كان موعدي مع قداسة البابا شنودة الثالث 3 أغسطس 1923 ـ 17 مارس .2012 المولود باسم: نظير جيد روفائيل تم اللقاء في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. وكان الموعد في صباح يوم جمعة. وكان يوافق عيد الغطاس الذي يسمي في العالم بعيد التعميد. وكان الجو في هذا اليوم غريبا. هبت الرياح علي مصر وتم إغلاق الطريق الصحراوي مصر إسكندرية لتعذر الرؤيا. ولكن كانت لدي حالة غريبة من التصميم علي الوصول إليه. سلكنا إليه طريقا آخر. أثبت من جديد أن الأرض كروية فعلا. سافرت إليه عن طريق الخطاطبة وردان.
كان الطريق طويلا, وكانت الرؤية مستحيلة ولكن البابا كان في انتظارنا وأصبح في داخلي تصميم لابد من الوصول إلي وادي النطرون وإن طال السفر. والمسافة من القاهرة إلي الوادي الذي يقع في قلب الصحراء لا تزيد علي مائة كيلو متر ولكنها في هذا الطريق الدائري الذي يمر عبر جنوب الدلتا تصل إلي 160 كيلو مترا.. وصلنا.
كان البابا مشغولا بلقاءات جاءه وفد ديني من أمريكا ووفود من السودان ومن أستراليا وعلي الرغم من وصولنا متأخرين, ومن أن قداسته كان يستعد لصلاة عيد الغطاس والتي تمتد إلي فجر اليوم التالي إلا أن قداسته حرص علي مقابلتنا في نفس مقر إقامته في الدير هنا, في نفس هذا المكان قضي قداسته أربعين شهرا في زمن السادات بقرار منه, ألف فيها سبعة عشر كتابا جديدا وهنا سيقضي قداسته بعض أيام الأسبوع بعيدا عن ضجيج القاهرة.
ودير الأنبا بيشوي أنشئ في القرن الرابع علي مساحة فدانين من الأرض فقط وهو الآن ثمانون فدانا مستصلحة من الصحراء ومزروعة ومعمرة وفي قلبها يوجد المكان الذي يعيش فيه قداسة البابا.. والدير جزء من أربعة أديرة أقيمت هنا علي خط واحد. وفي قلب الدير تشم رائحة التاريخ القديم وتري علامات الزهد والتقشف وتري مرور الزمن وتتذكر علي الفور كلمة أندريه مالرو الشهيرة: إن مصر هي التي اخترعت الأبدية.
كان معي زميلي المصور: شوقي مصطفي والزميل: مسعد صادق الصحفي بوطني وسكرتير المجلس الملي لشئون الكنائس القديمة ومدير المكتب الصحفي والإعلامي لقداسة البابا, وهو المكتب الذي كان يتم إنشاؤه وقتها. كنت ذاهبا إليه باسم مجلة المستقبل التي كانت تصدر من باريس, وصاحبها الصحفي العربي اللبناني: نبيل خوري.
أشهد أن البابا شنودة شخصية آثرة, إنسان بسيط, يتكلم عربية مذهلة عانق الحرف المكتوب في حياته طويلا, وأن كلماته مشبعة بعواطف نادرة, وحب كبير.. وأعترف أنه أجاب علي كل سؤال وجهته إليه.
* ألا يوجد أي جديد بالنسبة لقضية دير السلطان خاصة وهناك حديث الآن حول قضية طابا؟!
** قضية دير السلطان تعود إلي سنة .1967 نحن نعرف النكسة التي حدثت في 67 ودخول اليهود إلي القدس. وقد قام اليهود بتجميع رؤساء الكنائس عندهم لمناقشة الوضع الجديد, مطراننا القبطي أخذ موقفا وطنيا لأنه مع حكومته هنا في مصر في زمن جمال عبدالناصر. وكلنا كنا حزاني بسبب الوضع الذي تم وهم ردوا له الموقف الذي أخذه بأن أخذوا منه دير السلطان وسلموه إلي الإثيوبيين.. وقد رفعت قضايا في المحاكم وحكمت المحاكم علي أعلي مستوي لصالحنا. برد المكان لنا وملكيتنا له لكن القضية أخذت جانبا سياسيا وليس جانبا قضائيا من ناحية الحكومة ومازال حتي الآن. وسمعنا تصريحات كثيرة حتي من رجال الدولة بأنهم يتفهمون الموضوع. وأعتقد أن البلد تفهم الموضوع جيدا, أما عن مدي التقدم فتلك أمور خاصة بالسياسات ولا أعرفها ولكن يهمني إيضاح موقف محدد أننا لن نذهب إلي القدس أبدا, ما لم يذهب إليها كل أشقائنا العرب أولا, وهذا بصرف النظر عن الموقف من دير السلطان.
* عقل العدو الإسرائيلي يري أنه لن يقوم سلام إسرائيلي عربي ما لم ينشغل العرب في صراع آخر ويرشحون الصراع الطائفي دائما؟
** إسرائيل لا شأن لها بالمسيحيين العرب في كل البلاد العربية, ولا صلة لها بأحد. فهي مهما قالت وأعلنت. أتذكر أنني ألقيت محاضرة كبيرة سنة 1965 في نقابة الصحفيين وكنت أسقفا في ذلك الحين منذ عشرين عاما تقريبا وقد طبعتها نقابة الصحفيين في كتاب وأعيد طبع هذا الكتب أكثر من مرة قلت فيه إن المسيحية لا توافق علي الوضع الراهن في إسرائيل.. لي كتاب في ذلك أتمني أن أعطيه لك.
هاجمت فكرة الشعب المختار فيه التي ينادي اليهود .. قلت في ذلك الحين إن فكرة الشعب المختار كانت فكرة في العهود الوثنية عندما كان الشعب كله وثنيا ولا يعبد الله إلا هذا الشعب الذي خرج منه الأنبياء أمال إبرايم ونوح.. حاليا الإيمان بالله موجود في العالم كله والوثنية لا وجود لها ومن غير المعقول أن يختار الله شعبا ويترك العالم كله.
هذا الكلام كان موجودا من قبل لأن العالم كان وثنيا, الدنيا تغيرت, الإيمان وصل إلي قارات العالم كلها.
* ما هو مستقبل الموقف من زيارة القدس؟!.
** من جهة زيارتنا إلي القدس المحتلة. نحن منعنا هذا الأمر ولن نذهب إلي القدس إلا إن ذهب إليه جميع الناس, لن نذهب إلي القدس إلا لو ذهب إليه كل العرب.. حتي لو حلت مشكلة دير السلطان لن نذهب إلي القدس إلا لو ذهب إليه كل الأشقاء العرب.
* أو بعد تحرير القدس؟!
** نتمني من الله أن يسهل لنا ذلك ويعيننا عليه.. لقد أجبت علي السؤال المائة بعد الأخير.
* نعم كلنا نعرف بذلك
** إذا أنتم ضيوفي علي الغداء الذي أصبح عشاء الآن.
كان الليل قد حل
وكانت الساعة قد تعتدت السادسة مساء.