انتهت حالة الاحتفال بنتائج الموسم السينمائي لعام 2018 بإعلان جوائز الأوسكار. ورغم أهمية الأفلام المتسابقة, إلا أن فيلم الكتاب الأخضر تصدر قائمة الأفلام المرشحة وحصل علي أوسكار أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل ممثل مساعد, وهو من الأعمال الفنية التي سوف تبقي في الذاكرة كنموذج مثالي لكيفية إنتاج فيلم بسيط التكاليف وكبير القيمة!, لا يتعامل مع تعقيدات إخراجية ولا استعراض عضلات فنية, ولا حتي قصة فيها منحنيات وغموض ولا طريقة سرد مختلفة. إنه فيلم كلاسيكي في معظم عناصره, وقيمته وقوته في الصدق والبساطة.
أحداث الفيلم تدور في أمريكا في فترة الستينيات, حيث المجتمع يعاني عنصرية بغيضة ضد السود, وبطلنا توني ليب أو فيجو مورتينسون, إيطالي كان يعمل بلطجيا في أحد الملاهي الليلة, ولكنه ترك العمل بعد عدة أزمات, وجاءته فرصة عمل جيدة كسائق خاص لموسيقار وعازف بيانو شهير يقوم بجولة في بعض الولايات الجنوبية. ولكن المشكلة أن هذا الموسيقي دون شيرلي يلعب دوره ماهير شالا علي أسود اللون من أصول أفريقية, وبالإضافة إلي ذلك فهو متعال متغطرس, مما يحدث بينه وبين سائقه في بداية علاقتهما حالة من الجفاء والتوتر, يقبله السائق الأبيض ببعض التحفظ نظرا لاحتياجه لفرصة العمل.
الكتاب الأخضر من أفلام الطريق, أي أن الأحداث تتحرك وتتصاعد أثناء رحلة السيارة خلال مناطق عدة من الجنوب الأمريكي, حيث يواجه البطلان عدة مشكلات وأزمات وصراعات تؤدي إلي تقاربهما بعد تنافر, وبالتدريج تذوب الفوارق السلوكية, خاصة أن أحدهما متحضر بدائي السلوك يميل للفوضي والهمجية والثاني متحضر المسلك متأفف, وطبعا يشعر السائق الأبيض بكثير من الضيق خاصة أنه مضطر لخدمة رجل أسود يعتبر قليل القيمة ومرفوض من كثير من الناس الذين يلتقون بهم. ويظهر الازدواج في المعايير في المجتمع الذي يعاني من شيزوفرينيا, عندما يستقبل الموسيقار الأسود بترحاب مبالغ فيه ويستمتع بموسيقاه, وفي الوقت نفسه يرفض أن يتناول هذا الموسيقار طعامه مع السادة البيض, كما يرفض أن يقضي حاجته في الأماكن المخصصة للبيض, وهذا ما يثير حنق وضيق السائق الأبيض لما يتعرض له سيده علي أيدي أناس ضعاف المنطق والضمير.
يتعلم السائق بعض المشاعر النبيلة من سيده الزنجي تساعده في التقرب من زوجته التي تندهش لهذا التغيير المفاجئ الذي ظهر علي زوجها, الذي أصبح يرسل لها خطابات شديدة الرقة, بينما نلحظ أن الموسيقار دون شيرلي يعيش في شبه عزلة وابتعاد وجفاء مع أفراد أسرته, وندرك قدر احتياجه لعلاقة إنسانية سوية. وبعد انتهاء الرحلة التي تكلل بالنجاح ماديا وجماهيريا يعود الاثنان السائق وسيده إلي ما كانا عليه. وفي حين أن توني السائق ذا الأصول الإيطالية يعود ليحتفل ببداية عام جديد مع أسرته مترامية الأطراف, يعود الموسيقار إلي وحدته في قصره المنيف الخالي من البشر, فيقرر أن يذهب لسائقه ويرجوه أن يسمح له بقضاء ليلة رأس السنة بين أفراد عائلته.
اضطر الممثل فيجو مورتيسون لزيادة عدة كيلوجرامات ليبدو بدين الجثة حيث إنه يؤدي شخصية رجل إيطالي شره للطعام وهمجي الطباع وقد كان أداؤه يؤهله للحصول علي الأوسكار, ولكنه ذهب إلي رامي مالك الذي برع أيضا في أداء شخصية الموسيقار ذي الأصول الآسيوية فريدي موركري نجم فريق كوين الإنجليزي الذي كانت له شهرة مدوية في السبعينيات من القرن العشرين, الأفلام الجميلة مثل الكتب المهمة والمؤثرة يجب أن تعيد قراءتها وتحليلها بين الحين والآخر.