جورجى زيدان” أول من دعا إلى تأسيس جامعة أهلية لتثقيف الشباب المصرى”
* الأميرة” فاطمة إسماعيل” أنقذت المشروع وساهمت فى بناء دار جديدة للجامعة
نشرت صحيفة”المصرى”فى عددها الصادر بتاريخ9أبريل سنة1937حديثاً مع الدكتور زكى مبارك-أحد أدباء مصر المرموقين فى التاريخ الحديث-قال:”كان إنشاء الجامعة المصرية الأهلية سنة1908من أجمل مظاهر الصراع بين الوطنيين والمستعمرين”، وفى جريدة “السياسة” وكان رئيس تحريرها دكتور محمد حسين هيكل رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس مجلس الشيوخ فيما بعد، كتب مقالاً بتاريخ16أبريل سنة1967تحت عنوان”قاسم أمين وإنشاء الجامعة المصرية”قال فيه:”إن الدعوة إلى تحرير المرأة من رق الجهل ورق الحجاب لم تكن كل برنامج قاسم الاجتماعى، وإنما كانت حلقة منه وهى أعسر حلقاته وأعقدها. ذلك أنه لم يقف عليها كل جهد حياته، وإنما اشتغل منذ سنة1906بالدعوة لإنشاء الجامعة مع صديقه سعد زغلول. فكان يريد أن يجعل من الجامعة خطوة لبرنامج أوسع نطاقاً يتناول ثورة فى اللغة والأدب كالثورة التى أحدثها فى تعليم المرأة ورفع الحجاب عنها. كان فكر قاسم أمين ألا يقتصر التعليم عند حد تخريج الموظفين،بل أن تكون الدراسة لذاتها. الدراسة التى توحى للطلاب بجمال العالم، ويطلب العلم للحقيقة وتشوقاً إلى إكتشاف المجهول،إننا نريد أن يظهر بيننا الفيلسوف الذى يكتسب شهرة عامة، والكاتب الذى ذاع صيته، والعالم الذى يرجع إليه فى حل المشكلات. إن أملى فى إنشاء الجامعة المصرية أن تظهر شبيبة هذا الجيل وما يليه فى أحسن مثال..” ولم يكن إنشاء الجامعة المصرية هو أول عهد مصر بالتعليمالعالى، فعرفت مصر طريقه، وإن كان بشكل غير منتظم، فى أعقابتولى محمد على حكم مصر، ومن المعروف تاريخياً أن جامعة القاهرةهي ثانى أقدم الجامعات المصرية والثالثة على المستوى العربى بعدجامعتى الأزهر والقرويين،وكانت كلياتها المختلفة قد تأسست في عهدمحمد على باشا، الذى استرعى انتباهه إلى أهمية التعليم وضرورتهلإقامة دولة قوية،فأنشأ المدارس العليا لتخريج المتخصصين فى كلالمجالات،والتى كانت بدايتها إنشاء مدرسة المهندسخانة بالقلعةعام1820،تلتها المدرسة الطبية عام1827، وشهدت كل مدرسة منهاتطورات عديدة بإضافة أقسام وتخصصات جديدة،ثم ما لبثا أن أغلقافى عهد الخديو محمد سعيد عام1850
فى حوار أجرته مجلة”الإثنين والدنيا”(هى إحدى المجلات الخفيفةالتى كانت تصدر فى مصر فى مطلع القرن العشرين)عام1945مع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين بعنوان«جامعة فؤاد بنإسماعيل»قال فيها:«إن أخص ما امتازت به جامعة فؤاد الأول منذإنشائها أنها كانت تطمح إلى شيئين أساسيين، أولهما إذاعة المعرفةالعالية الحرة، والتى تمكن أصحابها من أن يشاركوا فى ترقيةالحضارة الإنسانية،وثانيهما تحقيق الكرامة المصرية التى تنشأ عنالاستقلال الثقافى لتكون مصر مساوية لغيرها من الأمم الحرةالراقية،
فالجامعة لم تنشأ رغبة فى الزينة إنما لأن بعض الصفوة منالمصريين
أحسوا أن ما يُقدم للشباب من تعليم لم يكن يحقق هذينالغرضين لأنه كان خاضعاً لسلطان الاحتلال، فأرادت هذه الصفوةوكان على رأسها فؤاد بن إسماعيل-الذى لم يكن ملكاً فى ذلك الوقت-أن تقدم للأمة هذه الجامعة..وأقبل إليها شباب أوروبيون يدرسون فيهااللغة العربية وآدابها، ومن المحقق أنها عبر برامجها التى احفتظت بها كان الذين يسعون اليها من طلاب الشرق والغرب أكثر عدداً وأعظمإنتفاعاً.ثم عادوا إلى أوطانهم ينقلون إليها علم مصر وأدبها وفنهاويتحدثون إلى قومهم أن فؤاد بن إسماعيل رد إلى مصر ذلك المجدالثقافى العظيم الذى أنشأه البطالمة،فجعلها مشرق النور فى العصرالحديث كما كانت مشرق النور فى العصور القديمة»، وفى هذا العددأيضاً أكد الدكتور على ابراهيم مدير الجامعة أنه يريد للجامعة شباباًناهضاً يسعى ويكد فى سبيل التثقيف والتعليم كما أنه يريد إزالة الصعاب أمام الفتاة فنحن نراها تسرع فى خطاها إلى الأمام،فلنتركها تكافح وتجاهد ولنفسح لها المجال، وقال إنه لا يرى شخصياًمانعاً فى أن تصبح الفتاة القديرة مديرة للجامعة. بينما قال الدكتورسليمان عزمى باشا عميد كلية الطب إنه يريد أن يرتكز كل شئ فىمجلس إدارة الجامعة حسب اللوائح والقوانين، فمجلس الجامعة ما هوإلا نموذج مصغر للبرلمانات ومجالس الشيوخ والنواب فيجب أن يكونله حرمته وقداسته. *التصنيف الدولى للجامعة:
