نائب رئيس البنك الدولي لـ”وطني”: لا سبيل للتقدم بدون سياسات اقتصادية متكاملة
تحقيق التنمية المستدامة يتطلب استثمارات ضخمة وشبكات ضمان اجتماعي قوية
مصر لديها فرصة جيدة للاعتماد علي الصناديق السيادية لتعبئة مواردها
تحديات مالية ونقدية وهيكلية يوجها الاقتصاد المصري
تحدثنا مع الدكتور محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي للتنمية المستدامة والعلاقة مع الأمم المتحدة والشركات عن الهموم الراهنة والتحديات الكبرى التي تواجه مصر ودول المنطقة.
وقال محيي الدين في حواره لـ ”وطني”، إأن وراء كل تحد فرصة, وأنه لا سبيل إلى التقدم بسياسات متكاملة, ومؤسسات قوية, ووعي عالِ ومشاركة.
* ما التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري خلال المرحلة القادمة؟
** يواجه الاقتصاد المصري تحديات مالية ونقدية وهيكلية معروفة والحكومة تؤثر بالسلب والإيجاب على مسار أي إصلاح, وهناك كتابات كثيرة مهمة حول هذا الشأن, لذا أفضل النظر إلى موقفنا فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة الـ17 تضم 167 هدفا فرعيا) ويقيس كل ذلك 230 مؤشرا, والقياس يتم للدول الغنية والمتوسطة والفقيرة.
أين نحن من مكافحة الفقر ومن جودة وإتاحة خدمات التعليم والصحة وحماية البيئة ورعاية الآمهات والأطفال والخدمات الأساسية, مراتب مصر في كل ذلك يمكن أن تكون أفضل, خاصة مع الجهد المبذول والمهم الاستمرار فيه وأن يكون شاملا.
* ما أهم الركائز التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة؟
** مصر كغيرها من الأسواق الناشئة أمامها فرص وتواجهها تحديات, لكن ما أود التوقف عنده أمور جوهرية, أولها البعد السكاني, فمصر دولة فتية سكانيا وتبلغ نسبة الشباب تحت 30 سنة نحو ثلثي إجمالي عدد السكان, واللافت أيضا حدوث تطور في الأعمار, فتوقع الحياة عند الولادة قد زاد, وبقدر ما يشكل كل ذلك من تغير اجتماعي واقتصادي ميزة تتمثل في وجود قوة عمل قوية ومتنوعة وطبعا يلزمها العناية بالتعليم والتدريب وتوفير البنية التجتية اللازمة.
* ما الإمكانيات التي يجب توفرها للدول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
** تحقيق هذه الأجندة يتطلب استثمارات ضخمة وتمويلا كبيرا من أجل القضاء علي الفقر بمعني شامل وتحقيق شبكات الضمان الاجتماعي وتوفير فرص العمل وتحقيق الأهداف المرتبطة بالطاقة وغيرها من القضايا ومنها المتعلق أيضا بالمناخ ومعالجة آثاره وهو ما يتطلب برامج في جميع هذه القطاعات تضمن في النهاية تحقيق الأهداف التي تضمنتها أجندة التنمية المستدامة.
وأوكد هنا أن 2030 ليست بعيدة وعلي أي دولة تريد تحقيق نقلة في التعليم والصحة وغيرها من القطاعات عليها العمل من الآن ومن يتباطأ فسوف يتخلف عن السباق وهناك متابعة سنوية لمعرفة مدي تحقيق هذه الأهداف, حيث يحتاج تحقيقها إلي موارد وتنمية المهارات ومتابعة مستمرة, وهناك نقلة حدثت في طريقة تقييم الخدمات المؤداة للمواطنين فتقييم قطاع الصحة مثلا لم يعد مقصورا علي توفير الأسرة والأطباء وبناء المستشفيات ولكنه متوقف أيضا علي نوعية الرعاية الصحية المدمة وجودتها فالحديث لم يعد مقصورا علي الكم ولكنه أصبح يشمل الكيف والجودة وبشكل ينعكس إيجابيا علي شعور المواطن بنوعية الخدمة المقدمة له.
