطاهم فرصة أن يتهيأوا للقاء ربهم وهم في أشد لحظات ضعفهم الإنساني ولكنهم في أفضل حالاتهم الروحية المستعدة.. كورونا هذا الفيروس الذي لا يري بالعين المجردة قلب موازين القوي في العالم وأربك أعتي الدول قوة وغرورا وكشف عن نقائص دول كانت تظن أنها فوق الكوارث, ورفع من مكانة دول نامية استطاعت أن تدير الأزمة بحكمة وحنكة حتي أنها تمد يد العون بالمساعدات الطبية لدول كانت مانحة للمعونات, هذا الفيروس اللعين استطاع أن يوقف حروبا كادت تنذر بحرب عالمية ثالثة تزهق ملايين الأرواح.. كسر كبرياء دول كانت تتحكم في الاقتصاد العالمي خاصة النفط وكانت الدول الفقيرة هي التي تدفع الثمن.. نزع القناع عن أثرياء كانوا يتغنون بالوطنية وفي أول محك حقيقي لم نر منهم سوي تصريحات هشة تفضح حقيقتهم.
أبعدنا عن دور العبادة وأمرنا أن تكون الصلاة في الخفاء داخل بيوتنا فانصرفنا عن الخروج إلي بيت الله لنكتشف أنه داخل قلوبنا, فقط نرفع عيوننا إلي السماء لنطلب منه إعانتنا علي ما نحن فيه ونشكره علي نعم كثيرة لم نكن نشعر بها في غمرة مشغولياتنا اليومية..
نعم كورونا جاء ليسطر تاريخا جديدا في حياة البشرية بين ما قبله وما بعده ولعل أكثر من يشعر بالفارق هم متعافو كورونا الذين خاضوا تجربة الموت وصراع فيروس جاء ليكسر شوكة الأقوياء ويساوي بين الجميع.
فإذا كانت أقدارنا أن نعيش في كابوس كورونا المفزع, فعلينا أن نستغل هذه الضربة الحادية عشر والتي ذكرتني بالضربات العشر التي ضرب بها الله فرعون ليحرر بني إسرائيل من الذل والاستعباد, وأن ننظر للحياة بنظرة مختلفة ونستمتع بطعم أشياء كنا فقدنا الإحساس بها في زمن تحكمه المادة وتسيطر عليه العولمة وكل أنواع التكنولوجيا.