فى تصنيف”QS”العالمى للجامعات لهذا العام(يعد واحداً من أكثرثلاث تصنيفات علي مستوي العالم من حيث الأهمية والتأثير،شأنه شأن تصنيف شنغهاي الذي يصنف أفضل500جامعةعالمية،تصنيف”ويبوماتريكس” Webometricsالدولي للجامعات،المعروف عالميًا بالتصنيف الأسباني لتقييم جودة الخدمات التعليميةوالبحثية لنحو25ألف جامعة ومعهد على مستوى العالم)وهو تقريرسنوي لأفضل800جامعة في العالم، تقوم به مؤسسة كواكواريلىسيموندز «QS»الإنجليزية المختصة بالتعليم.ويعتمد ال”QS”على عدةمعايير،من بينها السمعة الأكاديمية ونسبة الطلبة لأعضاء هيئةالتدريس،ومعدل النشر الدولي للأبحاث العلمية، ونسبة الإشارة إليهامن الباحثين الآخرين حول العالم، وقياس مستوى الخدمات التعليميةالمقدمة. وكشف التصنيف عن احتلال جامعة القاهرةالمرتبة482عالميًا،وتقدمت70مركزاً عن العام السابق، وهى الجامعةالمصرية الوحيدة المصنفة لهذا العام. الدكتور محمد عثمان الخشترئيس جامعة القاهرة، قال أننا نسعى للتواجد بقوة بين جامعات العالم، وتنمية العلاقات الدولية، وزيادة التعاون التعليمى والبحثى معالجامعات العالمية،موضحاً أن البرامج الأكاديمية والقطاعات العلميةفى هذا التصنيف فى تطور مستمر، وأضيفت هذا العام برامج جديدةبالتصنيف.أما تقدم الجامعة في تصنيف الكيو إس في نسختهالصادرة هذا العام، يعكس الجهود المبذولة في دعم احتياجات البحثالعلمي وتعظيم النشر الدولي للأبحاث العلمية.وتطوير العمليةالتعليمية والبحثية بها وزيادة النشر الدولي وتحسين نوعيته.
*بداية القصة:
فى قصة إنشاء الجامعة المصرية نرى صورة مشرفة لوعى الشعب المصرى ورواد الفكر وزعماء السياسة فى ضرورة وجود الجامعة الأهلية المصرية.لكى يتعلم فيها المصريون وتكون رمزاً لحرية الشعب واستقلاله،وتأكيداً على أن التعليم هو حتمية وضرورة لنهضة الأمة وتقدمها بما فيه من إعمال العقل وتنوير الفكر. وفى رأى أن مصر بإنشائها جامعتها الأولى فى تاريخها الحديث، تمكنت من مواجهة عدة تحديات، التحدى الأول حادث دنشواى فى1906والذى شعر المصريون إزاءه بجرح عميق فى كرامتهم بسيطرة الانجليز على مقدراتهم منذ سنة1882حين عذبوا عدداً من أبنائها على أعواد المشانق ظلماً وعدواناً وهم أبرياء. التحدى الثانى أن المندوب السامى البريطانى الطاغية كرومر كان يقاوم أى محاولة للنهوض بالتعليم فى مصر،ويكرر ان أهم ما يعمله المصريون فى هذا المجال هو الاكتفاء بإنشاء الكتاتيب. تقول هدى شعراوى فى مذكراتها التى نشرتها”دار الهلال”فى بداية الثمانينات:”فى سنة1905نشرت الصحف مقالات ومناظرات للكثير من المفكرين عن أيهما أنفع للقطر المصرى فى هذه الحقبة الكتاتيب أم كلية عالية؟لكن سرعان ما جاءت الخطوة الأولى فى إنشاء هذه الكلية العالية أى الجامعة على يد مصطفى بك الغمراوى الذى رأى حاجة البلاد إلى المحصول العلمى ووجوب توفيره فى مصر حتى لا نضيع جهود الطلاب وأموالهم فى أوربا. لذلك فكر فى إنشاء جامعة تضم كليات مستقلة مثل جامعات أوربا، وفكر فى الدعوة للمشروع والتبرع له حيث نشرنداء فى الصحف المحلية العربية والأفرنجية مروجاً للفكرة فى30 أكتوبر1906.وبادر أحمد شفيق باشا رئيس المكتبة الخدوية وصاحب الحوليات المعروفة باسمه عن تاريخ مصرالحديثة فاكتتب بخمسمائة جنيه. وكان الخديو عباس حلمى الثانى راضياً عن المشروع مما شجع على عقد أول اجتماع لمناقشته
*دور الصحافة فى نشر الفكرة:
لعبت الصحافة دوراً مهماً فى طرح فكرة الجامعة منذ بداياتالتسعينيات من القرن الماضى، وكان للكاتب جورجى زيدان مؤسس مجلة”دار الهلال”فضل الريادة فى هذا المجال، فدعا على صفحات مجلته إلى تأسيس جامعة لتثقيف الشباب المصرى بدلاً من إيفادهم إلى أوربا وطالب بتشكيل لجنة تقوم بجمع الأموال اللازمة لها عن طريق الاكتتاب، وأن تكون اللغة العربية أساس التدريس فيها، وذلك فى فبراير عام1900،واقترح فى1903على المدرسة الكلية السرية(جامعة بيروت الأمريكية حالياً)أن تنشئ فرعاً فى القاهرة يكون نواة لقيام المدرسة الكلية المصرية، وساهمت مجلة”المقتطف”فى طرح الفكرة من خلال مقال نشر فى أبريل عام1903تحدثت فيه عن الجامعات فى أوربا وأمريكا ودورها فى نهضة الأمم.