وقال لهم عن الروح المعزي إنه يمكث معكم إلي الأبد, ويكون فيكم (يوم 14: 17,16) وإنه يعلمكم كل شيء, ويذكركم بكل ما قلته لكم (يو 14:26) حقا, كان هو المعزي, قبل أن يرسل لهم الروح المعزي.
كان التلاميذ حزاني, لأنه صارحهم بأنه سيفارقهم… كانت عبارته التي قالها عن نفسه النور معكم زمانا قليلا بعد (يو 12:35) تهزهم هزا. لذلك نراه بالإضافة إلي كل التعزيات السابقة, وعدهم أيضا قبل الصعود بقوله ها أنا معكم كل الأيام, وإلي انقضاء الدهر (مت 28:20).
أيضا ما أعمق عبارات التهدئة التي قالها لهم:
سلاما أترك لكم. سلامي أنا أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع. سمعتم أني قلت لكم أنا أذهب ثم آتي إليكم لو كنتم تحبونني, لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الآب (يو 14: 28,27).
لاتضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي (يو 14:1) وقبل أن يمضي, منحهم الطهارة, ومنحهم سر الأفخارستيا.
قام عن العشاء, وخلع ثيابه وأخذ منشقة وائتزر بها ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه, وبمسحها بالمنشفة. ثم قال لهم بعد ذلك أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم لأنه عرف مسلمه (يو 13: 4ـ10) ومعلمنا يوحنا الإنجيلي بدأ قصة غسل الرب لأجل تلاميذه, بعبارة مؤثرة قال فيها:
يسوع.. وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلي الآب, إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم, أحبهم إلي المنتهي… (يو 13:1)
هذا الحب حتي المنتهي الذي أحب به خاصته, هو الذي كان يشغله قبل مضيه من هذا العالم. وبسببه تجسد, ولأجله مات.
بهذا الحب تعشي مع تلاميذه العشاء الأخير…
واحتفل بالفصح معهم. وبهذا الحب قال لهم: خذوا كلوا. هذا هو جسدي خذوا اشربوا, هذا هو دمي الذي للعهد الجديد (مت 26: 26ـ28) أعطاهم هذا السر العظيم ليثبتوا فيه حسب وعده (يو 6:56).
وبهذا الحب سهر معهم سهرة طويلة وكأنها سهرة الوداع ولو إلي حين… إلي حين أن يرجع إليهم فتفرح قلوبهم. هذه السهرة, حدثهم فيها حديثا طويلا كله تعزية وتوصية وتقوية شملت في إنجيل يوحنا خمسة أصحاحات (يو 13ـ17).
وختم حديثه معهم بصلاة طويلة لأجلهم كلها حب (يو17) وكان يقول عنهم للآب باستمرار هؤلاء الذين أعطيتني…
وطلب إلي الآب قائلا احفظهم في اسمك الذين أعطيتني.
لست أسأل أن تأخذهم من العالم, بل أن تحفظهم من الشرير….
قدسهم في حقك… لأجلهم أقدس أنا ذاتي, ليكونوا هم أيضا مقدسين في الحق.. وكم كان قلبه رقيقا حين قال عنهم:
أيها الآب, أريد أن هؤلاء الذين أعطتني, يكونون معي حيث أكون أنا (يو 17: 24).
كذلك طلب إلي الآب من أجل وحدتهم ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليكونوا واحدا كما إننا نحن واحد (يوم 17:21ـ 22).
طلب أيضا من أجل كل الذين سيؤمنون به بكلامهم, أي من أجل الكنيسة كلها, وختم تلك الطلبة الطويلة بقوله للآب:
عرفتهم اسمك وسأعرفهم, ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به, وأكون أنا فيهم (يو 17:26).
حقا, ما أعجب هذا الحب الذي طلبه لأجلهم. وأيضا, لما كان الشيطان مزمعا أن يغربلهم, طلب لأجلهم لكي لا يفني إيمانهم (لو 22:32,31)
كان إيمان هؤلاء هو الذي سيبني إيمان الكنيسة كلها.
لذلك اهتم به الرب, وبتقويته وتثبيته, تقوية لإيمان الكنيسة.
فلم يهتم الرب بهؤلاء القادة فقط, بل بالجميع.
موقف مؤثر للرب في الأسبوع الأخير, أن نراه يبكي علي أورشليم (لو 19: 41) ويقول لها كم مرة أردت.. ولم تريدوا (مت 23:67)
وموقف مؤثر آخر أن نراه في الأسبوع الأخير, يذهب إلي بيت عنيا, بيت أحبائه لعازر ومريم ومرثا (مت 21:17) وموقف مؤثر ثالث, أن نري اهتمامه قد شمل حتي يهوذا الخائن:
فوجه إليه إنذارات كثيرة. وسمح له أن يأكل من نفس صفحته. وأظهر له من الرعاية ما جعله يندم فيما بعد, ويرجع المال إلي رؤساء الكهنة ويقول أخطأت إذ أسلمت دما بريئا (مت 27:4) ولولا يأسه لتغير حاله…
واهتمام المسيح بالناس, بلغ عمقه وهو علي الصليب
اهتم بالذين صلبوه وطلب لهم المغفرة بقوله ياأبتاه, اغفر لهم, لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون (لو 23: 34). وهكذا لم يصفح عنهم فقط, وإنما أيضا التمس لهم عذرا….
واهتم باللص التائب المصلوب معه. واستجاب لطلبته وقبلها. ووعده قائلا اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23:43).
واهتم وهو علي الصليب بأمه العذراء, وعهد بها إلي تلميذه يوحنا, وأعطاه بركة إقامتها في بيته (يو 19:27).
وهكذا كانت غالبية كلماته علي الصليب موجهة إلي الناس, أو من أجل الناس أليس صليبه كله كان لأجل الناس.
حقا ما أعجب اهتمام الرب بالبشر.. كيف كانوا في قلبه وفي فكره في أحرج الأوقات, في أعمق أوقات الألم.
كان ذلك مظهرا من اهتمام الرب عموما بالكل.
حيث كان طوال فترة تجسده علي الأرض يجول يصنع خيرا أع 10:28 ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب مت 4:23.
إن الله هكذا منذ البدء. كيف كانت الأرض خربة وخالية وعلي وجه الغمر ظلمة فلم يتركها, وكان روح الله يرف علي وجه المياه تك 1:2 وزين الله هذه الأرض بالجمال وأزال ظلمتها بالنور وعمرها بالحياة.
ما دام الله هكذا, فليثبت إيماننا بمحبته, ولنثق كل حين أنه يهتم بنا, حتي دون أن نطلب, وحتي إن لم نهتم نحن بأنفسنا.