لم تسمح للظروف أن تمارس موهبتها، فقاومت إلى أن حققت حلمها، إنها رقية إبراهيم، التي حصلت على دبلوم الصناعي قسم زخرفة منذ 13 عام، ولم تيأس من قدرتها على تحقيق حلمها، على الرغم من معارضة الأب والزوج ورؤيتهم أن ما تفعله، شيء بلا قيمة ونوع من اللهو.
سردت رقية لـ”وطني”، بداية طريقها في عالم صناعة العرائس، فقالت ابنة محافظة الإسماعيلية: “بابا كان رافض أكمل دراستي وأدخل الجامعة، لأني مكنش ينفع أطلع بره المحافظة، دخلت مدرسة الصنايع قسم زخرفة، لأني بحب الرسم”.
وأوضحت رقية، أنها ورثت موهبة الرسم عن والدها الذي كان يعمل رسامًا لفترة طويلة من حياته، فعلمها استخدام الخامات وتركيب الألوان.
أرادت رقية أن تلتحق بكلية الفنون الجميلة، ولكن عاندتها الظروف، فلم يسمح لها والدها، ولم يؤمن بموهبتها خطيبها آنذاك، فتزوجت في الـ17 من عمرها، لتنجب 4 أطفال، وتبدأ رحلتها مع الأمومة.
فتيات كثيرات تعرضن لمثل هذه الظروف، واستسلمن للواقع ولضياع الوقت، بينما رقية لم تستسلم، وأصرت على تحقيق حلمها المدفون، الذي يكمن في حب العرائس، فحرصت على أن تشارك أبناءها رأيهم حول إنتاجها من العرائس.
بدأت الرحلة حين نشرت رقية عروس من صنع يدها، عبر صفحتها الشخصية على الفيس بوك، منذ عام مضى، لتتعرف على موهبتها رئيس لجنة المعارض بالمجلس القومي للمرأة، والتي طلبت منها على الفور الاشتراك في أحد المعارض ببعض العرائس، وبالفعل انطلقت رقية في رحلتها، التي هاجمها فيها المقربين إليها، لتفكيرهم العملي والمادي في الحياة، ولرؤيتهم أنها تضيع وقتها الذي من حق بيتها.
وهنا أثبتت رقية، أن أولادها هم من أصقلوا موهبتها، بتشجيعها واعترافهم بموهبتها بعد أن خذلها الكثيرين.
خاصة ابنتها ذات الخمس سنوات، فهي تأخذ رأيها في العرائس وألوانها، والتي تفهمت موهبة والدتها حتى أصبح من طموحاتها أن تكون فنانة مثل والدتها.
وعبرت رقية عن فرحتها بوجود ابنتها بجانبها، وهي تصنع العرائس، وكذلك أثناء الكريم عن شغلها وفنها، وقالت: “لم أعد أهتم بانتقاد أحد، بعد تشجيع أولادي وأصدقائي على الفيس بوك، أحبطوني بما يكفي، ولكن بعد أن حققت نجاحي أصبحت لا أبالي، بس الكلام الحلو بيشجعني أكمل”، هكذا تنتصر الموهبة على الواقع العملي.
كما عبرت رقية عن امتنانها بتغير موقف زوجها من الرفض إلى الموافقة، حتى أنه أصبح يسافر إلى القاهرة ليشتري معها الخامات، وذلك بعد تكريمها.
وفي لفتة حيوية امتزجت بالعزيمة، قالت رقية إن شغل العرائس يزيل أي تعب نفسي تعانيه، بل أنه يقويها على تحمل مشاق وأعباء الحياة، فورشتها وكراسة الرسم هما الملاذ الآمن لتفريغ آلامها وحزنها وأيضًا هما سبيلها للتعبير عن فرحتها وسعادتها.
وعن روح وملامح كل عروس تصنعها رقية، قالت :”كل عروسة بعملها بتكون ليها حالة خاصة، مبيكنش في دماغي تصميم معين، أنا بدخل أبص للعروسة بتخيل شكل فستانها، وبنفذه بعد ما بتخلص بحس أنها عيل من عيالي بالذات لو عروسة أنا اللي عاملة جسمها، بحس أن دخل بيتي مولود جديد وبدعي إن محدش يشتريها”.
اتجهت رقية لصناعة فستان العروس فقط للمولد النبوي، بينما باقي العرائس التي تصنعهن من أجل الديكور، تصنع جسد العروس ووجهها وفستانها من الفلين والفوم.
استطاعت رقية أن تعبر عن شخصيتها وروحها من خلال عرائسها، فشعرت أن لها كيان مستقل، ولها وجود يستطيع إنجاز الكثير. فقد كانت تسمي عرائسها في البداية، ولكنها تخلت عن ذلك حتى لا تشعر بضيق عند بيعهم.
أكدت رقية، أن أمومتها لا تعني أن تدفن موهبتها، بل أن الأمومة ساعدتها على العطاء أكثر، والتحمل.
وتحلم رقية في عمل دورة تدريبية للفتيات، لتكوين فريق عمل يقوم بتصنيع العرائس من الفوم لتوسيع نشاطها، ثم تصديره إلى الخارج، مؤكدة أن هدفها الرئيسي ليس الربح، بقدر ما هو رغبتها في تنفيذ شيء تحبه.
قررت رقية التخصص في صناعة العرائس من الفوم والفلين، بعيدًا عن الأنواع الأخرى.
ووجهت رقية رسالة لكل الفتيات اللواتي تزوجن مبكرًا مثلها، قائلة :”لو عندك موهبة متخليهاش تندفن، طلعيها، وبلاش نكسل ونقول البيت والعيال.. لو عايزة تعملي حاجة هتعمليها.. لازم تثبتي لكل اللي حواليكي أنك تقدري تعملي أي حاجة بتحبيها.. ساعتها بس كل حد كان بيشوفك ضعيفة أو ملكيش قيمة، هيحترمك كتير ويتمنى يكلمك.. اعملي نفسك بنفسك”.