وزعمت أنها تنشر المقال تلبية لطلب أحد أعيان المصريين ممن يفكرون فى إقامة جامعة أهلية. وكان الشيخ محمد عبده معنياً بإقامة جامعة مصرية بعد أن يئس من إصلاح نظام التعليم بالأزهر وتطويره،ورأى أن إقامتها إنما تكون بجهود الأغنياء الذين نأخذ عليهم بخلهم، واستطاع إقناع المنشاوى باشا(أحد أعيان الغربية)بالفكرة، فأبدى استعداده لإقامة جامعة يشيدها جهة باسوس وأبى الغيط(مركز قليوب محافظة القليوبية)، واقترح توفير مركب بخارى لنقل الأساتذة من وإلى القاهرة يومياً، وبحث مع بعض أصدقائه متطلبات هذه الجامعة من النفقات حتى يقوم بتوفيرها من ماله الخاص، وطلب من الشيخ محمد عبده أن يبحث الأمر مع المسئولين أملاً فى الحصول على قطعة أرض هبة للمشروع، وظلت الفكرة شغله الشاغل وموضع اهتمامه، وخاطب محمد عبده مجلس النظار فى بيع عشرة آلاف فدان من أرض الحكومة يشتريها المنشاوى باشا ويسجل وقفها على بناء الجامعة ومصاريفها على أن تجعل الثمن رمزياً، ووعد المستشار المالى للحكومة آنذاك بتحقيق مطلبه، وتعلقت الآمال بظهور هذه الجامعة. ولكن وفاة المنشاوى باشا أحبطت الآمال وأخمدت بالفكرة لبعض الوقت، ثم لحق به محمد عبده بعد ذلك فى عام1905.
فى نفس الوقت كان الزعيم الوطنى مصطفى كامل شديد الاهتمام بالفكرة، فنشر مقالاً على صفحات جريدة”اللواء”فى26أكتوبر1904دعا فيه القراء أن يبدوا رأيهم فى مشروع الجامعة وإمكانية تحقيقه باعتباره حجر الأساس للنهضة الوطنية.وعاد للكتابة فى نفس الموضوع فى مقال نشر بتاريخ8يناير عام1905مقترحاً أن تحمل الجامعة اسم”كلية محمد على”وذلك بمناسبة مرور مائة عام على تولية محمد على باشا حكم مصر.ويبدو أن مصطفى كامل أراد بذلك أن يجذب الخديوى وأمراء أسرة محمد على لدعم المشروع، حتى يتشجع الأعيان فيتقدموا لدعمه ونجحت المحاولة نجاحاً نسبياً، فأيد الأمير حيدر فاضل دعوة مصطفى كامل وتبعه بعض الأعيان فى الاكتتاب للمشروع، تم جمع نحو ثمانية آلاف من الجنيهات، ثم فترت الهمم عندما تجاهل الخديوى المشروع. وما كان له أن يفعل طالما جاءت الدعوة من مصطفى كامل، وخاصة أن علاقته بالزعيم الوطنى عندئذ كانت قد بلغت حداً كبيراً من السوء. غير أن ذلك لم يوقف همته فى الترويج للفكرة،وانتهز فرصة تشكيل لجنة فى عام1906لجمع التبرعات لتقديم هدية له بمناسبة عودته من أوربا بعد شن حملة دعاية سياسية ضد بريطانيا بسبب حادث دنشواى، فرفض الفكرة،ونقراً فى إحدى مراسلاته من باريس إلى صديقه محمد فريد بتاريخ 24سبتمبر 1906″أطلب أن تقوم اللجنة بدعوة الأمة كلها،وطرق باب كل مصرى، لتأسيس كلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء. وتهب الامة الرجال الأشداء المخلصين فى خدمة الوطن، لأن كل مليم يزيد عن حاجة المصرى ولا ينفق فى سبيل التعليم هو ضائع سدى، والأمة محرومة منه بغير حق” ودعا إلى وحدة الصف وتناسى الخلافات السياسية والحزبية من أجل إنجاز المشروع الذى يعود على الأمة بالنفع، وتمنى مصطفى كامل أن يكون أحد المؤسسين بقوله:”إن الجامعة هى البناء الذى أدعو المصريين جميعاً إلى تشييده، وما أكبر سعدى وأعظم هنائى لو ساعدتنى الأيام على وضع حجر فيه مع العمال الأبرار الذين يعملون لخير البلاد” *اللجنةالتحضيرية الأولى:
ويبدو أن صدمة حادث دنشواى فى يونيو1906أشعلت جذوة الحركة الوطنية التى أفضت فى نهاية الامر إلى تنشيط العمل فى مشروع الجامعة، ففى سبتمبر من نفس العام تعهد مصطفى كامل الغمراوى أحد أعيان بنى سويف بالتبرع بمبلغ خمسمائة جنيهاً لصالح الجامعة، واختار صحيفة”المؤيد”منبراً للدعوة للاكتتاب فكتب يقول:”هل يعتقد الناس أن الوطنية بشقشقة اللسان أم ببذل النفس والنفيس فى سبيل الوطن، فمن العار علينا أن نقف وغيرنا يتقدم، وأن نكتفى بالشكوى والتحسر من الزمان والأقدار. وحقنا أن نشكو قلة وطنية البعض وبخلهم على الأعمال العظيمة المرقية للوطن. ولاعتقادى بأن على كل منا ديناً لوطنه يجب وفاؤه وعدم المماطلة فيه بادرت بالاكتتاب بمبلغ خمسمائة جنيه أفرنجى لمشروع إنشاء الجامعة المصرية.. على ألا تختص الجامعة بجنس أو دين، بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم فتكون واسطة للألفة بينهم. وأن تكون إدارتها فى السنين الأولى فى أيدى جماعة ممن يصلحون لإدارة مثل هذا الصرح العلمى الكبير وتثبت كفاءتهاللملأ،وأن يكتتب على الأقل ألف من سكان مصر كل منهم بمبلغ لا يقل عن مائة جنيه ويجوز أن يزيد المبلغ إلى ما شاء كرم الواهب وحبه للوطن والإنسانية، وأن تقع الجامعة على بقعة من أجمل بقاع مصر على شاطئ النيل، وتعمل لها حديقة من أجمل احدائق وغير ذلك من المواقع التى يقررها المكتتبون معاً.. وفى الختام أقول إن لم يلب النداء ألف من أغنياء مصر وهم ألوف،فلنخبئ وجوهنا أمام كل الأمم، ولنعترف أننا عاجزون عن مبادرة الأجانب فى مضمار الحياة الأدبية والمادية..”