* هناك تفاوت بين الدول فهناك الدول المتقدمة التي تستطيع أن تحقق التنمية والدول الأخرى الناشئة وهناك دول ذات اقتصاديات ضعيفة.. هل ترى أن حظوظ هذه الدول متساوية في اللحاق بركب 2030 في ظل فارق الإمكانيات بينها؟
** هناك سباق بين الأمم المختلفة وبينها تفاوت فتوجد 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة وهناك الدول الصغيرة الحجم والكبيرة والدول التي حققت طفرات هائلة في حياة البشر وهناك دول لم تحقق هذه الطفرات ولكن هذه الدول جميعها تجمعها وتشترك في 5 تحديات أولها مشكلة السكان وطول الفترة التي يعيشها المواطنون وما يتطلبه ذلك من توفير موارد لهم, وهناك شبابية في العالم من خلال وجود عدد كبير من الشباب يحتاج إلى العمل وخلق وظائف لهم, ويجب النظر للزيادة السكانية على أنها مطلب بشرط حسن استغلال الموارد, والتحدي الثاني العولمة بدأت تتجه من الشمال الأوروبي والغرب الأمريكي إلى الجنوب والشرق, فمستقبل العالم في الشرق ومراكز الثقل الاقتصادي ستكون هناك ويتربط به زيادة حركة التجارة والاستثمار وتطوير الموانيء وخاصة بموانيء البحر ونمو حركة التجارة القادمة من والي هذه الدول, بالإضافة إلي التنمية الحضارية, والتحدي الثالث التغيرات المناخية والموارد الطبيعية, أما التحدي الرابع الذي تشترك في كل دول العالم صغيرها وكبيرها التقلبات الشديدة بين الارتفاع الحاد والانخفاض الحاد والتطورات المعروفة بالثورة الصناعية الرابعة, والتحدي الخامس هو المرتبط بالنقلات النوعية فيما يعرف بعوامل الاضطراب والصدمات.
* تتحدث عن تحقيق نقلات نوعية في مجالات الصحة والتعليم ولكن العديد من الدول مازالت غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من الخدمات لمواطنيها؟
** هذه الدول عليها أن تهتم أولا بجودة ما تقدمه من خدمات فموضوع التعليم ليس مجرد افتتاح مدارس في أماكن متفرقة ولكن من المهم الاهتمام بالمعلم وتدريبه, فالدول التي تحسنت أحوالها مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة أهتمت بنوعية الخدمات المقدمة وتدريب الكوادر الصحية والتعليمية, فإذا كنا نتحدث عن أهمية أتاحة الموارد كمطلب للتنمية ولكن الأهم من ذلك هو نوعية وجودة ما يتم تقديمه من خدمات من خلال هذه الموارد المتاحة.
* ذكرت أن هناك مراجعة دورية لمعرفة مدى التزام الدول بتطبيق أهداف التنمية, ماذا عن الدول التي لم تستطيع أن تحقق ذلك بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة وماذا ستقدم المؤسسات الدولية في هذا الإطار؟
** برامج 2030 تتم تحقيقها علي أربعة مستويات الأول إقرار قادة الدول بالتنمية المستدامة وتحقيقها في 2030 وهناك عدد من الدول بادرت بتقديم مراجعة لسياستها في إطار هذه الأهداف المتعلقة بالتنمية ولكن الأهم من 2030 هي البرامج التنموية التمكينية, والمستوي الثاني هو الخاص بالدولة نفسها والمسمي بالسياسة الوطنية لكل دولة علي حدة, والمستوي الثالث هو المستوي الإقليمي والذي يؤدي إلي التعاون بين دول اقليمية متجاورة في مجالات مختلفة منها النقل والكهرباء مثل مشروعات الربط الكهربائي, ومشروعات أخري تتعلق بربط الدول المتجاورة بشبكات ياه ونقل الطاقة, والمستوي الرابع هو المستوي المحلي والمرتبط بالمواطن وأسرته, فالدول التي ليس لها موازنات قادرة علي أحداث نقلة نوعية في حياة مواطنيها في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية تعاني في مدي القدرة علي إحداث التوازن في تقديم الخدمات لكل مواطنيها اجراءات التقييم تكون علي المستوي المحلي من خلال برلمانات الدول التي تتولي مراجعة وتقييم اجراءات الحكومة بالإضافة لوجود تقييم لكل دولة علي المستوي الدولي.
* هل هناك توجه لإقرار مزيد من المعونات للدول التي تعاني من آثار الصراعات بالأضافة إلي الـ131 مليار دولارالمقررة سابقا؟
** 131 مليار دولار موجودة بشكل سنوي لجميع الأغراض سواء للأبعاد التنموية أو للأبعاد الإنسانية وهناك جانب منها لبحث آثار التغيرات المناخية ولكن المؤتمر الذي سيعقد يومي 19 و 20 سبتمبر القادم الأمم المتحدة هي التي تتبناه من أجل الوصول لحا لقضايا أوضاع اللاجئين ومدي تأثيرهم علي الدول التي لجأوا اليها, كما سيناقش قضايا الهجرة من جميع أبعادها وأسبابها سواء نتيجة للهجرة بسبب الظروف الاقتصادية أو بسبب الحروب أو الصراعات الداخلية, وبحث كيفية مساندة البلدان التي تعاني من هذه الظاهرة لتقليل آثارها مستقبلا سواء بدعم الدول علي تحقيق التنمية وخلق فرص العمل وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين بما يحد من هجرتهم للخارج أو النظر في مناطق الصراعات لبحث ما يمكن تقديمه للمواطنين المهجرين من دولعم وتقديم الدعم للدول المستضيفة لهم, كما هو الحال في الأردن ولبنان التي تستوعب إعدادا من المهجرين السوريين نتيجة الأوضاع في بلدانهم.
