العلاقة هي تسمية لذلك الشئ الذي يربط بين شخصين أو طرفين، ونحن، كمعظم الكائنات، لم نُوجد نتيجة توالد ذاتي، بل نتاج علاقات لم نختارها. وللعلاقات أشكال وصفات متعددة، فهي الشئ الذي يمكنه أن يحمل كل الصفات وكل الاحتمالات، وهي لا تُعرف بذاتها لأنها الموصوف الذي يحتاج دائما إلى صفة والمضاف الذي يحتاج إلى مضاف إليه، فقد نسميها علاقة صادقة أو علاقة صداقة وقد نسميها علاقة حميمية أو علاقة حب، وهكذا تكون العلاقات في العمل والمصالح وحتى اللقاءات العابرة. وإذا كانت العلاقات تتحدد بطبيعتها، فإنها كذلك تتحدد بأطرافها، فقد تكون بين الأفراد والجماعات والدول والأشياء، أو بين الإنسان وربه أو بين الإنسان وذاته، أو حتى بين الإنسان وخيالاته وأوهامه. فنحن ملتقى علاقات نسعد ببعضها ونشقى بأخرى. ونفترض دائما أن تكون العلاقات أو الروابط سليمة وسلمية، تلبي احتياجات لدينا ولدى من نرتبط بهم، أو لمصلحة طرف ثالث. ولكنها، من ناحية أخرى، قد تكون عكس ما نفترض وما نتوقع، فقد نتوقعها سلمية فتأتى عنيفة، وقد نحلم بها متكافئة فنعيشها حربا من أجل السيطرة، وقد نتمناها مشرقة فنجدها غائمة. ولكونها علاقات فهي كائن حي: تقوى وتضعف، تحيا وتموت، إنها ذلك الشئ الحيوي الذي يحتاج للرعاية حتى يزدهر، ويحتاج لطاقة لكى يستمر، وإن أهمل فسوف يصاب بالهشاشة والذبول.
وإذا كان الحب والاحترام والمودة هي الجوانب المشرقة الذي نتطلع إليها في العلاقات، فإن العنف هو أكثر الأعراض المرضية التي تسترعى انتباهنا وقد تصدمنا في الكثير من الحالات، العنف هو الحرب التي يمكن أن نراها في العلاقات بين الدول والجماعات، أو في العلاقات الاجتماعة والأسرية أو العلاقات العاطفية، وهو الدليل الأبرز على فساد العلاقات وانحرافها. ولكن هناك أمراض أخرى تصيب العلاقات وقد يكون منها ما ينطوى على خطورة ولكن بدون صخب أو عنف، ومن ذلك أن تكون العلاقات مستقرة ولكنها فاقدة للمعنى أو القيمة، أي أن تُصاب بحالة من التصحر الوجداني فتصبح جافة وفقيرة، فتصبح حالة من التعطل والبلادة قد نعتادها، ولكنها يمكن أن تصبح خطيرة ومميتة كالجنين الذي يموت في رحم أمه. وهذه العلاقات ليست عنيفة ولكنها “بائسة”. وفي العلاقات “البائسة”، تصبح التعبيرات والحلول بائسة كذلك، فتصاب المشاعر والتعبيرات بالرتابة والنمطية، وقد يبذل أطرافها طاقتهم لا للتواصل وإنما لتفادي الصمت. وقد تدفع حالة البؤس البعض إلى المبالغة في إظهار السعادة لإخفاء حالة التعاسة الوجدانية، وهذا ما نلحظه عند أشخاص يبالغون في الحديث عن سعادتهم مع شركائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم لا يكذبون بالضرورة، وإنما يجتهدون من أجل الانفصال عن ذواتهم البائسة على أمل إعادة انتاجها وتشكيلها كذات سعيدة في العالم الافتراضي. وقد يرتبط بؤس العلاقات بمحاولات فاشلة لاستجداء مشاعر الطرف الآخر. والشقاء الفعلي هو أن تستجدى مشاعر شخص لا يبخل بها ولكنه لا يملكها.
وقد نسأل عن الحل، ما الذي يمكننا فعله إذا كنا نعيش علاقات بائسة بهذا الشكل؟ ربما تكون الإجابة عن هذا السؤال لدى المختصين في علم النفس، لكن الواقع يقول أن الخروج من هذه العلاقات ليس بالأمر السهل، فمعظم هذه العلاقات تصيب أطرافها “بقلة الحيلة”، ما بين عدم الرغبة في الاستمرار وعدم القدرة على الرحيل. وفي أغلب الحالات قد لا يكون لدى الأشخاص من خيارات سوى الاستسلام المغلف بالصمت أو الشكوى أو المبالغة في إظهار مشاعر “مصطنعة”. ومع ذلك، فهناك من يمتلك الشجاعة للاعتراف بنضوب المشاعر، وبالتالي والخروج من دائرة التصحر والجفاف الوجداني، ولكن على الشخص أن يدفع ثمنا نفسيا واجتماعيا قد يكون باهظا. وهذا هو حال الكثير من العلاقات التي تبدو لنا طبيعية ومستقرة لأنها خالية من الصخب والعنف، ومع ذلك فإنها علاقات بائسة.