ولم تكد”المؤيد”تنشر مقال الغمراوى ودعوته للاكتتاب حتى توالت رسائل التأييد للمشروع، فنشرت الصحيفة أسماء مجموعة من المكتتبين، منهم حسن بك جمجوم الذى تبرع بمبلغ ألف جنيه، عثمان بك إسلام أحد أعيان بنى سويف الذى تبرع بمبلغ مائتين جنيهاً،وكما أسهم كل من سعد باشا زغلول وقاسم أمين المستشاران بمحمكة الاستئناف الأهلية، وحمد بك سليمان أباظة المفتش بديوان الأوقاف ومحمود بك الشيشينى وخالد بك سعيد والشيخ إبراهيم دعبس بمبلغ مائة جنيه لكل منهم. ولعبت المناورات السياسية دورها فى إبعاد مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهما من رجال الحزب الوطنى عن المشروع، ووضعه فى يد أشخاص لا يثيرون مخاوف الانجليز أو الخديوى، ممن عرفوا باعتدالهم وتعاونهم مع الحكومة. فعندما اقترحت”المؤيد”على مصطفى كامل تكوين لجنة تحضيرية من كبار المكتتبين لتنظيم الاكتتاب، ووضع خطة لتنفيذ المشروع استجاب مصطفى كامل للاقتراح، ودعا جميع المكتتبين إلى اجتماع لانتخاب أعضاء اللجنة ورئيسها، وحدد يوم12أكتوبر1906، ولكن مكان الاجتماع تغير فجأة ليعقد فى بيت سعد زغلول بحجة تجنب المهاترات الصحفية، فاجتمع27شخصاً من المكتتبين وكان معظمهم من كبار الموظفين والأعيان الذين لا يثيرون شبهات الخديوى أوالانجليز،وكان من بينهم عدداً ممن يعدون من تلاميذ الشيخ محمد عبده. ولعل حرص أولئك الرجال على نجاح المشروع جعلهم يسعون لإزاحة رجال الحزب الوطنى جانباً إيثاراً للسلامة ولا عجب فى ذلك فهذه هى السياسة.وكان البيان الأول للجنة بمثابة إبراء ذمة من الصلة بمصطفى كامل ورجال الحزب الوطنى. ولعل هذا يفسر الرضا الضمنى الذى أبداه المعتمد البريطانى اللورد كرومر عن المشروع فى تقريره السنوى للحكومة عام1906فأخذ يوجه النصح لأعضاء اللجنة بالتأنى ودراسة نظم التعليم الجامعى ومرعاة قصره على أبناء الأغنياء ولا يصبح متاح لكل راغب فيه.
يقول عبد المنعم الجميعى:”ونتيجة لتزايد حركة الاكتتابات، ودعوة الصحف الوطنية كافة إلى المشاركة المالية لدعمه. قرر سعد زغلول أن يتبنى المشروع وتحمس لفكرة عقد اجتماع للاتفاق على أول خطوة عملية جادة فى سبيل تحقيق الفكرة وتأليف لجنة لتلقى الاكتتابات ونشر الدعوة بصفة منظمة بين أبناء الوطن، كما أبدى استعداده لأن يعقد هذا الاجتماع فى داره، وحدد يوم الجمعة12أكتوبر عام1906موعداً لهذا الاجتماع التاريخى.وكان سعد باشاً وكيلاً للجنة المشرفة على تنفيذ المشروع وانتخب قاسم أمين بك نائباً وحفنى ناصف سكرتيراً عاماً للجنة وحسين باشا سعيد أميناً للصندوق وعضوية مصطفى كامل الغمراوى، وبعد مناقشة كافة الأمور المطروحة للمناقشة فى برنامج الاجتماع استقر رأى أعضاء اللجنة التحضيرية على تأليف لجنة مؤقتة لمباشرة العمل حتى يتم انتخاب لجنة دائمة، كما تقرر نشر الدعوة للمشروع فى جميع الصحف المحلية عربية وأفرنجية، وأن تسمى هذه الجامعة باسم الجامعة المصرية، وأن تكون هذه الجامعة عمومية لجميع سكان القطر المصرى بلا تمييز بين الديانات والأجناس، وألا يكون لها صبغة سياسية أوعلاقة برجال السياسة أو المشتغلين بها. وأن اشتمال الجامعة على درجات التعليم الثلاث الابتدائى والتجهيزى والعالى متعذر الآن ولابد من التدرج فى التنفيذ، يلزم أن يكون للجامعة تلاميذ خصوصيون وهم الذين يقيدون أسمائهم ويحصلون على الشهادات وتكون لهذه الشهادات قيمة أدبية..”ونقرأ فى السجل الثانى من سجلات محاضر الجمعية العمومية للجامعة المصرية ما يلى:”وفى هذا الاجتماع بلغ مجموع الاكتتابات التى اكتتب بها الحاضرون جلستهم4485جنيهاً دفع منها محمد فريد مائتى جنيه يتكرر دفعهما سنوياً، ودفع على فهمى كامل مائتى جنيه وعبد العزيز جاويش عشرين جنيهاً” وقرر المجتمعون أن يتقدموا للأمة المصرية طالبين العون ومستمدين التأييد لبدء تنفيذ المشروع، وتقرر نشر الدعوة لكافة المصريين للتعريف بالمشروع والاكتتاب فيه. وعلى الفور اتصل سكرتير اللجنة حفنى ناصف بأصحاب جريدة”مصر اليومية” ليعرض عليهم الفكرة ويطلب مساهمة الجريدة فى طبع وتوزيع فكرة المشروع، فصدر المنشور بالملحق فىالعدد3286الصادر يوم18يناير عام1907، وموقع على المنشور سكرتير اللجنة.
