ومجد المسيح في صعوده وفي مجيئه له معني روحي..
4- فوائد لإحساسنا بمجد الله
إيماننا بمجد الله, يغرس في نفوسنا مخافة الله وخشيته وهيبته.
وهذه المخافة هي بدء الحكمة, وبدء الطريق الروحي. لأن الذين لا توجد فيهم مخافة الله, قد يقودهم هذا إلي الاستهتار واللامبالاة, فيخطئون دون حياء..
إن اليهود استغلوا محبة الله وطول أناته استغلالا خاطئا, ووداعة المسيح استغلوها لإهانته وصلبه. وكان لابد أن يعرف الكل مجد الرب ليؤمنوا. وظهر هذا المجد في الصعود وفي رؤي كثيرة.
مجد الله يقود إلي الخشية, وهذه تقود إلي حياة الحرص والتدقيق, وإلي النقاوة والتوبة.
وكما نري المسيح الوديع, الداخل إلي أورشليم علي جحش ابن أتان, نراه أيضا علي السحاب, حتي نفكر فيه كما ينبغي.
إن الله المحب الرحيم الشفوق الذي يكلم إيليا النبي بصوت منخفض خفيف, هو نفسه الله الجالس فوق الشاروبيم, الماشي علي أجنحة الرياح, الذي تغطي الملائكة وجهها من هيبة مجده.
ونحن يعوزنا في قصة الصعود, أن ندرك شيئا من مجد الله ونخافه, حتي ننسحق أمامه ونتضع, لأننا تراب ورماد..
ولهذا فإننا في صلواتنا نرفع أبصارنا إلي السماء, ونصلي إلي أبينا الذي في السموات, ومع أنه في كل مكان. ولكن عبارة الذي في السموات تذكرنا بمجده, وتذكرنا بالمسيح الذي صعد إلي السماء.
وهكذا نذكر الله القوي العلي, الذي السماء هي كرسيه, والأرضي موطئ قدميه (متي5:34, 35). وانسحاقنا في الصلاة, أمام عظمة الله, يفيدنا كثيرا.
ونحن في صعود الرب إلي السماء نقول له: ليست الأرض هي الموضع الذي تسند فيه رأسك, ولكنها موطئ قدميك, بل إنه تواضع منك يارب أن تجعلها موطئا لقدميك!
حقا, هذه الأرض لا تستحق أن تطأها بقدميك, ونحن من تراب هذه الأرض, فمن نحن إذن أمامك؟ لا شيء..
وإذ نتضع هكذا قدامه, يمكن أن نرتفع إليه لأن من يتضع يرتفع (متي3:12).
من فوائد مجد المسيح في صعوده, أنه كان ردا علي من أعثروا به في صلبه!
أولئك الذين كانوا يسخرون قائلين: إن كان هذا ابن الله, فلينزل من علي الصليب فنؤمن به (متي27:40-43).
وكان صعوده أيضا تقوية لإيمان تلاميذه الذين خانوا في وقت صلبه وأثناء القبض عليه. ومجد المسيح في صعوده كان ردا علي اليهود الذين يرونه جهالة. أما نحن الذين نؤمن بالصعود, فنري فيه قوة الله (1كو1:23).
وكان هذا الصعود تأكيدا للمجد الذي رأوه للمسيح علي جبل التجلي, ونسوه!
إذن نحن نؤمن, ليس فقط بالمسيح الذي ولد في مذود بقر, إنما أيضا بالمسيح الذي صعد علي السحاب إلي السماء. ولا نؤمن فقط بيسوع المصلوب, إنما أيضا نؤمن به وهو جالس علي يمين أبيه, في عرش العظمة في الأعالي.
وبهذا نأخذ عن المسيح فكرة متكاملة الميلاد والصلب, تكملهما أمجاد التجلي والقيامة والصعود..
وإذ نذكر مجده في الصعود, إنما نذكر قوله لنيقوديموس: ليس أحد صعد إلي السماء, إلا الذي نزل من السماء, ابن الله الذي هو في السماء (يو3:13).
إذن فالسماء ليست جديدة عليه في صعوده, إنما هي موطنه الأصلي.
وبالمثل جلوسه عن يمين الآب.
ولهذا فإنه قال لتلاميذه: من عند الآب خرجت وأتيت إلي العالم. وأيضا أترك العالم وأرجع إلي الآب (يو16:28).
وبهذا أدرك الكل تواضع تجسده وإخلائه لذاته, في ظل عظمته الحقيقية وبنوته لله.
معني آخر نفهم من الصعود وهو
5- الصعود عملية فطام للتلاميذ
كان التلاميذ يعيشون مع في اتكال كامل عليه. هو يعمل كل شيء, وهم لا يعملون شيئا. مجرد متفرجين.
كان هو الذي يعظ, وهو الذي يخدم ويجذب الناس إلي الملكوت. وهو الذي يعمل المعجزات, ويحل مشاكل الناس ويجيب علي أسئلتهم, وهو الذي يواجه دسائس المعترضين ونقدهم, أما التلاميذ فكانوا يتأملون عمله.. وتلمذتهم هي مجرد سير وراءه والتعلم منه.
