الأم قيمة ومعني ؛ فالأم هي اساس المحبة والبذل والتضحية ، ولقد رفعت المسيحية وكافة الاديان من قدر الأم واعطتها قيمة كبرى ، فدائما للام مكانة كبيرة ففي التراث االفرعوني و ايضا القبطي والاسلامي تم تكريم الام بشكل كبير.
” الأم بالكتاب المقدس ”
لمعرفة المزيد عن مكانتها وقدرها كان لقاء وطني بـ” ماجد كامل” الباحث في التراث القبطي الذي قال : اوصي الكتاب المقدس الأبناء أن يكرموا والديهم ؛ تقول الوصية الخامسة من الوصايا العشر “اكرم أباك وأمك كما أمرك الرب إلهك لكي تطول أيامك ؛ ولكي يكون لك خير علي الأرض التي يعطيك الرب إلهك ” (“تث 5 :16 )” راجع ايضا “(خر21 :17 “) و(“لا 20 :9 “) و( تث “27 :16 ) .
كما جاء في سفر الامثال لسليمان الحكيم قوله “اسمع لأبيك الذي ولدك ؛ولا تستهن بأمك إذا شاخت … فليفرح أبوك وأمك ؛ ولتبهتج والدتك ” ( ام 23 :22 – 25 ) وقال ايضا ” العين المستهزئة بالأب والمستخفة بطاعة الأم تفقأها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر ” (ام 30 :17 ) .
وجاء في سفر طوبيا “أكرم والدتك ولا تتركها جميع أيام حياتها ؛ وأعمل ما يطيب لها ولا تحزن نفسها بأي أمر كان ،و أذكر يا بني المخاطر التي تعرضت لها من اجلك وأنت في أحشائها ” (طو 4 ؛4 ) .
كما ورد في سفر يشوع بن سيراخ “الرب اكرم الأب في أولاده ، وأثبت حق الأم علي بنيها ،و من اكرم اباه فانه يكفر عن خطاياه ويمتنع عنها ويستجاب له في صلاة كل يوم ، ومن احترم أمه فهو كمدخر الكنوز . من إحترم اباه طالت ايامه ، و فخر الإنسان بكرامة ابيه ومذلة الام عار للبنين .” من خذل اباه فهو كالمجدف ، ومن أغاظ أمه فلعنة الرب عليه ” (يشوع بن سيراخ) .
ايضا في سفر الملوك الاول عن سليمان الحكيم وهو ملك البلاد عندما دخلت أمه عليه يقول الكتاب “قام الملك للقائها وسجد لها وجلس علي كرسيه ووضع كرسيا لأم الملك فجلست عن يمينه ” (1 ملوك 2 :19 ) ، وجاء السيد المسيح له المجد في العهد الجديد ليؤكد هذه الوصية فقال “أكرم أباك وأمك ، ومن سب أباه أو أمه فليمت موتا ” (مت 15 :4 ) .
كما قال معلمنا القديس بولس الرسول “أكرم أباك وأمك . تلك اول وصية يرتبط بها وعد وهو لتنال خيرا وتطول أيامك علي الأرض ” (اف 6 :2 ؛3 ) .
بينما في تاريخ الكنيسة جاء عن القديس العظيم يوحنا ذهبي الفم ( 354- 407 ) الذي أجل قرار رهبنته من أجل رعاية والدته الارملة والمسنة فلم يغادر المنزل وينطلق إلي البرية إلا بعد نياحتها ؛ كذلك ورد عن القديس والفيلسوف العظيم “اغسطينوس” ( 354- 430 ) ؛ الذي كتب في اعترافاته عن لحظة نياحة والدته القديسة “مونيكا” انه حاول في البداية ان يمسك دموعه عن البكاء وعندما انهارت مقاومته استسلم للدموع وقال قولته المأثورة ” الا يجب أن أسلم نفسي للدموع ساعة لأجل تلك التي كانت تعوم فراشها كل يوم بالدموع ساعات من أجل توبتي وخلاصي ” .
اوضح ماجد كامل ان من تاريخ الكنيسة ايضا نذكر القديسة “إميليا ” والدة القديس العظيم باسيليوس الكبير( 329- 379 ) والتي انجبت للكنيسة مع القديس باسيليوس القديس غريغوريوس اسقف نيصص ( 335- 394 ) والقديس بطرس اسقف سبسطية وشقيقتهم الكبري القديسة ماكرينا التي صارت رئيسة لأحد أديرة الراهبات .
” في الأدب المصري”
وعن الام في الأدب المصري القديم اكد ماجد كامل : نجد النص التالي وهو مكتوب علي متون احدى المقابر الفرعونية علي لسان احد الاباء ( تذكر أمك التي كثيرا ما تحملت عبئك ولم تتركه لي ؛ وحينما التحقت بالمدرسة وتعلمت الكتابة فيها ظلت تواظب دوني علي الذهاب اليك بالخبز والماء ؛فمتي كبرت واتخذت زوجة لك واستقريت معها في بيتك ؛ضع امام نصب عينيك كيف ولدتك أمك ؛ وكيف كانت تربيتها لك ) .