*أزمة الجامعة:
غير أن الإدارة شجعت من طرف خفى الأعيان على التبرع لمشروع الكتتاتيب الذى كان يتبناه كرومر، مما أثر على حركة التبرعات لمشروع الجامعة. ثم جاءت الأزمة المالية عام1907 لتلقى بظلالها على حركة التبرع للمشروعين. وتعلق هدى شعراوى:”ومن شدة رغبة كرومر فى مقاومة المشروع عين سعد زغلول ناظراً للمعارف قاصداً إبعاده عن الاشتغال بأمر الجامعة. لكن سعد لم يتراجع، بل كان يحضر إلى المقر الذى أختير للجامعة(منزل خيرى باشا-مقر الجامعة الأمريكية الآن)فى تمام الساعة الثامنة صباحاً ولا يفارقها قبل الساعة الثانية بعد الظهر، ولم تكن الأعمال الجامعية وحدها هى التى تشغله، لكنه كان يبحث عن مكان يهرع إليه مختفياً من السلطة العسكرية الانجليزية ليشتغل بمستقبل البلاد. فكانت دار الجامعة هى المكان الذى يستقبل فيه أقطاب السياسة ليفكر فى تأليف الوفد المصرى حتى تحولت الجامعة إلى ندوة وطنية تنظم خطة الدفاع عن مصالح البلاد..” يقول سعد زغلول:”ومع كل ذلك وقف المعتمد البريطانى ومجلس النظار بالمرصاد، فكانت فكرة إنشاء الجامعة الأهلية حتى قبل أن تولد تمثل كابوساً للانجليز، وأثارت الدوائر البريطانية حولهاالشكوك حتى تعيش الأمة فى ظلام الجهل والأمية، وأوضح الخديوى عباس حلمى الثانى أسباب ذلك بأنه خوف الانجليز من أن يتحول الفلاحون المصريون منتجو الثروات عن نشاطهم الزراعى،يضاف إلى ذلك خشيتهم من وجود طبقة مصرية مثقفة تنادى ليس فقط بتحرير الأرض، ولكن بتحرير الشخصية المصرية والفكر و الإرادة أيضاً، فيستيقظ المصريون وينتشر نور العلم بينهم. ونتيجة لذلك رأى اللور كرومر أن مشروع الجامعة سابق لأوانه ويحتاج إلى مزيد من التدقيق، كما أعلنت الحكومة أنها لن تمد يد المساعدة للمشروع لأنه لم يأت الوقت المناسب لأن تقوم الأمة بنفسها..”ونتيجة لهذا إنتقدت بعض الصحف المصرية هذا الموقف من الحكومة ووجهت إليها لوماً شديداً. فنستطلع ما ذكرته صحيفة”المؤيد”لصاحبها الشيخ على يوسف فى عددها الصادر بتاريخ27نوفمبر عام1907تحت عنوان”الحكومة والجامعة المصرية” ذكرت “المؤيد”:”أما مركز الحكومة من هذا المشروع فهو مما تلام عليه أشد اللوم كأنها راضية بالتعليم الحالى على ما فيه من النقص والقصور الواضح، وكأنها تريد أن تظهر للعالم أجمع أن المصرى سيبقى قروناً عديدة بعيداً عن التعليم الصحيح”. كما انتقدت صحيفة”الهلال”فى عددها الصادر فى أول يناير عام1907هذا الموقف السلبى من الحكومة وطالبت أبناء الأمة بالثبات حتى يبرهنوا أنهم من الأمم الراقية الحية.
