كل الصروح التي شيدها البشر باسم الله, ثم تناحروا علي حماية بعضها, وهدم البعض الآخر ها هي تغلق اليوم, بسبب فيروس كورونا, كل المعابد والكنائس والمساجد, التي تفوق إعدادها إعداد المشافي اللازمة لمواجهة المرض, كل الذين كفرونا وباسم الدفاع عن الدين عذبونا, ثم أباحوا دماءنا, وقتلونا, ولعنوا الغرب الكافر وحاصرونا, اليوم معظمهم يلتزم الصمت, وكما يقول الدكتور طلال صبوح الكاتب السوري:أنظار الشرق تبحث عن أحفاد جابر ابن حيان وابن الهيثم وابن سينا والرازي لعل في جيوبهم حبة دواء, وعندما تأكدوا أنهم قتلوهم, وغيبوا ذريتهم بحد السيف, ارتموا بأحضان الغرب الكافر بحثا عن الحل, ولم ينتظر أحد في الغرب ظهور المخلص, ولم يسأل أحد في الشرق عن ظهور المهدي.
كل البشر يحبسون أنفاسهم وينتظرون العلماء. لكن هنا نبتة شريرة, رواها الشيطان لا تمل رفع راية الخلاف.
الكل يخضع لذات الإجراءات, الحج والعمرة والتقديس, المعبد والكنيسة والمسجد, وكثيرون ممن ظلوا بؤرة تهييج للبسطاء, تنحوا عن المشهد اليوم, وتركوا الكلمة الأخيرة للعلم, لكن النبتة الحرام التي نبتت في أرض التطرف, وفي شرنقة الاضطهاد, تأبي التخلي عن فوبيا المؤامرة علي بيوت الله, فبعد عدد كبير من الإجراءات الاحترازية, التي اتخذتها الدولة ما زلنا أمام هيستريا يصدرها البعض علي الجانبين, المسيحي والإسلامي. كلما ثار الحديث عن إغلاق مؤقت للكنائس أو تحديد أعداد المصلين في القداسات, وكذلك كلما ثار الحديث عن إلغاء صلاة الجمعة, حتي أن الأوقاف قررت اختصارها إلي خمس دقائق, وكأن الفيروس لا ينتقل إلا بعد مرور الدقيقة الخامسة!
ما زالت بعض النفوس ترفض العلم, والمنطق, وتستعين بالقدرية التي لا صلة لها بالإيمان, وللاسف أون لاين فقط, فكثير من أولئك المتشنجين لا ينزل فعليا إلي دور العبادة, أنهم فقط يجلسون خلف الشاشات, ويقومون بعمل أشبه بالعمل الكتائبي. ويتحدثون عن إيمان مختلف, إيمان القدر, الذي يوازي الاستهتار ويكرس لفكرة إيذاء الآخر والانتحار بترك العلة, وعدم الانصياع لرأي العلم, أما الإيمان الحقيقي في أي دين, فيرفض هذا الفكر, ولا يضع الإيمان الذي نحياه بالروح, في مواجهة مع المنطق والعلم, الذي نستوعبه بالعقل, الإيمان لا يدفع الإنسان لإيذاء الآخرين تحت دعوي الصلاة في بيوت الله, هذه البيوت التي أغلقت في العديد من الدول حاليا, والتزم كل مؤمن بيته تاركا خلفه صلبان الكنائس, حافظا إياها في قلبه, فارا من سجادة الصلاة, مفترشا إياها في منزله. تركوا كنيسة المهد والمسجد الحرام, فصارت قلوبهم مذبحا وكعبة. ولم يكفر أحدهم.
وبالرغم من عدم توجه أي شخص من المتشنجين – فيما يخص تحديد أو غلق دور العباد – باعتراض معلن علي أي قرار رسمي, إلا أنهم مستمرون في السفسطة الفيسبوكية, ولم يتوقف تشنجهم علي الإيقاف المؤقت للتجمعات في دور العبادة, بل راحوا ينشرون في المجتمع أن كورونا تأديب إلهي, وعقاب سماوي, وبينما تواجه الشعوب أزمتها بالأغاني مثلا يحدث في إيطاليا, نواجه نحن أزمتنا بالشعور بالذنب الديني, ونرجم بعضنا البعض بأحجار الخطية, ونجلد ذواتنا, وكأننا نحن سبب خراب الأرض وغضب الله عليها, لذلك جلب لنا كورونا!!
ما كل هذه المشاعر المريضة؟ الله لا يريد حوائط مشيدة وقلوبا غليظة, الله لا يجبر أحدا علي التوبة, ولا يهدد البشر بالمرض حتي يعودوا إليه, خاصة في العهد الجديد, وحتي في صلب العهد القديم يقول الكتاب:لم يصنع معنا حسب خطايانا,ولم يجازنا حسب آثامنا(مز103:10), الله أعطانا الحرية لنسلك ونختار كما نريد, وليس كما هو يريد وإلا علي أي شيء سوف تكون الدينونة إن لم نكن أحرارا؟ فها هي الآية الكتابية تقول:قد جعلت قدامك الحياة والموت.البركة واللعنة.فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك(تث30:19).
الله ليس بظالم حتي يضرب الأرض بالوباء لتأديب البشر, لا تنسبوا لله ما ليس فيه, ابقوا صامتين, فالله لا يريد بيوتا أمثالكم يحمونها, ولا ترضيه أوبئة تحصد بنيكم وذويكم, ابقوا صامتين لأن كل منكم يسيء لما ينتمي إليه من معتقد. وقد حانت الفرصة العظمي لسقوط مباخر المشعوذين, كما سقطت أقنعتهم في معركة كورونا.
حنان فكري