الأم في حياة اديبنا العالمي الكبير الاستاذ الراحل نجيب محفوظ (1911 – 2006) “؛ فهي التي غرست فيه عشق التراث المصري القديم سواء كان التراث الفرعوني أوالقبطي أوالاسلامي وعن هذا الأثر كتب يقول ” كانت أمي سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب ؛ومع ذلك كنت أعتبرها مخزنا للثقافة الشعبية ؛فكانت تتردد علي حي الحسين بإستمرار ؛كما كانت دائمة التردد علي المتحف المصري ؛وكانت تحب قضاء أغلب الوقت في حجرة “المومياوات ” ؛ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الاثار القبطية خاصة دير مارجرجس بمصر القديمة ؛ ومن كثرة ترددها علي الدير نشأت صداقة بينها وبين الراهبات ؛وكانوا يحبونها جدا .
واكمل محفوظ قائلا : ذات مرة مرضت والدتي ولزمت الفراش ؛ ففوجئنا بوفد من الراهبات يزورها في البيت ؛ وفي ذلك اليوم حدث انقلاب في الشارع لأن الناس لم يعتادوا رؤية هذا المنظر من قبل ؛ والحقيقة أني تأثرت بهذا التسامح الجميل لأن الشعب المصري لم يعرف التعصب”،و
عندما سألت احدي الامهات واحدا من علماء التربية الكبار “متي ابدأ في تربية ابني ؟ ” فكان جوابه “قبل ان يولد بعشرين سنة ” والمعني المقصود هنا هو تربية الأم اولا قبل تربية الأبناء ؛ حقا لقد صدق شاعر النيل حافظ ابراهيم (1871 -1932 ) عندما قال :-
الام مدرسة إذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق
ومن نصائح الحكيم “اني” من الاسرة الثامنة الفرعونية “ضاعف قدر الخبز الذي تعطيه لأمك ؛ واحملها في كبرها كما حملتك في صغرك” وقال ايضا ” قدم الماء لأبيك وأمك وأياك أن تغفل هذا الواجب حتي يفعل ابنك مثلك عندما تشيخ “.
” الام بالحضارات الاوروبية ”
. وفي الحضارة الأغريقية قال ماجد : نجد عبارة جميلة للفيلسوف اليوناني الشهير سقراط ( 469- 399 ق.م) يقول فيها” لم أطمئن قط إلا وأنا في حضن أمي” .
وقال الشاعر الانجليزي الشهير وليم شكسبير ( 1564-1616 ) ” ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم ” .
كما قال أيضا الرئيس الأمريكي آبراهام لنكولن ( 1809- 1865 ) “وهو الرئيس السادس عشر من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكيية ؛ وفي عهده قام بتوقيع وثيقة تحرير العبيد ” ” أني مدين بكل ما وصلت إليه ؛وكل ما أرجو ان أصل إليه من الرفعة إلي أمي الملاك ” .
وهناك قصة جميلة رويت عن فريدرك الثاني ملك بروسيا(ألمانيا حاليا ) ؛انه قرع الجرس ذات مرة لكي يوقظ خادمه ؛ فلما لم يحضر ؛ذهب إليه فوجد ورقة بارزة من جيبه ؛ وعندما تفحصها وجد رسالة من أم الغلام تشكره فيها علي الدراهم التي أرسلها إليها من مرتبه ؛وتدعو له بالبركة ؛ فلما وقف الملك علي هذا الخطاب ذرفت عيناه بالدموع ؛ودخل في الحال وأخذ بضعة جنيهات ووضعها في صرة بجانب الغلام ؛ ورجع الملك إلي مكانه ودق الجرس دقا قويا ؛فأستيقظ الغلام ونهض مرتعشا ؛ وعندما وجد الصرة التي بها الجنيهات بجانبه ؛أرتعد بشدة وبكي بكاءا مرا ؛فسأله الملك لماذا تبكي ؟ فألقي الخادم بنفسه عند قدمي سيده ؛وحلف له قائلا : لا أعلم يا مولاي من أين أتت إلي جيبي هذه الصرة ؟! ؛وربما فعل هذا عدو لهلاكي ” ؛فأجابه الملك بهدوء وقال له “هديء من روعك وكن مطمئن الخاطر ؛ وأعلم أن الله في أكثر الأحيان يهبنا خيراته ونحن لا ندري ؛ فأرسل هذا المبلغ إلي والدتك وبلغها السلام ؛ وقل لها أني من الآن فصاعدا سأهتم بها وبك شخصيا ؛ولا أنساكما.