*دعوة للتكاتف لانجاح المشروع:
فى أعقاب هذه الأزمة تولى المهمة قاسم بك أمين بصفته الرجل الثانى فى اللجنة وبذل مجهوات عديدة حتى لا يخفق المشروع خاصة بعد أن حدث فتور فى حركة الاكتتاب، وطالب النخبة الوطنية بالاعتماد على النفس، وبذل الجهود فى جمع الاكتتابات، وتشكيل لجان متعددة لهذا الغرض فى أنحاء القطر، وعدم التعلق بالمساعدات الخارجية فقال:”اعتقدوا فى نجاح مشروعنا. هو فى يدنا لا فى يد غيرنا، وتنفيذه على أرض الواقع متوقف على إرادتنا نحن فإذا صادف عزيمة قوية فلا شئ يحول بيننا وبينه..”.ونقرأ فى مجلة”الهلال”فى عددها الصادر فى أول يناير عام1907ما يلى:”فأخذ قاسم بك يستنهض الهمم لجمع الاموال موضحاً الهدف الكبير من إنشاء الجامعة بقوله:”ولى أمل عظيم أن إنشاء الجامعة يكون سبباً فى ظهور الشبيبة المصرية على أحسن مثال، فهى ستكون لجميع سكان القطر المصرى بلا تمييز بين الأجناس والديانات، وهى علمية محضة ليس لها أى صفة دينية ولا أقل علاقة بالسياسة..”وأيدت بعض الصحف هذه الفكرة، فطالبت صحيفة”الجريدة”فى العدد الصادر يوم22يونيو عام1907أبناء الأمة جميعاً بدعم المشروع ووضرورة المساهمة فيه.واقترحت صحيفة”الظاهر”فى العدد الصادر بتاريخ7 أكتوبر عام1907عمل صناديق من الخشب فى وسطها ثقب مستطيل الشكل ومثبت على طول كل صندوق لوحة فى أعلاه مكتوب عليها بخط واضح باللغتيين العربية والأفرنجية”صندوق الإعانة لإنشاء الجامعة المصرية”ثم توزع هذه الصناديق على محلات التجارة العمومية، ودور التمثيل، وعلى عمد البلاد ومشايخها فى قرى مصر بأكملها. حتى يراها معظم الناس فيتبرعوا لإنشاء الجامعة،وحثت الصحيفة الجرائد الأخرى على مناشدة الجمهور للتبرع للجنة القائمة على المشروع. موضحة أنه لو مد كل واحد من الفقراء يده بما يستطيع دفعه لجمع الكثير من المبالغ. فقالت:”لو اكتتب مليون من سكان القطر المصرى بعشرة قروش لجمع فى الحال مبلغ مائة ألف جنيه،وهذا يكفى للبدء فى أعمال المشروع، هذا إذا أصر أغنياؤها على عقمهم!!” وكتب ميخائيل ثابت أحد قراء”اللواء” تحت عنوان”إقتراح للجامعة المصرية”بتاريخ11أبريل 1908،بأن تطبع الجامعة عدة دفاتر يحتوى كل منها على ألف ورقة قيمة الورقة الواحدة عشرة مليمات،ويكون عليها خاتم الجامعة ثم توزع الدفاتر على كافة جهات القطرالمصرى. فإذا توزع منها ألف تذكرة يكون ثمنها ألف جنيه أى اثنى عشر ألف جنيه سنوياً.وناشدت الجريدة فى عدد3مايو 1908 تحت عنوان”مشروع الجامعة المصرية”المصريين للتنافس على البذل والعطاء من أجل الجامعة التى ستكفل لهم غداً مرموقاً ومستقبل أفضل.ونشرت”الجريدة”بتاريخ11مايو1908تحت عنوان “حديث الأندية”قيام بعض اللجان التى شكلت للدعوة للاكتتاب وقامت بإلقاء الخطب فى حديقة الأزبكية، وأشار أحد الخطباء إلى أهمية الجامعة وفضل قيامها على المجلس النيابى. وقيام أعضاء اللجنة إلى كل من يتوسم فيهم تعضيد المشروع. واتخذت مديرية الغربية خطوات عملية بتحصيل مبلغ سبعة قروش عن كل فدان يقع فى زمامها على أن يرسل جزء كبير من المبلغ المتحصل لإنشاء الجامعة،ومع ذلك لم بسط الأغنياء أيديهم لتأييد المشروع!! *تجاوز الأزمة:
على أية حال حاول المتحمسون للمشروع شق الطريق وسط هذه الصعاب وعندما شرع المكتتبون فى انتخاب لجنة دائمة للجامعة اعتذر قاسم بك أمين عن قبول رئاستها ورأى أنه من الأفضل ان يتولى ذلك المنصب أحد الأمراء، وبناء عليه تأجل انتخاب الرئيس وتم انتخاب خمسة عشر عضواً اختير من بينهم قاسم بك نائباً ومحمد فريد سكرتيراً وحسن باشا السيوفى أميناً للصندوق.وفى10ديسمبر1906عقدت الجلسة الثالثة بمنزل محمد بك عثمان أباظة بجهة الإنشاء وتقرر تكوين لجان فرعية فى العاصمة والأقاليم، وأن يكون اجتماع اللجنة الخميس أسبوعياً فى نادى الطلبة المدارس العليا بالأزبكية، وأن يودع ما يجمع من أموال فى البنك الألمانى الشرقى لأنه البنك الوحيد الذى يقبل مساعدة الجمعة بمنحها نسبة فائدة4%سنوياً. وفى5يناير1907تقرر زيادة عدد الأعضاء إلى25عضواًمن عنصرى الأمة المسلمون والأقباط فمن أعضاء الحزب الوطنى محمد فريد،على فهمى كامل،محمود حسيب،عبد العزيز جاويش، مرقس حنا،ومن حزب الإصلاح خالد بك سعيد،يوسف بك صديق،ومن أتباع الشيخ محمد عبده الذين أسسوا حزب الأمة سعد زغلول،أحمد لطفى السيد،ومن رجالات الخديو والقصر عبد الخالق ثروت باشا،إسماعيل صدقى باشا أحمد ذكى،حسين بك أبو حسين.ومن المتخصصين فى شئون التعليم يعقوب أرتين الوكيل السابق لنظارة العارف والمسيو ماسبيرو مدير عام الآثار، حسين رشدى المفتش بالمعارف آنذاك.ومن هو من أصل غير مصرى مثل أحمد ذكى،سليمان البستانى،جبرئيل حداد،حبيب فرعون وغيرهم،وهكذا خرج المشروع إلى حيز الوجود عملياً. وفى جلسة 19يناير1907أبلغ قاسم بك الأعضاء بوافقة الخديو عباس الثانى على رعايته للجنة،وفى جلسة22ديسمبر من نفس العام أسند الخديو الرئاسة الفعلية للجنة إلى الأمير أحمد فؤاد،وبرئاسته للجنة قويت حركة الاكتتاب،فبلغت حوالى26.728من الجنيهات وازدادت لتصل إلى مائة ألف جنيه كما أوقفت بعض العقارات والأطيان للجامعة وبلغت156فداناً. فتبرع أحمد بك الشريف بمائة فدان، وحسن بك زيد من أعيان المنوفية بخمسين فدان، ومصطفى بك الغمراوى من أعيان بنى سويف بستة فدادين. وفى20مايو1908وضعت اللائحة الداخلية لتنظيم شئون الجامعة.