أما في صعوده, فقد ترك لهم أن يكرزوا ويعلموا ويعمدوا الناس, ويحملوا الصليب ويتألموا من أجله..
كان الصعود إعلانا لانتهاء فترة التدريب, وإعلانا لبدء الخدمة.
ولذلك قال لهم قبيل صعوده: تناولون قوة من الأعالي متي حل الروح القدس عليكم, وتكونون لي شهودا (أع1:8), وقال لهم: اذهبوا واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مر16:15), وقال أيضا: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم وعلموهم جميع ما أوصيتكم به (متي28:19, 20).
وفطام المسيح لتلاميذه, لم يكن يعني مطلقا التخلي عنهم, بل الإعلان عن نموهم ونضوجهم وحملهم للمسئولية.
كالأب الذي يعلم ابنه العوم, ويتركه حينا ليسبح وحده, وهو يرقبه ويتدخل لحمايته وقت اللزوم, وكالنسر الذي يعلم فراخه الطيران, يتركهم يطيرون وهم يرقبهم ويتدخل ليحملهم علي جناحيه.
المسيح قضي مع تلاميذه أربعين يوما يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت.. ولكنه لم يمد الأربعين يوما.. هذه تكفي, الآن يصعد ويتركهم ليخدموا.
ليس مفاجأة وإنما أمامهم عشرة أيام أخري يمهدون فيها أنفسهم, وينتظرون حلول الروح عليهم.
بالأربعين يوما انتهت فترة الإعداد للخدمة, وانتهت فترة الإيمان بالحواس.
اخدموا إذن, وليقل كل واحد.. أنا شاعر يارب أنك معي, وشاعر أن كلمتك في فمي, أنا سأخدم ولكن ليس ببشريتي, إنما بروحك, تعطيني أنت ما أتكلم به, وأنا سأعمل المعجزات ولكن بقوتك أنت
هناك درس آخر في الصعود هو..
6- ارتفاعنا مع المسيح
هذه عبر عنها السيد بقوله..
وأنا إن ارتفعت عن الأرض. أجذب إلي الجميع (يو12:32).
وقد ارتفع المسيح في صلبه, فجذب الناس إلي شركة آلامه, وارتفع في صعوده, فجذب الكل إلي شركة مجده, وبقي علي التلاميذ أن يعملوا ويدخلوا في شركة الآلام, ليستحقوا كذلك شركة المجد.
ولقد وعد في ارتفاعه, أنه ماض لكي يعد لنا مكانا.
وقال: وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وآخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا (يو14:3).
في مجيئه الثاني سيختطف الكنيسة التي علي الأرض, ويجمع الراقدين لكي يقوموا ويصعدوا معه علي السحاب.. وقد لخص بولس الرسول هذا المجد العتيد أن نناله بقوله: وهكذا نكون مع الرب في كل حين.
وهكذا كان الرب باكورة الصاعدين صعد إلي السماء, وسيصعدنا معه.
وقال لتلاميذه: ستكونون معي ليس علي الأرض, إنما في السماء. إنما علي الأرض أعدوا أنفسكم لتكونوا في السماء.
كنت معكم لما أخليت ذاتي. وستكونون معي لما دخلت في مجدي.
من يدرك هذه الحقيقة, وأنه سيكون مع الرب في صورة جسد مجده, لابد أنه سيحترم نفسه, ولا يذلها بالخطية بل يمدها لترث الملكوت.
هذا المجد مع الرب في السحاب وفي السماء, لا يرثه المتمسكون بالتراب وبالمادة وبالأرض, والمحبون للعالم.
7- نصائح في عيد الصعود:
أ- في عيد الصعود, لابد أن تصعد أفكارنا إلي فوق, ونتأمل في السماء التي صعد إليها المسيح.. وفي الجلوس عن يمين الآب, وفي تأملنا في السماء, نتذكر قول الرب: حيث يكون كنزك, هناك يكون قلبك أيضا .
فليكن كنزك إذن في السماء, وليت كل إنسان يدرب نفسه علي بركة الصعود في حياته.
يصعد من المستوي المادي إلي المستوي الروحي, وتصعد رغباته وشهواته من مستوي الجسد إلي محبة الله.
ب- في الصعود, نتأمل فضيلة انتظار الرب, كما انتظر التلاميذ.
لأن المسيح صعد إلي السماء, ووعد التلاميذ بحلول الروح القدس, وبقوا منتظرين عشرة أيام, لا يرون الرب معهم, ولا الروح حل عليهم.
ولكنهم كانوا مؤمنين بالوعد الإلهي والإنسان الروحي ينتظر في الإيمان. لاشك أن الرب كان مع التلاميذ, والروح كان معهم, ولكنهم لم يروا بعد عمله الظاهر معهم الذي تم يوم الخمسين, ولا الثبات الدائم الذي نالوه.
انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب (مز27:14).
انتظر عمل الروح فيك.
وثق أن العشرة أيام التي انتظرها التلاميذ كانت لخيرهم, كانت فترة مقدسة لإعداد القلب لحلول الروح فيه.
لعلني أستطيع في العددين المقبلين أن أكلمك بنعمة الرب عن الروح القدس وعمله فيك وحلوله.