مصطلحان في حاجة إلي بيان: الأقلية والكوكبية. في انسيكلوبيديا بريتانيكا المجلد السادس من الطبعة الخامسة عشر, الطائفية تجمع من البشر متميز من حيث العرق والدين واللغة القومية عن باقي المجتمع الذين يقيمون به, ويفكرون في أنفسهم ويفكر فيهم الآخرون علي أنهم منفصلون ومتميزون. وفي هذا المعني فإن الطائفة تتهم غيرها بأنها طاغية ومتعصبة, أما غيرها فيتهمها بأن لديها إحساسا بالدونية, والمشترك بين الاتهامين أن الطائفة يمكن أن يقال عنها إنها مغايرة وبالتالي فإنها تواجه بما يقال عنه إنه تمييز عنصري.
هذا عن الطائفية فماذا عن الكوكبية؟ الكوكبية لفظ مشتق من لفظ كوكب الأرض وهو يعني المسارات التي تتقاطع مع الحدود بحيث تجعل من كوكب الأرض وحدة بلا حدود جغرافية أو سياسية أو دينية. وفي هذا المعني يمكن القول إن مركزية الكوكب بديل عن مركزية المجتمع أو مركزية الدولة, ومن ثم يتواري ما يقال عنه إنه طائفة. فإذا لم يحدث ذلك فمعني ذلك أن الوعي بالكوكبية في حالة سبات دوجماطيقي مردود إلي ما هو نقيض الكوكبية وأظن أن المحاولة الأولي لليقظة من السبات الدوجماطيقي حدثت بفضل نادي روما الذي تأسس في عام 1968 بتجمع من مائة مفكر من ثلاث وخمسين دولة يمثلون ثقافات وأيديولوجيات متباينة ولكن يجمعهم هاجس واحد هو ورطة البشرية. ومن هنا أصدر أعضاء هذا النادي تقريرا في عام 1991 عنوانه الرئيسي الثورة الكوكبية الأولي وعنوانه الفرعي استراتيجية لبقاء كوكب الأرض.
واللافت للانتباه هنا صدور التقرير في ذلك العام الذي انهارت فيه الكتلة الشيوعية برمتها. إلا أن المفارقة هنا انعقاد ندوة في عام 1987, أي قبل أربعة أعوام من صدور ذلك التقرير, عقدتها لجنة الدفاع عن الثقافة القومية المنبثقة عن حزب التجمع عنوانها المشكلة الطائفية في مصر وقيل إن السبب في عقد هذه الندوة مردود إلي أن ثمة تفكيكا في وحدة عنصري الأمة أصبح في تاريخ مصر الحديث ويعتبر مسئولا عن شعور قبط مصر بانعدام المساواة في حقوق المواطنة. والجدير بالتنويه هنا أن المشاركين بأبحاث في تلك الندوة كانوا إما من الشيوعيين أو من المتعاطفين معهم. ولكن مع انهيار الكتلة الشيوعية برمتها لم يعد ثمة مبرر لإجراء تقييم لتلك الأبحاث. وأهم من ذلك صدور وثيقة الأخوة الإنسانية المعتمدة من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في عام 2009 في أبو ظبي, والتي تستلزم مجاوزة الخلافات العقائدية والأصوليات الدينية كما تستلزم التوافق مع مقتضيات الفضاء السيبري الذي لا يسمح لأحد الأدعاء بملكية الحقيقة المطلقة. ويبقي بعد ذلك انضمام القيادات الدينية الأخري علي تنوع انتماءاتها إلي اعتماد تلك الوثيقة بحيث يمكن تسمية الوثيقة بأنها وثيقة الأخوة الإنسانية الكوكبية بلا زيادة أو نقصان. ومن ثم تصبح المشكلة الطائفية في مصر وما شاكلها في بلدان أخري في طي النسيان بلا ندوات أو أبحاث.