*حفل الافتتاح:
افتتحت الجامعة رسمياً فى يوم21ديسمبر1908،أعدت حفلة الافتتاح بمجلس شورى القوانين وكان فى مقدمة الحاضرين الأمراء وقناصل الدول والوزارء وفضيلة شيخ الجامع الأزهر ومفتى الديار المصرية ونيافة الأنبا يؤنس مطران الإسكندرية، وكبار رجالات الدولة وأعيانها. وفى تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً حضر الخديوى عباس حلمى الثانى بصحبته رئيس الوزراء بطرس باشا غالى، وافتتح الاحتفال الرسمى للجامعة قائلاً:”بسم الله العليم أعلن اليوم افتتاح الجامعة المصرية، وأسأل الله تعالى أن يجعلها منهلاً عذباً لطلاب العلم والعرفان على اختلاف الأجناس والأديان” وفي مساء يوم الافتتاحبدأت الدراسة على هيئة محاضرات تلقى في قاعات متفرقة كان يعلنعنها في الصحف اليومية كقاعة مجلس شورى القوانين،ونادىالمدارس العليا،ودار الجريدة حتى اتخذت الجامعة مقراً ثابتاً لها.وكانأول رئيس للجامعة هو أحمد لطفي السيد.وكتب إبراهيم صبرى معوض مقالاً فى جريدة”مصر اليومية”فى العدد 17160الصادر يوم20نوفمبر عام1958يدعو فيه للاحتفال باليوبيل الذهبى لإنشاء الجامعة، حضره الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وكان الدكتور مصطفى السعيد رئيس الجامعة آنذاك. وابتدأ التنفيذ بقسم الآداب،وفى عام1911انشئ فرع العلوم الاقتصادية والسياسية،وفى العام الدراسى1913-1914أنشئ فرع العلوم الجنائية،وكانت أول رسالة دكتوراه للشيخ طه حسين فى مايو عام1914.
*الاحتفال بوضع حجر الأساس:
استمرت الجامعة فى طريقها حتى بدأت نذر الحرب العالمية الثانية فى الظهور وبدأت المعونات التى تقدم إليها تقل شيئاً فشيئاً بسبب المصاعب والأعباء الاقتصادية،زاد من تعثر الموقف المالى للجامعة إعلان وزارة الأوقاف إنقاص معونتها للجامعة إلى700جنيه فقط بعد أن كانت تسهم بمبلغ خمسة آلاف جنيه سنوياً.مما كان له أكبر الأثر فى إصابة الجامعة بأزمة مالية خانقة أدت إلى تعثر رسالتها واضطرارها إلى تخفيض نفقاتها إلى النصف.وحينما علمت الأميرةفاطمة إسماعيل من طبيبها الخاص الدكتور محمد علوى بالمشكلاتالتى تتعرض لها الجامعة، ومنها أن الدار التى كانت تقيم فيها ليستملكاً لها، وكانت تنفق لإيجارها ما يقرب من400جنيه سنوياً، هذا إلى جانب الأموال الضخمة التى كانت تحتاج إليها لإنفاقها فى سبل أخرى كالبعثات والتعليم.أعلنت عن رغبتها فى المساهمة فى مشروعالجامعة.فأوقفت661فداناً من أجود أطيانها فى مديرية الدقهلية،ووهبت قطعة أرض أخرى مساحتها ستة أفدنة قرب قصرها ببولاق الدكرور خصتها لبناء دار جديدة للجامعة، وأوقفت أرضاً أخرى قدر إيرادها بمبلغ أربعة آلاف جنيه سنوياً. كما أعلنت أن سائرتكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتى قدرت آنذاك بـ26ألف جنيه،وذلك بعرض بعض جواهرها وحليها للبيع التى قدرت ب18 ألف جنيهاً.وتخليداً لذكراها كتبت على مدخل كلية الآداب هذه العبارة:”هذه من آثار حضرة صاحبة السمو الأميرة فاطمة اسماعيل” .ومن العائلة الخديوية تبرع الأمير يوسف كمال بمبلغ من المال وأقف125فداناً من أطيانه بمديرية القليوبية للجامعة.وأوقف حسن باشا زايد من أعيان المنوفية عزبته ومساحتها ستون فداناً للجامعة. هذا ويذكر أن مجلس إدارة الجامعة كان قد انتقل برئاسة الأمير أحمد فؤاد إلى قصر هذا الرجل العظيم فى يوم15أبريل عام1908لتقديم العرفان بجميله والشكر له رسمياً. وأقامت الجامعة احتفالاً بوضع حجر الأساس صباح يومالاثنين 31مارس عام1914فى الأرض التى وهبتها الأميرة فاطمة فى الدقى(حالياً مبنى وزارة الزراعة)،وتصدر الاحتفال الخديو عباسحلمى الثانى،وحشد كبير من الأمراء والنظار، وفضيلة قاضىمصر.ووضع الخديو عباس حلمى الثانى حجر الأساس،الذى وكتبعليه “الجامعة المصرية،الأميرة فاطمة بنتإسماعيل،سنة1332هجرية”، وأودع الحجر بطن الأرض،ومعه أصنافالعملة المصرية المتداولة فى ذلك الوقت، ومجموعة من الجرائد والمجلات التى صدرت فى يوم الاحتفال عام1908، ونسخة من محضر وضعالحجر الأساس، الذى توج بتوقيع الخديو، والأميرة فاطمة، وتلاهمافى التوقيع الأمير أحمد فؤاد باشا رئيس شرف الجامعة .