* أقامت مصر أخيرا صندوقها السيادي فما رؤيتك حوله؟
** منذ سنوات طويلة وأنا أدعو إلي أن يكون لمصر أكثر من صندوق سيادي لإدارة الثروة والأصول المملوكة للدولة.
الصناديق السيادية وجدت في المنطقة العربية منذ نهاية الخمسينيات, وكانت الكويت سباقة ولحقت بها دول بترولية كثيرة, لتفادي أثر التقلبات في الأسعار من ناحية ولتوظيف جزء من الفائض لصالح الأجيال المقبلة من ناحية أخري.
وأردي أن الدول العربية بحاجة أولا لصناديق تراكم إدخاري, نظرا للضعف الشديد في معدل الأدخار بدول المنطقة والذي أنخفض أكثر خلال السبع سنوات الأخيرة.
وأقصد إدخار الأفراد والقطاع الخاص والحكومة معا, أي إجمالي الادخار المحلي وفي شرق آسيا تنبهوا مبكرا إلي أهمية الإدخار ومعه تشغيل مؤسسات الحكومة بكفاءة حتي تحقق فوائض بدلا من أن تستنزف ما هو موجود من مدخرات, وهناك حاجة أيضا إلي صناديق لإدارة الأصول الموجودة مع إدارة مخترفة وقواعد رقابية وإشرافية محكمة, وفي حالة وجود تدفقات مالية من العملات الأجنبية ترتبط بثروات طبيعية صناديق تدير الاحتياطي من النقد الأجنبي.
وأشهر أنواع الصناديق السيادية وأكثرها خضوعا للحوكمة والشفافية بل وأكبرها حجما, هو الموجود بالنرويج, وهناك أيضا صندوقان ناجحان في سنغافورة, ومن المفيد لنا أن تكون الصناديق محددة الهدف ـ لا تعيد أختراع العجلة ـ وعلينا في مصر أن نستفيد من تجارب وخبرات الداخل والخارج ـ ونتفادي التعقيدات التي تؤدي إلي ضياع المسئولية.
مصر أمامها فرصة جيدة للاعتماد علي الصناديق السيادية في تعبئة مواردها وقد تقدمت بمقترح قبل 10 سنوات لتأسيس صندوقين سياديين في مصر أحدهم يختص بإدارة واستغلال الأصول المملوكة للدولة علي غرار ماليزيا وإيرلندا, وصندوق آخر يتم توظيف رأس ماله على المدى البعيد يعمل جنبا إلي جنب مع الجهود الخاصة بالإصلاح المالي, وذل; لتحقيق التوازن الماليدي للنقد الأجنبي.
* مع التطور التكنولوجي هل تتم إزاحة قليلي المهارات من أسواق العمل؟
** كلما حدث تقدم كبير في التكنولوجيا أثيرت مخاوف من سيطرة الآلة, ولكن في النهاية هذا التطور لصالح عموم الناس, إذ تحدث اختلالات تتطلب سرعة التغير والتوافق للتقدم.
والحديث الآن عن العمل وليس الوظيفة, والمعنى أن الوظيفة بمعناها التقليدي أي مكان عمل ثابت ومكتب وأجر شهري مضمون, تنحسر في مجالات كثيرة, وسيحل مكان نسبة كبيرة جدا من تلك الوظائف من خلال فرص عمل مختلفة ومتنوعة, حيث سيعمل عدد متزايد من الأفراد مستقلين وفي شركاتهم الصغيرة التي يعمل فيها واحد أو مجموعة تكمل بعضها, وسيقوم كل من يعمل باقتطاع نسبة من أجره للتأمينات وهكذا, ومن منظور أوسع لقضية العمل فإنه في الحالة العربية لا يوجد سياسات تشغيل متكاملة, فوجود وزارة للقوى العاملة تتعامل.
هناك من يتخوف من اندلاع أزمة بالفعل وأن العالم في مواجهتها سيكون أقل فاعلية نظرا لاندلاع نزاعات كبيرة بين أطراف النظام الدولي الآن وأبرزها النزاعات التجارية, فضلا عن ارتفاع ديون بعض الدول وديون الشركات, وهناك من يرى أن الموجود اختلالات كبيرة, لكنها لن تقود إلى أزمة لكن بعض الاضطراب.
الدكتور محمود صفوت محيي الدين من مواليد 15 يناير 1965 بمدينة كفر شكر بمحافظة القليوبية. يشغل حاليا منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشراكات، وشغل سابقا منصب وزير الاستثمار لجمهورية مصر العربية، ومنصب المدير المنتدب للبنك الدولي كأول مصري يشغل هذا المنصب. ويكيبيديا
الميلاد: 15 يناير 1965 (العمر 54 سنة)، القاهرة رابات, والسوق تعمل بدرجة من الكفاءة.