والسؤال إذن: ماذا فعل البابا شنوده بقبط مصر؟ جواب البابا يكمن في العبارة التي قالها عندما التقيته في عام 1964 وكان في حينها أسقفا للتعليم الديني. وقد دار اللقاء حول الفكرة التي كنت مهموما بها ومفادها إخراج شباب قبط مصر من الجيتو القبطي.
وقد جاءت إجابته مقتضبة وحاسمة لو وافقتك علي ما تقول فإن الخمسة آلاف الذين يواظبون علي الحضور لن يبقي منهم إلا خمسة. ومغزي العبارة أن البابا شنوده قد اتخذ قرارا خاصا به وهو توظيف الجيتو لرؤية من صياغته ولكنها متسقة مع مقتضيات الجيتو وهي حتمية الصدام مع النظام السياسي, وكان هذا النظام في حينها محكوما بالرئيس السادات. فماذا حدث؟ في بداية حكمه أفرج عن الإخوان المسلمين ثم حرضهم علي الصدام مع الناصريين والشيوعيين واليساريين في الجامعات. وقد أشرف علي إدارة هذا الصدام صديقه المقرب المهندس عثمان أحمد عثمان.
أما مسألة تجاور دينين في وطن واحد فقد تركها لوزير الداخلية ممدوح سالم وكان ذلك في عام 1971, وكان في حينها مؤيدا لانتخاب البابا شنوده إلا أنه مع تطور الأحداث غير رأيه لأن البابا كانت له رؤية في إدارة شئون كنيسته يصعب أن تتحكم فيها قواعد الأمن.
وفي عام 1972 عندما حدث حريق في كنيسة في أبوزعبل قاد البابا موكبا من الأساقفة سيرا علي الأقدام لإقامة الصلوات فيها. وارتأي السادات في حينها أن البابا يتصرف وكأن الدولة غير موجودة أو كأنه يريد أن يصبح دولة فوق الدولة. والجدير بالتنويه هنا أن رؤية السادات للبابا كانت هي رؤية الرئيس عبدالناصر عندما كان البابا راهبا ومستشارا مقربا من البابا كيرلس.
وعندما نشرت الصحف في أغسطس 1975 أن الحكومة برئاسة ممدوح سالم قد أرسلت قانون الردة إلي مجلس الشعب وهو ما يفيد تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية علي المرتد أذاع مجمع الإسكندرية أنه لن يخضع لهذا القانون إذا نفذ ومستعدون للدخول في عصر استشهاد جديد. وكان رد فعل الأزهر ممثلا في شيخ الجامع الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود أن التسويف في إقرار القوانين الإسلامية معصية لله ورسوله. وإثر ذلك برز مصطلح الأقلية للإشارة إلي جماعة المسيحيين وروجت له قيادات من الجماعات الإسلامية والقيادات القبطية. ودخلنا بعد ذلك في صراع بين أصولية إسلامية وأصولية مسيحية.
ومع ذلك كله فالمفارقة هنا أن موقف البابا شنوده من إسرائيل يتسق مع موقف شيخ الأزهر عندما أعلن رفضه لثلاثة أمور: الأمر الأول زيارة الأقباط للقدس قبل إحلال سلام عادل في الشرق الأوسط وزيارته هو للقدس لن تكون ممكنة إلا مع زيارة شيخ الأزهر.
والأمر الثاني: رفض التطبيع مع إسرائيل. والأمر الثالث: عدم مقابلة أي مسئول إسرائيلي حتي لو كان رئيس إسرائيل. ومن هنا أصبح لقب البابا شنوده بابا العرب. وبناء عليه نشأت ظاهرة جديرة بالتنويه وهي أن الباب أصبح مفتوحا لقيادات الإخوان في الالتقاء بشباب قبطي في أحد المراكز الثقافية القائمة في الأنبا رويس حيث المقر الرئيسي للبابا شنوده.
وكانت الغاية من هذه اللقاءات تكوين قيادات متحالفة بحيث تكون مهيأة للتلاحم مع الثورة الإسلامية القادمة. وهذا ما حدث عند استيلاء الإخوان علي الحكم في عام .2012