وتصدرهذا الحدث التاريخى صفحات الجرائد والمجلات المصرية الصادرة فى صباح اليوم، فكان العنوان الرئيسىلصحيفة”الأهرام”فى هذا اليوم التاريخى”الجامعة المصرية.. حجرالأساس” نقرأ فيه:”اليوم يضع سمو الخديو المعظم أساس الجامعةالمصرية فى أرض وهبتها عمته الجليلة (الأميرة فاطمة إسماعيل)لهذاالمعهد العلمى المفيد النافع،ومال تبرعت به لتشييد هذا البناء الفخم،وأرض وهبت ريعها للإنفاق عليه… بالأمس كانت الجامعة فكرة تدورفى الصدور، ثم صارت داراً بالأجرة. ثم صارت أخيراً اليوم داراً فخمةالبناء،مشيدة الأركان ينفق على البناء الاساسى الأصلى منها26ألفجنيه من مال الأميرة فاطمة،فى أرض لا تقل مساحتها عن 3600 متر،وغداً يجتمع حول هذه الواسطة من العقد بنايات أخرى تتسع وتمتدباتساع الجامعة،وامتداد أروقتها وتقدم العلم فيها وإقبال الطلبةعليها…”، وفى مجلة “المصور”تصدر العنوان الرئيسى لها،”بدء عهد جديد فى حياة مصر العلمية:إفتتاح الجامعة المصرية”وخصصت المجلة عدد خاص بهذه المناسبة التاريخية.
*تنقلات مقر جامعة القاهرة:
كان أول مقر للجامعة فى الطابق الأول من سراى نستور جاناكليسNastor Gianaclisالتى أصبحت مقراً للجامعة الأمريكية بالقاهرة الآنAUC،ونتيجة للمصاعب المالية التي تعرضت لها الجامعةخلال الحرب العالمية الأولى نقلت فى يوم16فبراير1915إلى فيلا محمد صدقى باشا(كان مستشاراً بمحكمة الاستئناف وحصل على رتبة الباشوية فى23مارس1918،ثم أصبح وزيراً للأوقاف فى الفترة من24نوفمبر1924إلى13مارس1925،وسكن هذه الفيلا لفترة قصيرة ثم تركها ليسكن فى الدقى،فشغلتها الجامعة،أما قبلهما فكان يشغل الموقع مدرسة للطائفة اليهودية،وهدمت هذه الفيلا فيما بعد وبنى مكانها عمارة سكنية موجودة حالياً ) وكانت آنذاك فى ميدان الأزهار(حالياً ميدان الفلكى بوسط القاهرة).فى20أكتوبر عام 1924 نقلت الجامعة إلى مدرسة العلمين العليا بالمنيرة،وهى التى تطل على شارع قصر العينى ولكن ظلت مكتبتها فى مبناها السابق فى الفيلا حتى تم نقلها يوم28أكتوبر1925إلى سراى الزعفران بالعباسية.ونتيجة لما حققته الجامعة الأهلية تم الاتفاق بين الحكومة وإدارةالجامعة الأهلية على الاندماج معاًعلى أن تكون كلية الآداب نواة لهذهالجامعة. وفى يوم11مارس1925أصبحت جامعة حكومية تابعة لوزارة المعارف العمومية.وفى16أكتوبر عام1925افتتحت كلية الآداب فى محلق بنى خصيصاً لها بجوار قصر الزعفران،وفى أوائل نوفمبر من نفس السنة نقلت الجامعة إلى سراى الزعفران بالعباسية(حالياً مقر رئاسة جامعة عين شمس).وفى أواخر فبراير سنة1930تقرر نقل إدارة الجامعة من سراى الزعفران بالعباسية إلى سراى عزت باشا،عند ناصية شارع الإنشاء مع شارع الفلكى(وهى حالياً مقر وزارة التربية والتعليم)وذلك بسبب زيارة ملك بلجيكا لمصر ورغبة الحكومة فى إيجاد قصر مناسب إقامته فوقع الاختيار على قصر الزعفران.وفى يناير عام1931نقلت إدارة الجامعة إلى سراى شيكوريل بعد رحيل صحبها سولومون شيكوريل فى2 مارس1927وتقع أمام مصلحة المساحة بالجيزة(وفى مايو1947اشترتها وزارة الخارجية السعودية وفى الأول من يوليو1947انتقات إليها السفارة السعودية بالقاهرة واستمرت بها فترة طويلة ثم هدمتها،وبعد سنوات طويلة أعادت بنائها فى2007لتكون مقراً جديداً للسفارة السعودية)وفى12يناير1934نقلت إدراة الجامعة إلى مكانها الحالى،وذلك قبل بناء قبة مبناها،و فىعام1937فتح طريق بعرض40متراً يصل بين الجامعة وشاطئ نهر النيل.وفى23مايو 1940 صدر القانون رقم27 وبناءً عليه استبدل اسم الجامعة المصرية باسم جامعة فؤاد الأول، وفى2سبتمبر1953سميت باسمها الحالى جامعة القاهرة رغم أنها تقع فى نطاق محافظة الجيزة.
أما ساعة الجامعة الدقاقة فكلفت الدولة نحو38ألف جنيه وكانلطفى السيد باشا هو الذى أشار ببنائها .
*مذكرات سعد باشا زغلول
*مذكرات هدى شعراوى
*سجلات محاضر الجمعية العمومية للجامعة المصرية الصادرة عام 1906
* أعداد أرشيفية من صحيفة “اللواء” – صدرت فى أوائل القرن العشرين
* مجلة “الإثنين والدنيا ” – عدد 12 مارس عام 1945
* مجلة”المقتطف” – أول أبريل عام 1903
* جريدة “الأهرام” – عدد 21 ديسمبر عام 1908